ماذا تعني سيطرة «داعش» على حقل الشاعر للغاز؟
تمكن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» من مد سيطرته غربا باتجاه محافظة حمص، في تطور يبدو الأكثر خطورة، من جهة تمدد التنظيم في اتجاه معاكس لخط سيره خلال الأشهر الماضية، وبطريقة تخلط الحسابات في المدى المنظور، خصوصا اذا لم يتمكن الجيش السوري من دفع «داعش» مجددا إلى نقاط تواجده في البادية، وعمقا في الشمال الشرقي لسوريا في محافظتي الرقة ودير الزور.
ويتعدى الخطر الحالي تهديد القرب الاستثنائي لأرتال «داعش» من مدينتي حمص وحماه، إلى المستويات الأخرى التي تتمثل بقطاع الطاقة، وتحديدا الطاقة البترولية والكهربائية، بحيث بات التنظيم يتحكم بالقسم الأكبر من مصادر إنتاجها في سوريا.
ووفقا للتفاصيل، تمكن «داعش» بعد مواجهات عنيفة مع قوات الجيش السوري ووحدات الدفاع الوطني قرب حقل الشاعر الغازي قرب مدينة تدمر في محافظة حمص، من إضافة مجزرة أخرى لسجلاته، حين سجل متابعوه سقوط ما يقارب 100 عنصر من قوات الجيش تشير المعطيات الى أنهم قتلوا بما يشبه التصفية، بينما بقي مصير ما يقارب 250 جنديا وموظفا مجهولاً، وأوردت مصادر «داعش» أنه تم اختطافهم، لكن من دون أن ينشر أية صور تؤكد صحة ذلك، وإن نشر صورا لضحاياه، كما لعدد من الدبابات والمدافع وبعض العربات بالإضافة إلى الأسلحة وصناديق الذخيرة التي استولى عليها.
وذكر مصدر مقرب من «داعش» أن الهجوم المباغت على معمل الشاعر خطط له أبو أيمن العراقي، بالاشتراك مع القائد العسكري للتنظيم في دير الزور أبي دجانة الزر، الذي أصبح يعتبر من أهم القيادات العسكرية في «داعش». وشارك في الهجوم قيادات تحمل الجنسية الألمانية، مثل أبو لقمان الألماني وأبو طلحة الألماني الذي يعرف بـ«المطرب التائب».
وسار الهجوم وفق السيناريو المعتاد، حيث جرى تنفيذ عملية انتحارية بالتزامن مع اشتباكات مع معظم حواجز الجيش في المنطقة في وقت واحد، وعددها 8 حواجز، مع قطع خطوط الإسناد والإمداد عنها. وتعتبر مجمل المنشآت الحكومية في تلك المنطقة غير آمنة أساسا، وسبق لعامليها التعرض للقنص وتفجير عبوات ما أدى إلى مقتل عدد منهم.
ومؤخرا باتت المناوبات لمهندسي وموظفي المنشآت تتم بحماية وحدات الدفاع الوطني التي تتخذ من مطار الشعيرات مركزاً لها، حيث كان رتل من هذه الوحدات يواكب سيارات المهندسين والموظفين لحمايتها على الطريق وتأمينها من الكمائن والعبوات. هذا ويذكر أن الجيش السوري كان استعاد السيطرة على هذا الحقل العام الماضي بعد الاستيلاء عليه، مع مجموعة أخرى من الحقول الصغيرة، من قبل جماعات مسلحة.
وبرغم أن الأهداف النفطية تعتبر أولوية لدى «داعش» في هذه المرحلة على الأقل، إلا أن الهجوم على منطقة الشاعر والاستيلاء عليها أبعد من مجرد السيطرة على حقل للغاز.
وتشير المعطيات إلى أن قيادة «داعش» تسير وفق إستراتيجية واضحة تتمثل في تعزيز السيطرة على الأراضي التي تعتبر بمثابة «قلب دولتها»، مثل الموصل في العراق، ودير الزور والرقة في سوريا، ومن ثم الانتقال إلى «خلق مناطق تسخين أو توتر على الأطراف البعيدة عن المركز ليبقى القلب محمياً» من أي استهداف مفاجئ. ويمكن القول جغرافيا، أن جبال الشاعر تعتبر من أهم حلقات ربط أجنحة الثقل العسكري لـ«داعش» في كل من الأنبار وريف الحسكة وريف حلب وريف حمص والرقة، ما يعني محاولة التنظيم رمي الثقل العسكري على أطراف «الدولة» لتأمين مركزها، في الموصل (عراقيا) ودير الزور(سوريا).
ووفقا لمصدر مقرب من «داعش»، فانه ثمة أهداف أخرى من الهجوم، تتمثل بتهديد مناطق مؤيدة للنظام السوري عبر استهدافها بنيران المدفعية وقذائف الهاون، مشيراً بذلك إلى قرى «موالية» إلى الشرق من حمص، إضافة إلى تهديد مطارين عسكريين موجودين بالقرب من المنطقة، تنفذ منهما طلعات جوية ضد التنظيم.
من ناحية أخرى، ستترك الهزيمة التي تعرضت لها وحدات حماية حقل الشاعر للغاز تأثيرها على قطاع حيوي للغاية في سوريا، هو قطاع الكهرباء، بسبب اعتماد هذا القطاع على الحقل في إنتاج ما يقارب 3 مليون متر مكعب من الغاز، يذهب مجملها إلى إنتاج الكهرباء.
ويتم تحويل الغاز الخام المنتج في حقل الشاعر إلى وقود غازي في معمل إيبلا للغاز المجاور، والذي بدوره يشكو تهديد «الدولة الإسلامية»، ولا سيما أن التنظيم اعتبر الاستحواذ على حقل الشاعر كمقدمة للضغط على قطاع الكهرباء في سوريا.
وسبق للمنطقة أن عايشت معارك كر وفر بين الجيش السوري والمسلحين، على اختلاف انتماءاتهم سابقا، ولم ينجُ حقل الشاعر من استهداف المسلحين، إلا أن طبيعة الإنتاج التي يقدمها الحقل من غاز لم تثر شهوات الراغبين بالسرقة، بسبب تعذر تحويل مادة الغاز السائل إلى مادة للبيع من دون بنية تحتية مناسبة.
ويقوم معمل ايبلا القريب، الذي يبعد عشرات الكيلومترات عن الحقل الأخير بعمليات التحويل، حيث يرتبط معه بخط لنقل الغاز الخام بطول 77 كيلومترا، يرسلها بعدها إلى الشبكة الوطنية. ويتمتع المعمل الأخير بإنتاج حوالي 120 طناً من الغاز المنزلي يوميا وحوالي 2500 برميل من المكثفات بالإضافة إلى 2.5 مليون متر مكعب من الغاز النظيف.
وكان سبق للرئيس السوري بشار الأسد أن دشن المنشأة الحديثة في العام 2011، بغرض الاستعانة بالغاز كبديل عن مادة الفيول في إنتاج الطاقة. ويتميز المعمل بموقعه المتوسط بين عدة محافظات في منطقة الفرقلس، كما هو الحال بالنسبة للحقل الذي استولى عليه «داعش»، الأمر الذي يرسم خريطة شديدة الخطورة لإمكانية تمدد التنظيم، ليس على المستوى العسكري فحسب، بل على مستوى توسيع سيطرته على منافذ الطاقة في سوريا. ويبعد حقل الشاعر 110 كيلومترات فقط عن مدينة حمص، و150 كيلومترا عن مدينة تدمر، كما يبعد مسافة أقل عن مدينة حماه وسط سوريا.
لكن فيما يتعلق بالكهرباء، التي أصبح للتنظيم قدرة تحكم بتغذيتها، تشير مصادر مقربة من الحكومة السورية، لـ«السفير»، إلى أن هذا لا يعني بالضرورة توقف القدرة على الإنتاج والتوزيع، نظرا إلى حاجة المهاجمين للطاقة بدورهم.
ومعلوم أن ثلاثة سدود منتجة للطاقة الكهربائية في شمال سوريا، هي الفرات والبعث وتشرين، تعمل ببعض طاقتها، رغم وقوعها تحت سيطرة «داعش» منذ فترة طويلة من الزمن. ويتقاضى موظفو تلك المؤسسات الإنتاجية رواتبهم من الدولة من دون انقطاع. وسبق لخط الغاز الذي يصل بين محطة الشاعر والمعمل أن تعرض إلى هجوم بداية حزيران الماضي، ما أدى إلى ارتفاع ساعات تقنين الكهرباء على مستوى البلاد، قبل أن يتم إصلاحه بعد أيام.
ويقع بالقرب من الحقل أيضا معمل غاز جنوب المنطقة الوسطى، وينتج ما يعادل 6 ملايين متر مكعب من حقول صدد وأبو رباح والفيض، وهو ما يعادل، مع معمل ايبلا، نصف إنتاج البلاد الحالي من الغاز (حوالي 16 مليون متر مكعب).
وسبق لمصدر قريب من القطاع النفطي الحكومي أن أبلغ «السفير» أن الدولة تؤمن حماية آبار المنطقة الوسطى، سواء عن طريق وحدات من الجيش، أو عبر شركات حماية خاصة رخص لها مؤخرا، وأحيانا عبر اتفاقات مع زعماء القبائل المحلية، الأمر الذي يرتب كلفة عالية على الإنتاج تتجاوز العشرة دولارات لكل برميل. إلا أنه مع التطور الأخير ترسخت قناعة حكومية إضافية بأن كلفة حماية معامل الغاز يمكن أن تتجاوز أية كلفة، بسبب الحساسية التي تشكلها لحماية ما تبقى من قطاع الطاقة في سوريا.
http://www.assafir.com/Article/1/362074