أطفال سوريا.. خطف البراءة باسم الدين!
تعطي طفلاً كان يعيش بين رايات «الجهاد» في سوريا قلماً وورقة ليعبر بهما عن أحلامه، فترسم أصابعه الصغيرة شاباً يحمل سلاحاً، لتشكل تلك الرسمة تعبيراً عما يعيشه أي طفلٍ ضمن البيئات «الجهادية»، وما سيحمله إلى المستقبل حين يتحوّل إلى «جهادي»، فيحلل لنفسه قتلنا ونحلل لنفسنا قتله، فهو لم يعد طفلاً بل أصبح «إرهابياً».
أبو شيماء ليس قائد كتيبة في تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش». هو طفلٌ لم يتجاوز العاشرة من عمره، يتحدث عن أحلامه التي تعلمها في الحلقات الدينية التي يشارك بها في الرقة.
نظرات عيونه تتناقض مع حديثه، فهي لا تزال تحمل بعضاً من البراءة، وكأنها تدرك أنها لا تعرف ما يتحدث لسانه، ولكنها تخبرنا بمستقبل ستختفي معه هذه النظرة لتصبح كما أحلامه التي يصفها.
ويقول في فيلم قصير، نشره التنظيم على إحدى صفحاته، «أرغب في أن أصبح مجاهداً حين أكبر، لكي أقاتل كل طواغيت أهل الأرض».
ويقول أحد الهاربين من نار الحرب في الرقة لـ«السفير» إن الأطفال يجتمعون في حلقات حول أحد الشيوخ التابع لكتيبة في «داعش»، يستمعون إلى تعاليمه، ويرددون خلفه كل كلمة يقولها.
وتتركز الحلقات في مختلف المجموعات المقاتلة الإسلامية على تكفير الآخر، اعتماداً على آيات من القرآن الكريم، فيتم تلقين الأطفال وتحفيظهم سورًا محددة، ثم يتم ربطها مع نظام أو شخص أو حزب معيّن، ليصبح لدى المتلقي مبرر ديني وإلهي لقتله وذبحه.
وفي أحد مقاطع الفيديو، يجتمع الشيخ مع مجموعة من الأطفال في ساحة داخل مدرسة، ويبدأ بترداد كلمات، بلهجته الخليجية، طالباً منهم الإجابة عليها بما يناسبها، «فالصليبيون هم كفرة، واليهود كفرة، فما حكمهم؟»، ليتلقى الجواب بصوت مرتفع: «الذبح».... «الرؤساء السوري والصيني والروسي والأميركي هم كفرة فما حكمهم؟»، ليعيد الجواب نفسه مع حركة في اليد تشير إلى قطع الرقبة.
ليس للعب والترفيه مكان في قاموس المخيمات التكفيرية، فبعد إتمام الحلقات الدينية يتم تحويل الأطفال نحو المعسكرات التدريبية، فشكلت كتائب تحت مسميات مختلفة، مثل «أشبال الزرقاوي» («داعش» في غوطة دمشق)، «أشبال إبن تيمية» («جبهة النصرة» في ريف حلب)، «أشبال الخلافة» («داعش» في البوكمال شرق سوريا).
يتدرب الأطفال على السلاح والرياضات البدنية القاسية على جسدهم الضعيف، يزحفون على الأرض مرددين شعاراتهم المعبأة بالقتل والدم.
ويقول شاهد عيان لـ«السفير»، إنّه في أحد المخيمات في الغوطة الشرقية في ريف دمشق يُحرم الأطفال «المجاهدون» من نقاء وجوههم، فالعصبات تغطي رؤوسهم، ووجوههم تختفي تحت الأقنعة، ويجتمعون مبايعين قادتهم رافعين أسلحتهم الأثقل منهم على أكتافهم، ليصبحوا مع الوقت جاهزين للقتال والقيام بعمليات انتحارية، بعد شحنهم غرائزياً بالكره والحقد والجنة الموعودة.
ويكمل المصدر أنه يتم تعليم الأطفال صناعة العبوات وكيفية الاستفادة من المواد المتوافرة بين أيديهم، ليصبح السيف والساطور ألعابهم، حين يشهدون قطع الرؤوس أمامهم لتكون العملية مع الوقت كأنها لعبة جديدة في حياتهم.
ويشير إلى أن المجموعات السلفية دخلت بشكل غير مباشر بداية، فهي قدمت نفسها مشاركة في «الثورة» باسم الدين، لكنها مع الوقت وبسبب دخول مجموعات من «الجيش الحر» في صراعات بين بعضها البعض، وتراجع العمل المدني لـ«التنسيقيات» بسبب الاعتقالات أو الهرب أو الالتحاق بالعمل المسلح، إضافة إلى توجه المجموعات بشكل مباشر لتأمين حاجات الناس، استطاعت أن تكسب التأييد، ما سهل تعاملها مع الأطفال، وبالتالي العمل على تعليمهم وتجنيدهم.
ويعبر شاهد العيان عن خطورة الوضع القائم حالياً، بقوله «مشكلتنا في المستقبل، فأطفالنا إن لم يشتركوا الآن في معارك، فإنّ المشكلة قد تنفجر غداً داخل المجتمع بأشكال مختلفة، كالحقد الطائفي والقتل، خصوصا أن هناك زرعاً للكراهية إزاء سكان المدن»، مضيفاً «هناك صورة ترسم للأطفال عن داخل المدن، بأنهم لو دخلوا إليها فإن سكانها سيقتلونهم، وهذه العبارات تتردد دائماً، لذلك نجد أن الكثير من الأطفال لم يعد لديهم الرغبة في الخروج يوماً نحو العاصمة خوفاً من القتل(!)».
ويتحدث أحد الآباء، من الذين استطاعوا الخروج من المعارك في الغوطة، أن هربه من هذه المنطقة كان من أجل طفله الوحيد، مشيراً إلى أن السبب لم يكن الخوف عليه من الموت فحسب، وإنما من التنظيمات «الجهادية».
ويقول «التكبيرات مرافقة له في كل عملٍ. لقد تحوّلت ألعابه في الحي إلى تقسيمات بين فريقين، كل فريق من مذهب يريد أن يقتل الآخر. حاولت الرحيل مرات عديدة حتى استطعت أن أؤمن مبلغاً من المال دفعته لوسيط ليخرجني مع عائلتي. مشكلتي ليست مع أهلي في الريف بل مع الغرباء ومَن ساندهم، ودفعنا نحن الثمن».
وذكرت «تنسيقية سراقب» المعارضة في ريف ادلب أن «داعش» وزع مناشير يفرض فيها على الفتيات الالتزام باللباس الشرعي والحجاب وعلى ضرورة الفصل بين الجنسين في المدارس. وليس للفتيات وحدهنّ لباس شرعي، فبحسب «تنسيقيات» معارضة فقد فرض التنظيم في قرية الطويحينة في ريف حلب الشمالي على الطلاب الذكور ارتداء الزي الباكستاني، مع طاقية على الرأس.
المصدر: السفير