تركيا إلى أين؟
منحت النتائج الانتخابية الرئاسية التي جرت في العاشر من أغسطس/ آب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، مرشح حزب العدالة والتنمية، الفوز من الجولة الأولى، بحصوله على نحو 52 في المئة من أصوات الناخبين . وتعد هذه الانتخابات الرئاسية الأولى، في تاريخ تركيا المعاصر، التي ينتخب فيها رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، منذ عام ،1923 تاريخ إعلان الجمهورية التركية، وليس من خلال البرلمان .
ورغم فوزه من الجولة الأولى، خلافاً لتوقعات العديد من المراقبين، فإن حصول منافسيه، أكمل إحسان أوغلو، مرشح أحزاب المعارضة القومية والعلمانية (حزب الشعب الجمهوري، الحركة القومية . . . . .) على 38 في المئة، وصلاح الدين ديميرطاش، مرشح حزب اتحاد الشعوب الديمقراطية الكردي على 9 في المئة، يؤكد حالة الانقسام السياسي - الانتخابي الحاصل في تركيا، وفي عموم محافظاتها .
ويأتي فوز أردوغان، بعد أن استنفد دستورياً فرص مواصلته بمنصبه في رئاسة الحكومة، التي تولاها لدورتين متتاليتين، وفي ظل الإمكانية الدستورية أيضاً، لأن يشغل منصب رئاسة الجمهورية لولايتين متتاليتين، كل منها خمس سنوات .
كما ينظر إلى فوز أردوغان، في فترة تركية حرجة للغاية، تتلخص عناوينها الرئيسية في كيفية معالجة علاقتها السلبية الراهنة مع الدول الجوار التركي، وشبه انعدام فرصة نيل عضوية الاتحاد الأوروبي . إضافة إلى تراجع الدور التركي في المنطقة العربية، وبخاصة بعد سقوط أنظمة ثورات الخريف العربي، وأحزاب حركة الإخوان المسلمين في مصر وتونس، والفوضى العارمة الجارية في ليبيا . كذلك الإشكاليات الصعبة التي تواجه الحركات والمجموعات الإسلاموية المسلحة، في كل من العراق وسوريا ولبنان .
أردوغان القادم إلى سدة الرئاسة التركية، والساعي إلى القيام بتعديلات دستورية، توسع من صلاحيات الرئيس، على حساب السلطتين التشريعية (البرلمان) والتنفيذية (الحكومة)، يواجه تعقيدات داخلية تتمثل في انقسام الشارع التركي انتخابياً، وفي ظل صعوبات اقتصادية كبيرة، بسبب سياساته مع دول الجوار التركي والمنطقة العربية عموماً، فضلاً عن ماهية التعاطي الأوروبي - التنافسي (دولاً واتحاداً) مع تركيا، وتوجهاتها في المنطقة العربية والآسيوية وبضمنها جمهوريات آسيا الوسطى (السوفييتية سابقاً)، العاملة على تقوية علاقاتها وروابطها مع روسيا الاتحادية، إضافة إلى انخراط عدد منها في روابط وتكتلات إقليمية وقارية، من الكومنولث (رابطة الدول المستقلة لجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق) إلى منظمة شانغهاي للتعاون الدولي، مروراً بمعاهدة الأمن والتعاون للعديد من هذه الجمهوريات السوفييتية السابقة .
ورغم عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي (تعد قواتها المسلحة ثاني أكبر جيش في الحلف)، كذلك عضويتها في منظمة الدول الإسلامية، إلا أن هاتين العضويتين لم توفرا لتركيا، مدخلاً لوضع خاص ومهم في المنطقة، بسبب من طبيعة سياساتها تجاه أحداثها، وكيفية تعاطيها مع تفاعلاتها وتطوراتها أيضاً .
وفي الوقت الذي يعمل فيه أردوغان، وإثر فوزه من الجولة الانتخابية الرئاسية الأولى، على إجراء تعديلات دستورية، تمس طبيعة النظام التركي القائم، من نظام برلماني إلى نظام رئاسي يتمتع فيه الرئيس بصلاحيات أوسع على حساب السلطات الأخرى، فإن من شأن هذه التعديلات، أن تحدث تباينات في صفوف حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ عام ،2003 ولاحقاً في صفوف مؤيديه وناخبيه أيضاً . كذلك لها تداعيات على الأحزاب والقوى التركية الأخرى على اختلافها وتنوعها .
وتضاف بمجموعها إلى العزلة السياسية التي يعانيها الحزب الحاكم في علاقته مع الأحزاب التركية الأخرى (العلمانية، القومية، المذهبية)، من حزب الشعب الجمهوري، إلى الحركة القومية، مروراً بالحركة الكردية .
يدرك أردوغان التبعات السلبية للتعديلات الدستورية التي يسعى إلى إقرارها، كما يدرك حجم الصعوبات المناطقية والإقليمية التي تواجه تركيا . كذلك الإشكاليات التي تواجهها في سياق محاولتها تطبيع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، ومع جارتها الشمالية روسيا الاتحادية . إذ لم تسفر سياسة تصغير المشاكل، التي نظر لها ونفذها وزير خارجيته أحمد داوود أوغلو، عن حلول إيجابية لهذه المشاكل، بل زادتها حدة وتعقيداً، وجاءت انتكاسات ما سمي بثورات "الربيع العربي" لتضيف تعقيداً جديداً إلى الحالة التركية القائمة .
هذه الصعوبات والتعقيدات، الداخلية منها أو الخارجية، وبخاصة مع دول الجوار والمنطقة، لن تمنح أردوغان، وإن فاز بالانتخابات الرئاسية، واستطاع تعديل الدستور، لمصلحة نظام رئاسي، أن يوجد حلولاً لمشكلات تركيا المتراكمة، منذ تولي حزبه مقاليد السلطة . فالإشكالية التي تعانيها تركيا، أكبر من تعديلات دستورية، ومن شخصنة للصعوبات التي تواجهها أيضاً، لأنها تأتي في سياق التباينات والتعارضات مع السياسة التركية في المنطقة وجوارها والعالم أيضاً.
المصدر: الخليج