حروب المعتدي لن تحل أزماته: قراءة أولية في خيار الحرب البرية على قطاع غزة
دشنت الحكومة الأميركية هاجسها الدائم “دعم اسرائيل” بطلب مجلس الشيوخ، 17 تموز، تخصيص مبالغ إضافية “عاجلة” قيمتها 621 مليون دولار تحت سقف تعزيز وتطوير اداء منظومة الدفاع الصاروخي– القبة الحديدية؛
تلاه اعلان “اسرائيل” عن بدء “الاجتياح البري لقطاع غزة بقصف مدفعي ثقيل شاركت فيه قوات مشاة ومدرعات وهندسة ومدفعية واستخبارات بإسناد جوي وبحري .. العملية ستستمر من أسبوع إلى 10 أيام تقريباً ..” وتضمن “تعليمات لضرب الانفاق (..) التي تتوغل من قطاع غزة .. والتسلل الخطير الى اراضي اسرائيل..” كما جاء في البيان الرسمي الصادر في القدس المحتلة مساء ليلة الخميس، 17 تموز الجاري.
ما نحن بصدده هو اماطة اللثام عن اسراف التوقعات ولي عنق الحقائق والمبالغة، في الجوانب السياسية والعسكرية، خاصة في ضوء حالة الاسترخاء والتخلذل الرسمي، عربيا واقليميا ودوليا، وميل وسائل الاعلام لتلقف كل ما يصدر من تضخيم كما يحدث في كل الحروب دون استثناء.
منذ بدء العدوان “الاسرائيلي” على قطاع غزة هللت وسائل الاعلام الاميركية و”الاسرائيلية” الى فعالية منظومة القبة الحديدة في اعتراض الصواريخ المتجهة لمواقع وتجمعات المستعمرين الصهاينة والمؤسسات الرسمية؛ تخللها اشارات باهتة تفند تلك المزاعم، ابرزها جاء على لسان استاذ العلوم والتقنية في معهد ماساتشوستس التقني – إم آي تي – المرموق، تيد بوستول، اذ قال ان “معدل اعتراض صواريخ القبة الحديدة كان متدنيا جدا – وربما بحدود 5% او أقل.”
واضاف بوستول في احدث دراسة له نشرها يوم 15 تموز الجاري انه سيثبت صدقية ما توصلت اليه ابحاثه السابقة، عام 2012 بعد العدوان على غزة، وكذلك نتائج مماثلة للعدوان الجاري، 2014، التي بمجموعها تدل على ان “اداء القبة الحديدية بعد عام ونصف تقريبا ربما لم تتحسن؛” مستدركا ان ابحاثه لا زالت جارية. واوضح ان المهمة المنوطة بأي منظومة صاروخية تكمن في “تصدي الصاروخ المعترض للرأس الامامي المتفجر للصاروخ القادم وتدميره. اما وان اصطدم رأس الصاروخ المعترض بالجزء السفلي من الصاروخ القادم، فكل ما يستطيع انجازه هو الحاق الضرر بانبوب المحرك الصاروخي، الذي هو عبارة عن انبوب فارغ .. وعمليا ليس له اي تأثير على حصيلة المواجهة” بين الجسم المتفجر والجسم المعترض.
الخبير العلمي في شؤن الطاقة النووية، جون مكلين، ذهب ابعد من زميله بوستول بالقول ان “القبة الحديدة عبارة عن سلاح لحملات العلاقات العامة،” اذ ان كلتاهما يستند الى احدث ما تنتجه التقنية الحديثة من وسائل وابتكارات. واضاف ان تلك الحملة من شأنها “تحويل مجرى الاهتمام (العالمي) بعيدا عن الكلفة البشرية للغارات والقصف الاسرائيلي لقطاع غزة.”
الصحف الصادرة في الكيان الصهيوني صباح الثامن عشر من شهر تموز الجاري اوردت الاحصائيات “المخيفة” التالية: عدد الصواريخ التي اطلقته المقاومة الفلسطينية بلغ 1,344 صاروخا؛ رصد 263 محاولة اعتراض. اي ان النسبة “القصوى” لا تتعدى 19.56% وهي نسبة ادنى بشدة من زعم الاجهزة الرسمية بانها تراوحت بين 84 و 90%.
في ذات اليوم، حذرت صحيفة “هآرتس” الحكومة بأن عليها “التفكير مرتين، عشر مرات، مئة مرة (قبل ان تقرر) دخول قوات برية الى قطاع غزة ..” في اعقاب استدعاء الحكومة الصهيونية لمزيد من قوات الاحتياط، 8,000 عنصر، ليبلغ مجموعها نحو 70,000 جندي تحت السلاح.
وجاء في معظم تقارير الصحف المذكورة ان القيادة العسكرية للكيان الصهيوني “تقدر بأن العملية (البرية) ستؤدي الى تصعيد اطلاق الصواريخ على اسرائيل في المدى القصير .. ضباط الجيش الاسرائيلي الكبار هم اقل الناس رغبة في الحرب ..”
في البعد السياسي، تم الترويج للغزو البري “المحدود” للقطاع بأنه ثمرة رفض حركات المقاومة الفلسطينية لما سمي بالمبادرة المصرية لوقف القتال، والتي وافقت عليها “اسرائيل” فور الاعلان عنها وسعيها لوضع خصومها في مواجهة الجانب المصري، الذي قيل انه يتحرك بمباركة اميركية. الرفض الفلسطيني القاطع للمبادرة جاء لخلوها من اي ضمانات توقف العدوان وتردعه مستقبلا، وتهميش المطالب المطروحة من ضرورة فتح جميع المعابر وزانهاء الحصار على القطاع، فضلا عن اعادة “اسرائيل” كافة المعتقلين الذين تحرروا بصفقة شاليط، وعدم العودة لصيغة “الهدوء مقابل الهدوء” تعين المعتدي وتخلو من ضمانات حقيقية.
البعد المستحضر في “المبادرة” هو اعادة الاعتبار الى السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، ليقطف ثمار صمود وتضحيات غيره واستعادة بعض اوجه سلطته على القطاع ابرزها وضع طواقم قواته الأمنية على معبر رفح “فيلادلفي” المشترك مع مصر.
كذلك لا يجوز اغفال البعد السياسي والاعتبارات الداخلية في مصر التي لا زالت تواجه تجليات “التنظيم الدولي للاخوان المسلمين،” ومقره في تركيا بدعم وتأييد من امارة قطر اللتين تجهدان لاستعداة “مجد” سلطة حكم الاخوان القصيرة، من جانب، والاهم ان الاثنتين تحتفظان بعلاقات مميزة وعلنية مع “اسرائيل” وتسوقان نفسيهما كاطراف باستطاعتها لعب دور الوسيط بين “حركة حماس واسرائيل،” سيما وان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خال مشعل، يقيم في قطر ويكن وداً جماً لحزب الحرية والعدالة الحاكم في تركيا، ويجهد هو الآخر نيابة عن “التنظيم الدولي للاخوان” لانتزاع ورقة المقاومة واحتضانها من مصر “واحراج نظام السيسي شعبيا واعلاميا واقليميا،” طمعا في تكريس “السيطرة الفعلية لحماس على قطاع غزة.”
قوى المقاومة استبقت كل تلك المؤشرات الرامية الى وأد تضحياتها واتخذت زمام المبادرة ونجحت في اقصاء كل من تركيا وقطر، للحظة، ورفضت اختزال المقاومة بفصيل بمفرده، ، وتصر على دور اساسي لمصر لاعتبارات عدة لا يجوز اغفالها او القفز عليها.
في هذا الصدد نشير الى ما صرح به الناشط والباحث الدكتور ابراهيم علوش: “.. ما سبق قد يضع أنصار المقاومة ومناهضي الصهيونية في معضلة سياسية، فهم لا يمكن أن يؤيدوا إغلاق معبر رفح أو حصار غزة بطبيعة الحال، ولا يمكن أن ينجروا خلف المشروع “الإخواني”-القطري-التركي في الإقليم، ولا يمكن أن يرضوا بأن يدفع الشعب العربي الفلسطيني مجدداً ثمن الصراعات الإقليمية، ولا بأن يتعرض أمن مصر أو أي دولة عربية للتهديد، ولا بأن تُشن حملات ضد جميع الفلسطينيين في بعض وسائل الإعلام المصرية دون أي تمييز.. فالموقف المبدئي يجب أن يكون أولاً وقبل كل شيء دعم المقاومة ومناهضة العدو الصهيوني بلا تحفظ، كثابت لا محيد عنه، وهو ما يمثل مصلحة قومية عليا تصغر أمامها كل التناقضات الأخرى. كذلك لا بد من الإصرار على وقف التطبيع وإغلاق السفارات وإعلان بطلان المعاهدات مع العدو الصهيوني، ومنها معاهدة كامب ديفيد، ولا بد من التعامل مع الصراع مع العدو الصهيوني كمسالة أمن وطني مصري لأن كل ما يجري في الإقليم من صراعات وفتن وتفكيك وقلاقل يخدم العدو الصهيوني. ولا بد من تقديم كل وسائل الدعم للشعب العربي الفلسطيني في مواجهة العدو الصهيوني، في غزة وفي غيرها، ومن ذلك تسهيل حركة الأشخاص والبضائع عبر معبر رفح وغيره طالما العدوان الصهيوني مستمر. ”
وحذر من ان “الموقف المبدئي يجب أن يكون أولاً وقبل كل شيء دعم المقاومة ومناهضة العدو الصهيوني بلا تحفظ، كثابت لا محيد عنه، وهو ما يمثل مصلحة قومية عليا تصغر أمامها كل التناقضات الأخرى. كذلك لا بد من الإصرار على وقف التطبيع وإغلاق السفارات وإعلان بطلان المعاهدات مع العدو الصهيوني، ومنها معاهدة كامب ديفيد، ولا بد من التعامل مع الصراع مع العدو الصهيوني كمسألة أمن وطني مصري لأن كل ما يجري في الإقليم من صراعات وفتن وتفكيك وقلاقل يخدم العدو الصهيوني. ولا بد من تقديم كل وسائل الدعم للشعب العربي الفلسطيني في مواجهة العدو الصهيوني، في غزة وفي غيرها، ومن ذلك تسهيل حركة الأشخاص والبضائع عبر معبر رفح وغيره طالما العدوان الصهيوني مستمر.”
حيثيات العدوان على غزة
زفت الدقائق الاولى من صباح السبت، 19 تموز، ثمرة اشتباكات عنيفة دارت مع قوات “الجيش الذي يقهر ويذلّ،” وبدء حرب عصابات حقيقية ضد قوات غازية، امام عدو لم يحصد سوى المزيد من الضحايا المدنيين، اطفالا وشيوخا، نساء ورجالا، وافناء عائلات بأكملها. وحمل بيان صادر عن سرايا القدس، الذراع العسكري لحركة الجهاد الاسلامي، ما يلي: “سرايا القدس تستولي على رشاش الدبابة المستهدفة (ميركفاه بصاروخ مضاد للدروع) في بيت حانون واعتراض مكالمة لاسلكية تؤكد وجود قتلى بين الجنود” من القوة الغازية؛ كما استولت على عتاد عسكري يعود لعدد من الجنود الصهاينة في احد محاور الاشتباك؛ وفجرت دبابة ميركافاة ثانية في بيارة “ابو رحمة” ببيت حانون شمال القطاع. سبق البيان سلسلة صليات من صواريخ قوى المقاومة على تجمعات ومستعمرات فلسطين المحتلة.
كما تواترت تصريحات قادة الكيان الصهيوني، ساسة وعسكريين، تتوعد سكان القطاع بالويل والثبور وعظائم الامور، بأن “الهجوم البري قد يمتد بشكل اوسع ..” الصحف الصهيونية الصادرة عشية التوغل البري اشارت الى حالة الانقسام والارتباك في الصف القيادي قائلة “كل من (رئيس الوزراء بنيامين) نتنياهو، (ووزير الحرب موشيه) يعلون ورئيس الاركان (بيني) غانتس لم يرغبوا الدخول في عملية برية، لكنهم انجروا اليها ..” وحثت “هآرتس” حكومة نتنياهو اسراع الخطى “للبحث عن شريك (فلسطيني) شجاع للتسوية .. اذ ان افضل شريك للتسوية هو مروان البرغوثي ..”
يجمع الخبراء العسكريون الغربيون على ان زخم الاندفاع “الاسرائيلي” سيأتي على منطقة بيت لاهيا، في الشمال من القطاع، والتي انطلقت منها الكمية الاكبر من الصليات الصاروخية طمعا في القضاء عليها او تحديد قدرتها، وتوسيع المسافة الجغرافية الفاصلة بين مصدر الاطلاق والهدف في المستعمرات المحيطة بقطاع غزة. ما يجهله ويقر به هؤلاء واقرانهم في الجانب الصهيوني هو مواقع التصنيع وتخزين صواريخ المقاومة، والتي عجزوا عن الفتك بها او تحديد مواقعها بشكل دقيق.
ولجأ الاعلام الصهيوني، كعادته، الى التطمين المخادع لمستوطنية بانه قضى على نحو 60% من مخزون وورشات تصنيع الصواريخ، وزعم ان قدرة المقاومة الفلسطينية “لا تتعدى انتاج 30 صاروخا شهريا،” والتي وفق اعلاناته باطلاق 1,344 صاروخا؛ اي ان تعويضها ذاتيا سيستغرق نحو 44 شهرا!
احدث اعلان صادر عن كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة حماس، اوضح ان الصناعات العسكرية الفلسطينية اعدت نحو ربع مليون قنبلة يدوية وضعت تحت تصرف “فتيان الشعب الفلسطيني ليرجموا بها العدو.” واضاف الاعلان انه تم تعويض كافة خسائر العتاد منذ بدء المواجهة بالكامل، مما يرسل خطابا صريحا الى كل المعنيين بأن العدوان واجه الفشل تلو الفشل، والمعركة البرية التي بدأت وتنتظرها قوى المقاومة سيحد من فعالية سلاح الطيران الى حد كبير.
في المحصلة، رفضت كافة فصائل المقاومة بشدة ما يروج لتفعيل الهدنة، بصيغتها عام 2012، واصرت على حقها في الزام الطرف المعتدي وحلفائه بشروط المقاومة، محذرة من تجاوز دورها والقفز على تلبية المطالب الانسانية.
استجابت دولة الاكوادور الصديقة سريعا الى نداءات الشعب الفلسطيني واستدعت سفيرها من تل الربيع احتجاجا على العدوان “الاسرائيلي” على الشعب الفلسطيني فور بدء “الاجتياح البري؛” وتتصاعد موجة الاحتجاجات والتظاهرات المؤيدة لفلسطين عبر العالم، والدول الغربية بشكل خاص، يقابلها صمت مروع في الدول الاقرب جغرافيا لفلسطين.
المصدر: مركز الدراسات الأميركية والعربية