تفاح اللاذقية.. الكل يربح والفلاح يخسر
لم تكن شجرة التفاح في الساحل السوري من الأشجار الشائعة زراعتها إلا ما ندر في بعض المناطق، بالرغم من توافر التربة والمناخ الملائمين لها، وخاصة في جبالها الممتدة من كسب شمال اللاذقية وحتى ريف طرطوس.
في بداية الثمانينات من القرن الفائت قامت الحكومة السورية بالتشجيع على الإكثار من زراعة هذه الشجرة. وقد لبّى المزارعون النداء، وقاموا بزراعة آلاف الهكتارات على امتداد جبال الساحل، إلى أن غدت هذه الشجرة مصدر رزق لكل من زرعها.
تحدي الطبيعة والظروف
وفي هذا العام وبالرغم من الاحتباس المطري الذي شمل كافة الأراضي السورية، فقد استبسل المزارعون لإنقاذ محصولهم، متحدّين الوضع الأمني الصعب الذي تعيشه مناطق الريف الشمالي والشرقي من اللاذقية بسبب الاشتباكات العسكرية الدائرة هناك. وبالرغم من الارتفاع الحادّ لأسعار الأسمدة والمبيدات الحشرية.. فقد استطاع المزارعون إنتاج كميات معقولة من مادة التفاح وبجودة تتراوح بين الوسط والممتاز. فماذا كان مصير إنتاج التفاح؟
تصنيف وتسويق
اجتمع ممثلون عن مديرية الزراعة والاتحاد العام للفلاحين ومؤسسة الخزن والتبريد واتفقوا على تشكيل لجنة لاستلام المحصول وتحديد المواصفات القياسية العالمية له. وتسهيلاً لعملية التسويق فقد اتفقوا على أن تقوم الجمعيات الفلاحية والمؤسسة العامة للخزن والتسويق بتأمين العبوات الفارغة وإعطائها مجاناً للمزارعين. وقاموا بإعداد جدول التسعير وفق المواصفات على الوجه الآتي:
التفاح الأحمر الممتاز بسعر (95) ل.س.
التفاح الأبيض الممتاز بسعر (90) ل.س.
باقي الأصناف حسب جودتها تتراوح ما بين (50 – 85) ل.س.
وقد هلّل المزارعون لهذه البادرة الطيبة من الجهات المعنية، وتفاءلوا خيراً عسى ولعل يخفف هذا الموسم من ضنك العيش الذي ذاقوا مرارته خلال هذه الأزمة.
وفعلاً قام المزارعون باستلام آلاف العبوات الفارغة تحضيراً لتعبئتها بالتفاح وتسويقه.
فرحة لم تتم
فرحة الفلاحين لم تدم طويلاً، إذ سرعان ما غيّرت الجهات المعنية خطتها واستعاضت عنها بخطة أخرى مستغلين غياب أو شبه غياب للدولة، وأرسلت للمزارعين موفداً خاصاً لإبلاغهم بالخطة الجديدة مفادها: بأنه يتوجّب على المزارع دفع ثمن العبوة الفارغة من الفلين مبلغاً وقدره (100) ل.س. أو أن يخصم من كل (1 كغ) من التفاح مبلغاً وقدره (7) ل.س. وأن قائمة التصنيف اختلفت لتصل أسعار التفاح وفق التصنيف الجديد إلى النصف!!
خيارات أحلاهما مُرّ
تغيير خطة التسويق والتصنيف جعل المزارع يقع في حيرةٍ:
هل يوافق مذعناً للشروط الجديدة الجائرة التي ابتدعها القيّمون على تسويق الإنتاج وتضيع بذلك أرباحه الهزيلة أصلاً..؟
أم يجازف ويعتمد على نفسه في تسويق محصوله في ظل الظروف المأساوية التي تتصف بها الطرقات بين المحافظات..؟
أم يتعامل مع التجار الذين سيستغلون حاجته ويبتزّونه لامتصاص حتى النذر اليسير من أرباحه؟ والطامّة الكبرى أن أولئك التجار هم أنفسهم موظفو الجمعيات الفلاحية ومؤسسة الخزن والتسويق كما تبين له فيما بعد..؟
استغلال ومساومة
أوفدت المؤسسة المذكورة أحد ممثليها إلى قرية عرامو – إحدى أهم القرى المنتجة للتفاح – للتفاوض والسمسرة مع المزارعين ويدعى (م . خ) ووضّح لهم بأن مدير المؤسسة السيد ذو القلب الطيب والحنون على فقراء هذه الجبال، على استعداد لشراء كامل المحصول وحتى المتضرر منه بفعل العوامل الجوية ولكن بسعر (25 - 40) ل.س وذلك حرصاً وشفقةً منه على وضع المزارعين المزري، وأنه على استعداد لتحمّل خسائرهم..!
ومن المعروف أن روسيا الاتحادية سوف تستورد من سورية حوالي (10 – 15) ألف طن من التفاح هذا العام. وطبعاً الحكومة ستشتري التفاح من التجار وشركاه الذين اشتروا التفاح من المزارعين، وفضل القيمة ستكون من نصيب أولئك التجار..
الفساد يستنسر
إن تمادي الفاسدين الذين استغلوا الأزمة واستفحل نهبهم بسبب غياب المحاسبة كلياً، جعلهم يستسهلون التطاول على كادحي ريفنا الساحلي الذين لم يبخلوا بتقديم أبنائهم بالآلاف شهداء وجرحى ومخطوفين ومفقودين.. قرباناً لوطنهم الغالي. فهل نكافئهم بسرقة حتى لقمة عيشهم؟
نطالب الجهات المعنية النظر بعين الاهتمام إلى هذه المشكلة وإلزام الجمعيات الفلاحية بالتعاون مع الاتحاد العام للفلاحين باستلام المحاصيل، وبإشراف لجنة منتخبة من المزارعين في كل قرية، مشهود لهم بالنزاهة وحسن السيرة والسلوك، لقطع دابر الابتزاز والتلاعب بأرزاق الناس حرصاً على كرامة الوطن والمواطن التي هي بالأصل على وشك الانهيار.