دير الزور تغلي على وقع تطورات العراق انشطار «الجهاد العالمي» بشأن «الفتنة» في سوريا
حسم «أمير القوقاز» الجديد على أصحاب (أبو محمد الداغستاني) موقفه من الفتنة بين «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش»، معلناً تأييده للأولى ومهاجماً خاصة عمر الشيشاني، في الوقت الذي تلقى فيه «داعش» هديّة من السماء بوصول أحد «أمراء خراسان الشرعيين» والمطلوب على قائمة الـ47 السعودية إلى سوريا ومبايعته لأميره أبو بكر البغدادي.
ووسط هذا الانشطار العالمي في التنظيمات «الجهادية» على خلفية الأحداث السورية - العراقية، برز في اليومين الماضيين تصاعد التوتر في مدينة دير الزور، والذي بلغ حد ارتكاب المجازر وقطع الرؤوس لمجرد الاشتباه بأي شخص أنه من مؤيدي أحد الأطراف المتقاتلة.
ووصل إلى سوريا خلال الساعات الماضية السعودي أبو مالك التميمي النجدي، واسمه الحقيقي أنس علي عبد العزيز النشوان، صاحب الاسم الثالث على قائمة المطلوبين الـ47 التي أصدرتها وزارة الداخلية السعودية في العام 2011. وتفيد المعلومات أن النشوان تمكن من الهرب بعد إصدار القائمة، حيث غادر بلاده إلى أفغانستان ليتم تعيينه «أميراً شرعياً». ويُعرف عن النشوان أنه مؤلف كتاب يلاقي رواجاً في هذه المرحلة بين «الجهاديين»، عنوانه «دليل المجاهدين إلى أهم أحكام المرتد عن الدين».
وبايع النشوان فور وصوله إلى مدينة الرقة السورية ـ حسب آخر المعطيات - أمير «داعش» أبا بكر البغدادي، وذلك بعد حوالي شهرين فقط من مبايعة «أمير» خراساني لـ«داعش» هو أبو الهدى السوداني، الأمر الذي يعتبر، من جهة، مؤشراً على حجم التشقق الذي أحدثته «الفتنة الجهادية» في بنية تنظيم «القاعدة العالمي»، ومن جهة ثانية دعماً معنوياً عالياً لتنظيم «داعش» جاء بعد أسابيع من آخر تسجيل صوتي للمتحدث الرسمي باسمه أبي محمد العدناني، والذي طالب فيه أفرع «القاعدة» في العالم بتبيان موقفها من تنظيمه، معتبراً أن السكوت سيكون بمثابة الموقف.
«أمير القوقاز» يؤيد «النصرة»
في المقابل، وفي مؤشر آخر مهم على الانقسام الذي أحدثته «فتنة الشام» بين الفصائل «الجهادية» في العالم، أعلن «أمير القوقاز» أبو محمد الداغستاني، الذي استلم مؤخراً بعد مقتل «الأمير» السابق أبو عثمان دوكوف، تأييده لـ«جبهة النصرة» ولموقف زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري من الخلاف بينها وبين «داعش»، برغم أنه حرص على وصف ما يجري بمصطلح «الفتنة» الذي لم تعد ترتضيه «جبهة النصرة» وحلفاؤها حيث أصبحوا لا يترددون في تكفير «داعش» واتهام عناصره وقادته بالردة.
وكشف الداغستاني معلومات غاية في الأهمية عن القائد العسكري لـ«داعش» عمر الشيشاني، عندما أكد أن الأخير كان مرسلاً ليكون بمثابة «الممثل الشرعي للإمارة» في الخارج. ومن شأن ذلك أن يدحض الروايات التي تحدثت عن الشيشاني على أنه جاء إلى سوريا بلا أي خبرة «جهادية» سابقة.
لكن الداغستاني، برغم اعترافه بالنجاحات التي حققها الشيشاني في البداية، أعرب عن امتعاضه من موقفه من «الفتنة» التي حدثت، متهماً إياه بخلع «البيعة» ومخالفة الأوامر التي كانت تقضي بالوقوف على الحياد، مشيراً، خاصة، إلى أن خطيئة الشيشاني لم تكن في مبايعة «داعش» بل في إصراره في ما بعد على جذب بقية «المجاهدين» إلى صفه، ما أدى إلى تصدع «جيش المهاجرين والأنصار» وانقسامه إلى عدة كتائب. ومع ذلك يبدو أن الداغستاني لم يفرغ يديه مطلقاً من عمر الشيشاني، حيث عبر عن أمله أن «يعود إلى جيش المهاجرين والأنصار، لأننا نرى صدقه ولأنه يملك مواهب جيدة في الشأن العسكري».
لكن يبقى السؤال: لماذا في هذا التوقيت بالذات تعلن «إمارة القوقاز» عن موقفها من «داعش»، وتهاجم أبرز قادته العسكريين عمر الشيشاني؟ علماً أن الشيشاني بايع البغدادي منذ عام ونيف، ومضى على تشقق «جيش المهاجرين والأنصار» أكثر من ستة أشهر.
لا يمكن إلا أن نلاحظ أن بيان «إمارة القوقاز» العدائي تجاه «داعش» جاء بعد أيام فقط من بيان مماثل صدر عن «جيش الإسلام»، في «الجبهة الإسلامية»، يعلن الحرب على «داعش» بعد اتهامه بقتل «الأمير» المنشق أبي همام.
كما أن كلا البيانين صدرا بالتزامن مع تصاعد الأحداث في العراق وتحقيق «داعش» تقدماً ميدانياً كبيرا، سيطر من خلاله على عدة مدن كبيرة، بالإضافة إلى تحكمه بالمعابر الحدودية بين سوريا والعراق، وخصوصاً معبر القائم باتجاه مدينة البوكمال السورية التي ما زالت تسيطر عليها «جبهة النصرة».
ومن غير المستبعد أن تكون هذه الحملة المتناغمة ضد «داعش» مرتبطة بأحداث العراق، وتخوف بعض الدول التي تربطها علاقات جيدة مع «الجهاديين» من خروج التطورات عن السيطرة، لا سيما أن «داعش» أصبح يقف على مشارف حدود هذه الدول، خصوصاً السعودية وتركيا، مع ما يعنيه ذلك من تهديد جدي لها ينبغي الإسراع في مواجهته. وإذا كان ارتباط «جيش الإسلام» بالاستخبارات السعودية لا يحتاج إلى دليل، فإن العلاقة الجيدة بين «الإمارة القوقازية» والاستخبارات التركية لا تحتاج أيضاً إلى مثل هذا الدليل. ويبدو أن السعودية وتركيا آثرتا إرسال رسائلهما عبر ساعي بريد من جنس المرسل إليه لعله يعي الرسالة بوضوح أكبر.
دير الزور
في هذه الأثناء، تشهد دير الزور في شرق سوريا، مزيداً من التصعيد والتوتر في أكثر من منطقة منها، لا سيما بعدما تحوّلت أراضي هذه المدينة إلى ميدان لمعركة كسر العظم بين «داعش» و«جبهة النصرة».
وبلغ التوتر مستويات كبيرة أمس الأول عندما تمكنت «جبهة النصرة» من القبض على عدد من ضباط «المجلس العسكري» ممن أعلنوا توبتهم، وذكرت بعض التقارير أنهم بايعوا «داعش»، وذلك في هجوم قامت به على مقارّهم في أطراف مدينة الموحسن وبالقرب من حقل التيم النفطي، حيث أقدمت «النصرة» على ذبحهم بطريقة وحشية وقطعت رؤوس بعضهم. وقد عرف من هؤلاء قائد «لواء الله أكبر» الملازم أبو هارون الذي أكدت مصادر «داعش» أن اعترافاته التي تتضمن فضائح تمس «الصحوات» سجلت وسوف تُنشر في وقت لاحق، وقائد «لواء الصاعقة» أبو راشد، بينما لم تُعرف أسماء الآخرين الذين بلغ عددهم حوالي سبعة.
وذكرت مصادر محلية أن مدينة الموحسن تعيش منذ قتل الضباط، تحت ضغط كبير قد يهدد بالانفجار في أي لحظة، لا سيما أن العديد من قادة الطرفين يحاول إعطاء الأحداث صبغة عشائرية واللعب على وتر الثأر والثأر المضاد.
وبينما لم تتضح بعد حقيقة الأنباء التي سرت عن انسحاب عناصر «جبهة النصرة» من مقارهم ومراكزهم في مدينة البوكمال الحدودية، سادت في المدينة أجواء من الترقب والحذر بعد ورود معلومات عن سيطرة «داعش» على معبر القائم المحاذي لمدينتهم، وسط مخاوف الأهالي مما يمكن أن يصيبهم إذا قرر «داعش» مهاجمة مدينتهم قادماً من الطرف العراقي للحدود، خصوصاً أن المدينة تحولت إلى ميدان تسري فيه الشائعات والشائعات المتضاربة، ما زاد من تشوش الأهالي وضاعف من مخاوفهم.
أما في مدينة الميادين، التي أصبح وضعها خطراً بعد سيطرة «داعش» على الموحسن القريبة منها، فتحاول عشيرة البومصطفى ملء الفراغ الحاصل في المدينة ووضع وثيقة لإدارة شؤونها، وسط أنباء أن عشيرة البومصطفى أميل إلى «داعش» منها إلى «جبهة النصرة» من دون أن يتأكد ذلك.
المصدر: السفير