الشرطة والعنف في فيرغسون
لا يمكن أن نفهم ما يجري في فيرغسون الأميركيّة من دون الانطلاق من خصوصيّة جهاز الشرطة في الولايات المتّحدة ودوره التاريخي، وهو ما جعله يختلف جذرياً عن أجهزة الأمن في أغلب الدول المتقدّمة، أو حتّى عن كندا المجاورة. لا يجب أن نخلط بين صورة رجل الشّرطة المسالم والخدوم في اسكندينافيا، مثلاً، وبين سلوك نظيره الأميركي.
كلّ تواصل بين المواطنين والشرطة في أميركا مشوبٌ بالقلق والخوف، فالشرطة هناك معروفة بلجوئها السريع الى العنف والاعتقال، حتّى إنّ الأهل يربّون أولادهم على نفس الوصيّة التي كانت تُعطى لنا أيّام الحرب الأهلية وحواجز الميليشيات: «إيّاك أن تجادل شرطيّاً، فقط نفّذ ما يقوله – وبسرعة».
هذه الخشونة لها أسباب، فالشرطة في أميركا تطوّرت تاريخيّاً لكي تؤدّي مهمّة قمع عرقية وطبقية في المجتمع، بدايةً ضدّ المهاجرين الجدد، ولاحقاً في احتواء الأقليات والأفارقة (إحصائياً، يقضي واحدٌ من كلّ ثلاثة أفارقة أميركيين حكماً في السّجن خلال حياته). على خلاف أوروبا الغربية، لم تختر الولايات المتحدة طريق السياسات الاجتماعية ومبدأ «العائلة الوطنية» المتكافلة، فالشّرطة وقمعها هما الحاجز الوحيد الذي يمنع الفوارق الاجتماعية والعرقية من التحوّل الى عنفٍ يطال الطبقة الوسطى والأثرياء؛ والشرطة هي التي تحصر مشاكل الـ«غيتو» وبؤسه في داخله، وتمنعهما من التأثير على محيطه.
الأفارقة - الأميركيّون الغاضبون في فيرغسون اليوم، كما يكشف تحقيق للصحافي ريان شوسلر، جاء أكثرهم من بلدة سوداء مجاورة، تمّ تهجيرها منذ ثلاثين عاماً بحجّة بناء مدرج لمطار ملاصق، فتبعثر سكانها في البلديات القريبة وسكنوا في مجمّعات بائسة، كان منزل «مايك براون» في واحد منها. هنا لعبت الشرطة المحلية دور ضبط واحتواء هذا الانهيار الاجتماعي. وفي بعض مناطق الجنوب الأميركي، حيث نسبة الأفارقة من السكان عالية للغاية، والعنصرية البيضاء لا تزال تمارَس بشكل شبه علنيّ، لم يكن غريباً أن يُصدم الإعلاميون القادمون من المدن الكبرى بالفظاظة والشراسة التي تجذّرت - عبر السنين - لدى شرطة فيرغسون.
في بلادنا، القمع السياسي لا رادّ له، ولكن لا تزال هناك مؤسسات مجتمعية تؤمّن للفرد درجة ما من الحماية ضدّ جور الشرطة والدولة - من العشيرة الى الفساد والرشوة الى «الواسطة» (لا أعرف لبنانياً لا يملك واسطة ولا يعتبر نفسه «واصلاً»). أمّا في الغرب الصناعي، فلا شيء يقف بين الفرد والسلطة حين تتعسّف؛ وإذا كان المواطن الأميركي الأبيض يشعر بالقلق والتوتّر حين تجاوره سيّارة شرطيّ، فما بال أبناء الأقليّات؟ يقول الكوميدي الأفريقي - الأميركي كريس روك في أحد أعماله: حين ألمح سيارة شرطة تسير خلفي، الفكرة التي تسيطر على عقلي هي «أتمنّى ألّا يكون رجل أسود يشبهني قد فعل شيئاً ما».
المصدر: الأخبار