الولايات المتحدة الأمريكية: فقاعة النمو الجديدة والاقتصاد الضعيف!
سَرَت معايير مزدوجة على اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية منذ أزمة عام 2007 و2008، وهو ما باتت نتائجه مرئية بوضوح، فبينما يعاني جماعة "ماين ستريت"1 الركود ينعم جماعة "وول ستريت" مقابلهم بحياة مرفهة وأنانية.
ترجمة وإعداد: معن خالد
يرى الجمهوريون بأن التوازن المالي (انخفاض عجز الموازنة) يتناقض بشكل حاد مع الدعم المطلق الذي تقدمه وزارة الخزانة والبنك الفدرالي للقطاع المالي، والذي يشمل إنقاذ البنوك وحقن السيولة الهائلة والإعفاءات الضريبية والتراخي في الضوابط. كما يرى الجمهوريون ضرورة تقليص العجز المالي عبر تعديل الأجور والاستهلاك في الوقت الذي يتم تحريض لا مثيل له على تمركز الثروة، يقوده كبار الاقتصاديين أمثال "ساييز" و"بيكيتي" وآخرون...
وهم الانتعاش الأخير!
أظهر القليل من محركات الانتعاش الحقيقي نمواً طفيفاً منذ عام 2009، ووفقاً للأخبار وحسب النسخة الثانية لمكتب التحليل الاقتصادي، فإن الاقتصاد لم ينمُ بمعدل 0,1% كما قال التقرير بنسخته الأولى، بل إن النمو الاقتصادي بلغ -0,1% في الربع الأول من عام 2014. ويفسر مكتب التحليل الاقتصادي ذلك بإنخفاض المخزون السلعي والصادرات مع ثبات الاستثمار العقاري وغير العقاري وإنخفاض الإنفاق الحكومي الفيدرالي والمحلي وارتفاع الواردات، وهذا يزيد بشكل متعمد مخاطر حدوث فقاعات مالية جديدة في وول ستريت. كما أعلن صندوق النقد الدولي تراجع توقعاته للنمو من 2,8% إلى 2%.
والدليل على ذلك أن الإجراء غير التقليدي، المتمثل بزيادة ضخ السيولة، أسهم بشكل ضئيل في تخفيض دين الأسر وإعادة الاستهلاك، وزادت معدلات التضخم بمعدل أقل مما توقعه البنك الفيدرالي بسبب تخفيض السيولة الذي تم لاحقاً. وشهدت معدلات الدين، كقروض الرهن العقاري وقروض الطلاب وأرصدة بطاقات الإئتمان المتعلقة بإنفاق الأسر، ارتفاعاً شديداً منذ عام 2009. وزاد الإئتمان وفقاً لبيانات للربع الأول من هذه السنة "انظر تقرير الدين وإنفاق الأسر والإئتمان في nyfed.org/1hMuFY2" ولكن ذلك لم يُعكس في زيادة الناتج المحلي. من ناحية أخرى فإن 19% من مالكي العقارات لديهم منازل تقل قيمتها عن رهونهم العقارية "وول ستريت جورنال 21/5/2014" ويشير هذا الوضع إلى أن المشكلة المالية لم تحل بعد.
بعبارة واقعية فإن الولايات المتحدة لم تستعد مستويات الاستثمار من الناتج التي كانت عليها قبل الأزمة وهي فعلياً أقل بـ 3,26% من المستويات التي كان عليها في عام 2007 وفقاً لـ"OEC" "انظر التقرير الاقتصادي لـ OECD عام 2014".
معدلات البطالة الفعلية تنفي التعافي!
رغم كل ذلك فإن التفاؤل الحكومي مبني بعض الشيء على زيادة عدد المشتغلين غير الزراعيين إلى 288 ألف شخص في شهر نيسان وتراجع معدل البطالة إلى 6,3%، حيث أنجز المصرف الفيدرالي الأمريكي أخيراً هدفه المعلن من قبل "بين بيرنانكيه"2 القاضي بتخفيض البطالة إلى أقل من 6,5%. لكن ما ينبغي ملاحظته أن 65% من الناس النشيطين اقتصادياً (مجموع كل الناس القادرين على العمل والذين يقومون بالبحث عن فرصة عمل) كانوا يعملون سابقاً، بينما الرقم اليوم هو 58% فقط وذلك لأن 7% منهم قد هجروا سوق العمل (توقفوا عن البحث عن فرصة عمل كونهم يئسوا، وبات معدل البطالة لا يشملهم بالحساب وهي طريقة إحصائية لتقليل رقم البطالة) كونهم غير قادرين على إيجاد عمل مناسب، كما أن معدل البقاء في فترة البطالة هو 9 أشهر (بينما كان 4 أشهر قبل أزمة عام 2008)، وبهذه الطريقة فإن معدل البطالة يصل إلى 13,5% من الناس الفاعلين اقتصادياً مقارنة بعام 2008 العام الذي يجب أن نقارن معه. لقد تم خلق 190 ألف فرصة عمل في القطاع غير الزراعي خلال 12 شهراً الماضي، وهي غير كافية فيما لو أخذنا بالحسبان أن 3 ملايين فرصة عمل فُقدت خلال الأزمة، أضف إلى ذلك كمّ الشباب المفعم بالحيوية الذي يدخل سوق العمل في حزيران عندما ينتهي العام الدراسي.
لا انتعاش مع تخفيضات ضخ السيولة
بررت "جانيت يلين"3 في ظهورها قبل اجتماع الكونغرس في 7 أيار تخفيضات جديدة بلغت 10 مليار دولار شهرياً من المحفزات المالية المخصصة لتطوير سوق العمل، وقُلصت المحفزات المالية الشهرية البالغة 85 مليار دولار للمرة الرابعة بـ 10 مليار دولار لتبلغ حالياً 45 مليار دولار. لقد بدا حالياً أن حقن السيولة هذه لم يسبب أي زيادة في معدلات التضخم والتي كانت عند 3% في عام 2008 بينما هي اليوم 1,5% مع ميل مؤشر أسعار المستهلك للانخفاض (يؤشر عدم ارتفاع التضخم في هذه الحالة على عدم انتعاش النمو الاقتصادي). بالنسبة لأوروبا واليابان فمعدلات التضخم عند الصفر تقريباً، أما بريطانيا فقد أعلنت أن معدل التضخم بلغ 1,5% في بدايات حزيران، وقد أعلن بنك انكلترا رفع معدلات الفائدة نظراً لسرعة الانتعاش غير المتوقعة.
إن أفعال المصرف الفيدرالي الأمريكي تسير وفق مصلحة "وول ستريت" على حساب "الماين ستريت" دون أي تحسن جوهري، فمنذ نهاية التحفيز نما مؤشر "الرسملة" (القيمة السوقية لرأسمال كبرى الشركات) في سوق الأسهم بشكل مستمر، وهو ما يمكن وصفه بالمعادل المالي للعبة "الدجاج"4 فالفائز فيها هو آخر شخص يستمر بقيادة السيارة ضد منافسيه قبل أن يصل إلى الهاوية!.
نمو وهمي على حساب الحقيقي!
مع هذه البيانات الاقتصادية التي تشير إلى انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي والميول الانكماشية والمستويات المنخفضة من التشغيل في القوى النشيطة اقتصادياً، فإن مؤشر "داو جونز" المركب الذي بلغ ذروته في أكتوبر 2007 بنمو بلغ 21% (عند 14,198 نقطة) وهو الآن عند 16,945 في 11 حزيران 2014. فإذا كان الاقتصاد الأمريكي ينمو بصعوبة فمن أين أتى هذا النمو في مؤشر "الرسملة"؟
أليس من تمركز الودائع الآتية من بقية أنحاء العالم؟! أليس من عودة رأس المال من أسواق أخرى؟! إذا كان كذلك كما في العام 2008 فإن تكلفة انفجار الفقاعة المالية سيكون مصدراً لأزمة عالمية جديدة. حيث لا يوجد ارتباط بين تحسن مؤشر سوق الأسهم من جهة ووضع الاقتصاد الحقيقي الأمريكي في الجهة المقابلة، فلا شيء يبشر بالانتعاش الاقتصادي أو تحسن جديد للميل الكئيب للأسعار، فعلى الرغم من كل الخطب، نجد وضعاً طبيعياً جديداً متمثلاً في انخفاض الأسعار.
forumdesalternatives.org
هوامش:
ملاحظة: كل ماهو بين قوسين كبيرين (...) هو إضافة من المترجم.
• المقصود بجماعة “MAIN STREET” الشرائح الاجتماعية المتضررة من سياسات "وول ستريت" أي أن جماعة "ماين ستريت" تعني صغار الموظفين والمستثمرين الصغار في البورصة فيما تمثل "وول ستريت" تجمع كبرى شركات الأموال وكبار الموظفين.
• بين بيرنانكيه: رئيس البنك الفيدرالي الأمريكي السابق.
• جانيت يلين: رئيسة البنك الفيدرالي الأمريكي حالياً.
• مصطلح لعبة الدجاج: تقوم اللعبة على تنافس متسابقين للسيارات في مضمار عند حافة الهاوية والفائز هو الذي يستمر حتى النهاية بالتغلب على منافسيه دون الانحراف والوقوع في الهاوية، ويستخدم هذا المصطلح ككناية عن "الجبن". ويدل في الاقتصاد على الوضع الخطير لكل القوى الاقتصادية التي تتنافس على هاوية الانهيار الاقتصادي فرغم فوز كبرى الشركات يبقى الجميع على حافة الانهيار!