كيف تدحرجت إسرائيل إلى العملية البرية ضد غزة؟
كشف المراسل العسكري للقناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي النقاب، أمس، عن أنّ الساعة الصفر لبدء العملية البرية ضد غزة اختيرت لتكون أذان المغرب حيث يضطر المقاتلون من حركة «حماس» و«الجهاد الإسلامي» أساسا للإفطار في شهر رمضان.
وكشف مراسلون آخرون أن قرار الشروع بعملية برية اتخذ في أعقاب اجتماع سري للمجلس الوزاري المصغر عقد بعد ظهر أمس الأول. وبديهي أنّ المراسلين يتحدثون عن أنه يسبق تحرك كل جندي أو مدرعة إسرائيلية في أراضي القطاع تمهيد مدفعي وجوّي وبحري لا يترك مجالاً لأحد بالبقاء لشدة النيران.
ولكن كل ذلك لم يغن الكثيرين في إسرائيل عن التساؤل عن طبيعة هذه الحرب التي تبدو إسرائيل وكأنها تشنها ضد قوة عظمى. فقطاع غزة يتراوح عرضه من ستة إلى 12 كيلومترا ولكن العملية البرية تتحدث عن عمق لا يزيد عن ثلاثة كيلومترات ينبغي محاولة الدخول إليها وتمشيطها في مدة لا تقل عن أسبوع ولا تزيد عن عشرة أيام. وقد تم تجنيد ما لا يقل عن 74 ألف جندي احتياط لخوض المعركة مع المقاومة في غزة التي ملأت إسرائيل الدنيا ضجيجاً عن فقرها وبؤس أهلها. ولكن مع بدء العملية البرية كثر الحديث عن أوجه الشبه بين حرب «الجرف الصامد» وحرب لبنان الثانية.
وفي كل حال، من المهم أن نشير إلى أن كبير المعلقين السياسيين في «يديعوت» ناحوم بارنيع لم يجد بداً في مستهل تقريره الأسبوعي سوى الإشادة بقدرات «حماس» ومقاتليها، وهو يقصد أيضا المقاتلين الفلسطينيين من الفصائل الأخرى وخصوصاً من «الجهاد الإسلامي». وكتب في مقالة بعنوان «وظهرهم إلى البحر» أن «استخدامهم الإرهاب آثم، واعتقادهم الديني ظلامي، وخططهم المتعلقة بنا قاتلة، لكن يجب أن نعترف بصدق بعد تسعة أيام قصف أنّ رجال حماس، يقاتلون». وأضاف «برغم أن كل من يخرج رأسه من الملجأ تحت الارض في غزة يُغرر بنفسه، وبرغم أنهم تقاتلهم قوة عسكرية قوية وماهرة ومسلحة بأكثر المنظومات الهجومية والدفاعية جدية في العالم، فإنهم مستمرون وهم يخرجون رشقات الصواريخ عميقة إلى داخل الأرض الإسرائيلية، ويحاولون عن طريق البحر ومن الأنفاق، ويحاولون فوق الارض بل في الجو هنا وهناك».
ويشير بارنيع في ملاحظة ذات مغزى إلى أنهم «في اسرائيل توقعوا مقاومة أخف: ربما لم يتوقعوا رايات بيضاء فوق الأسطح كما حدث في 1956 و1967. لكن توقعوا بدء طأطأة الرأس، وانخفاض معدل إطلاق الصواريخ، واستعدادا للتوصل الى وقف لإطلاق النار في ظروف مذلة وهربا جماعيا من أحياء مقصوفة في غزة». وأوضح أن «عزم عشرات آلاف الغزيين في حي الزيتون والشجاعية وبيت لاهيا على تجاهل منشورات الجيش الاسرائيلي والبقاء في بيوتهم مع نسائهم وأطفالهم، يدل شيئاً ما على الردع وعلى هشاشته. فإما أنهم يخافون من حماس أكثر مما يخافون من قصف سلاح الجو، وإما أنهم مستعدون لتعريض حياتهم وحياة أبنائهم للخطر في حرب ضد العدو. ويمكن بالطبع أن نوبخهم لاستعمالهم السكان المدنيين دروعا بشرية، ولكن هذه المواعظ تبدو فارغة جداً حينما تصدر عن مقر هيئة الأركان في تل أبيب بجوار مستشفى ايخيلوف وأبراج غيندي السكنية. ونشك في أن تؤثر هذه الخطب في أحد في العالم أو في شخص ما في هذا البلد».
في كل حال يكشف المراسل السياسي لـ«هآرتس» باراك رابيد أن قرار العملية البرية اتخذ بعد سلسلة تدابير تمويه قام بها ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية «لتخدير حماس» وللإيحاء بأن إسرائيل ليست على وشك شن عملية برية قريباً. وأوضح أن الجلسة التي عقدت يوم الثلاثاء الماضي بعد انهيار المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار ناقشت خطة العملية وفوّضت رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعلون بتحديد موعد إطلاقها. وبرغم هذا التفويض حاول نتنياهو منح فرصة للمساعي المصرية وتوجه يوم الأربعاء وفد إسرائيلي إلى القاهرة وعاد منها بخفي حنين بعدما تناولوا طعام الإفطار الى مائدة رئيس الاستخبارات المصرية العامة محمد فريد التهامي. وينقل رابيد عن مسؤول إسرائيلي قوله «اكتشفنا أننا والمصريون و(الرئيس الفلسطيني محمود عباس) أبو مازن نملك بشكل أو بآخر موقفاً موحداً تجاه الحاجة للتوصل إلى وقف النار وسبل فعل ذلك. لكننا اكتشفنا أن حماس تعيش حالة أخرى تماما. وشعرنا بأنهم يحاولون بالقوة تفجير مساعي الوساطة المصرية وتصعيد المواجهة».
ويضيف رابيد أنه بعد عودة الوفد الإسرائيلي من القاهرة صباح يوم أمس الأول مع تقدير متشائم لفرص وقف النار، بدأ يتبلور القرار ببدء العملية البرية المساء ذاته. وساهم في القرار واقع أن الهدنة الإنسانية التي أعلنت لخمس ساعات انتهكتها «حماس» مرات عدة. ويعتبر رابيد أن من بين تدابير التمويه إبلاغ هيئة الإذاعة البريطانية ووكالة «رويترز» أنه تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار سيدخل حيز التنفيذ في صباح الجمعة، أمس.
في كل حال، فإنه بعد ساعة تقريباً من بدء العملية البرية أعلن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية أن نتنياهو أمر الجيش ببدء عملية برية متدرجة. وكان نتنياهو قد حصل على موافقة شخصية من كل أعضاء الكابينت وطلب منهم التصويت على القرار، وبعد ذلك أطلع وزير الخارجية الأميركي جون كيري عليه. وتشير الصحافة الإسرائيلية إلى أن كيري قبل تبريرات نتنياهو بشأن مكافحة الأنفاق ومع ذلك طلب منه أن تبقى العملية محصورة بهذا الهدف وأن تنتهي في أقصر وقت.
والواقع أن في إسرائيل نوعاً من الخوف من أن تتدحرج العملية البرية المحصورة بالأنفاق الآن إلى حرب واسعة. وطالبت افتتاحية صحيفة «هآرتس» بوجوب العمل على تقييد العملية والحيلولة دون تدحرجها. ومعروف أن في الحكومة الإسرائيلية من يصرخ صبح مساء بوجوب إعادة احتلال قطاع غزة أو إطاحة حكم «حماس» تماما. وقد أشار يوئيل ماركوس، وهو من أبرز المعلقين السياسيين في إسرائيل، إلى وجوب أن تعرف إسرائيل أنها دولة صغيرة مقارنة بالعرب وبالمسلمين. وفي نظره «انتهت الأيام التي تباهينا فيها بأن إسرائيل هزمت سبعة جيوش لسبع دول عربية. فإسرائيل مزوّدة بالطائرات الاكثر تطوراً في العالم، بغواصات وصواريخ عابرة القارات التي يمكنها أن تدور حول الكرة الارضية وتعود الى قواعدها. يحتمل أن يكون ان صاروخا لنا، اذا ما أصاب القطب الشمالي سيتسبب بارتفاع المحيط بسنتيمترين. ولكنه كبير ومتطور أكثر من أن يحمينا من المقذوفات الصاروخية البدائية لحماس التي تبتلع مباشرة في حضن القبة الحديدية». وأضاف «تصوروا ما كنا سنفعله لو أن معارضي هذا الاختراع هم الذين فازوا لاعتبارات مالية. فقد فاجأتنا حماس ليس فقط في قدرتها على أن تصل بصواريخها حتى أطراف حيفا، بل أيضا بالكميات التي أطلقتها».
وهذا الخوف يقود إلى تحذير يطلقه المراسل العسكري لـ«هآرتس» عاموس هارئيل في مقالته «الجيش الإسرائيلي يجر إلى غزة». وخلص إلى أنه سبق وكتب أن «تحقيق وقف النار هو تقريباً موضوع عربي داخلي، يتعلق بتسوية الخلافات بين حماس ومصر والسلطة الفلسطينية. ولكن يجري ايضا صراع قوي شخصي بين (الرئيس المصري عبد الفتاح) السيسي و(القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام) محمد ضيف. ويبدو أن صبر الجنرالات المصريين ينفد. فقد سبق أن هددوا في الماضي بمهاجمة قطاع غزة بالطوافات. ويمكن أن نرى موقف النظام الجديد في القاهرة من استخدام القوة في الشكل الذي يدمر فيه أحياء في الطرف المصري من رفح في الأشهر الأخيرة في صراعه ضد أنفاق التهريب الى القطاع».
وقال هارئيل إنه «حتى لو نجح المصريون في مساعيهم لإنهاء الجرف الصامد، فإنّ هذه الحملة لا يمكنها أن تعتبر نجاحاً إسرائيلياً. فمنظومة اعتراض الصواريخ، القبة الحديدية هي التي منعت حتى الآن تورطنا في خلل استراتيجي في غزة». وكتب أنّ «الدفاع الإسرائيلي ضد الصواريخ والتسلل والكومندوس البحري كان جيداً لكن قدرة إسرائيل الهجومية كانت أقل جودة والاستخبارات نفسها تعترف بافتقارها الى بعض معلومات». وشدد على أنه «برغم بلاغة رئيس الوزراء، وزير الدفاع والجنرالات في كلامهم عن الضرر الذي تكبدته حماس في المواجهات المختلفة، فمشكوك أن تكون المنظمة قد ضعفت حقا بين جولة وأخرى».
من جهته، يشدد ناحوم بارنيع في «يديعوت» على وجوب رؤية الوقائع كما هي، فسكان غزة أحبطوا مخطط تهجير الأحياء واستمرار إطلاق الصواريخ يدل «على الروح القتالية للناس وراء السياج الحدودي». كما أن عمليات الأنفاق التي نفذتها وحدات من حماس تدل «ايضا على استعداد وعلى قدرة على القتال». وخلص إلى أن جرأة «حماس هي جرأة المحاصرين، وهي جرأة من لا مناص لهم. وإن عدم وجود مفر هو ورقة مساومة ممتازة».
المصدر: السفير