مناقشة تصريحات للرئيس الفلسطيني
وفقاً للرئيس الفلسطيني محمود عباس، فإن الانتفاضة الثانية هي فوضى، ولذلك (ووفقاً لما أوردته جريدة السفير اللبنانية الثلاثاء 19 يونيو/ حزيران) من تصريح له، قال فيه: "إن التنسيق الأمني هو ضرورة بالنسبة إلينا، كي لا تسود الفوضى عندنا، كما كان في الانتفاضة الثانية"!
معروف أيضاً : أن أبو مازن اعتبر أن التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني "مقدس"، ولذلك وفي مناسبات كثيرة، يدافع عن هذا التنسيق، ويعتبر أن قيام انتفاضة ثالثة هو لجوء إلى "العنف" وفي أحيان كثيرة اعتبر أن الكفاح المسلح هو "إرهاب"، ولذلك فإن الخيار الاستراتيجي له وللسلطة التي يترأسها هو المفاوضات ثم المفاوضات! الرئيس عباس أيضاً أدان عملية اختطاف ثلاثة مستوطنين، ووفقاً للصحف "الإسرائيلية" فإن هؤلاء هم من "القوات الخاصة".
كما وعد نتنياهو، بأن تتخذ الأجهزة الأمنية الفلسطينية كل ما بوسعها للبحث عنهم وإيجادهم . أبو مازن يتهدد الخاطفين ورد ذلك في كلمته أمام الدورة (41) لمؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية (الأخير) الذي انعقد منذ عشرة أيام في مدينة جدة، ومما قاله بالنص: "نحن نبحث عن المختَطفين، وعمن قام باختطافهم . الحقيقة أن من قام بهذا العمل يريد تدميرنا، ولذلك سيكون معه حديث آخر" .
بدايةً، فإن هذه التصريحات لا تليق برئيس سلطة فلسطينية، وقائداً لحركة فتح المقاومة، ورئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية، وناطقاً باسم الفلسطينيين في الوطن والشتات، وهم الذين يقدمون التضحيات ويبذلون الغالي والنفيس في سبيل مقاومتهم وثورتهم، ويتحملون المعاناة والآلام وكل ما لم يتحمله بشر على مدى التاريخ في الدفاع عن قضيتهم وحقوقهم الوطنية، وعودة اللاجئين منهم إلى بيوتهم وأراضيهم ومدنهم وقراهم، وهم ما زالوا يعانون جرّاء الاحتلال الصهيوني لبلدهم .
كان من المفترض في الرئيس الفلسطيني أن يدافع عن مقاومة شعبه وثورته وكفاحه بكافة أشكال المقاومة وبضمنها الكفاح المسلح، فهذا مشروع وفق قوانين الأمم المتحدة الصادرة بهذا الشأن، وهو مكفول في المواثيق والأعراف الدولية، ومثبت في كل تجارب حركات التحرر الوطني، التي خاضت كفاحاً مسلحاً من أجل تحرير إرادة شعوبها وبلدانها من نير الاستعمار . هذا ما أثبتته التجارب التحريرية لفيتنام وجنوب إفريقيا وروديسيا وكوبا والجزائر، وكل تجارب حركات التحرر الأخرى في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية . المقاومة الفلسطينية ليست استثناء من هذه التجارب، وبخاصة أنها تجابه عدواً اقتلاعياً، عدوانياً، عنصرياً ونازياً . عدو من نمط جديد، لذلك فهي مطالبة بمضاعفة جهودها الكفاحية من أجل هزيمة هذا العدو الذي لا يفهم غير لغة القوة، إن تجربة واحدٍ وعشرين عاماً من المفاوضات العبثية مع هذا العدو لم تؤد إلا إلى مزيد من تعنته ورفضه للحقوق الوطنية الفلسطينية، وإلى مزيد من الاشتراطات على الفلسطينيين، - وهو العدو النهم - وإلى مزيد من التنازلات الفلسطينية . هذا ما يجب أن يعرفه أبومازن، وعن تجربة طويلة له، ولقاءات مباشرة مع الصهاينة .
إن الانتفاضة الثانية كما الأولى ليست فوضى، وهي أدنى حدود المقاومة المشروعة للشعب الفلسطيني . لقد أذهلت الانتفاضتان كل العالم الذي اعترف بهما، ونالتا تأييداً كبيراً (مثلما هي المقاومة المسلحة) من كل الأمة العربية من المحيط إلى الخليج . الانتفاضة حازت إعجاباً كبيراً على صعيد العالم، فكيف يعتبر الرئيس عباس أن الانتفاضة الثانية هي "فوضى" ! أمعقول ذلك؟! . إن الكفاح المسلح هو شكل رئيسي من أشكال المقاومة . مفهوم أن الولايات المتحدة وحليفتها الصهيونية تعتبران أن المقاومة الفلسطينية هي "إرهاب" لكن أن تكون في عرف الرئيس الفلسطيني "عنفاً أو إرهاباً" فهذا ما لا يحتمله عقل فلسطيني أو عربي أو مناصر للقضية الفلسطينية .
وبالنسبة لاختطاف المستوطنين الجنود، فهو أيضا أدنى حقوق مقاومة شعبنا، إضافة إلى أسباب عديدة أخرى: إن هؤلاء يستوطنون أرضنا، والضفة الغربية المحتلة في عام 1967 بما في ذلك مدينة القدس، هي في شرعة الأمم المتحدة منطقة محتلة . المستوطنون يستبيحون الأقصى وكل الأماكن الدينية والإسلامية والمسيحية في أراضينا، ويعتدون وبشكل دائم على أهلنا هناك . هذا إلى جانب أن قوات الاحتلال ترتكب المذابح وكافة الموبقات بحق شعبنا . تصادر الأراضي وتهجّر البشر وتهدم البيوت وتقتلع الأشجار وتشعل الحرائق في السيارات المدنية . ثم إن التجارب أثبتت أن "إسرائيل" لا تطلق سراح الأسرى الفلسطينيين إلا بعد اختطاف جنود "إسرائيليين" ثم إجراء عمليات التبادل! يعرف الرئيس أبو مازن أن "إسرائيل" رفضت ولا تزال إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين الذين تم الاتفاق مع الكيان على إطلاق سراحهم . الاتفاق جرى بإشراف أمريكي، لكن الكيان كعادته نكث به . "إسرائيل" تنكل بشعبنا دوماً من دون مختطفين "إسرائيليين"، وهي ليست بحاجة إلى مبررات للعدوان الذي تشنه بشكل دائم على الفلسطينيين في الضفة الغربية والقطاع . "إسرائيل" أعادت اجتياح الضفة عام ،2002 وهي تحاصر قطاع غزة للعام السابع على التوالي . يوجد حالياً ستة آلاف أسير فلسطيني في سجونها، التي تعاقب عليها حوالي مليون فلسطيني منذ عام ،1967 الكيان يسوم الأسرى كل العذابات: يبعد الكثير منهم إلى الخارج . "إسرائيل" لم تستجب لطلب الموقوفين إدارياً الذين أضربوا ما يقارب الشهرين . الموت يتهدد الكثير من الأسرى . أيريد الرئيس الفلسطيني أن يرمي الفلسطينيون جنود الاحتلال ومستوطنيه بالورود؟! نعم من حق شعبنا اختطاف الجنود والمستوطنين لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين . ثم إن الفلسطينيين لم يسيئوا يوماً لجندي أو مستوطن صهيوني مختَطف، هذا ما أثبتته التجارب من قبل . على الرئيس مراجعة تصريحاته، وهذا أضعف الإيمان.
المصدر: الخليج