من خلال الدردري .. أمريكا تستعد للإنقضاض على سورية !!
علي عبود علي عبود

من خلال الدردري .. أمريكا تستعد للإنقضاض على سورية !!

ارتسمت ابتسامة خبيثة على شفتي كبير الإقتصاديين في الإسكوا عبد الله الدردري وهو يجول بعينيه الماكرتين على المشاركين في منتدى رجال الأعمال السوريين !

انهم ليسوا سوريين فقط بل رجال أعمال وممثلين لشركات عربية وأجنبية وعابرة للقارات .. جميعهم أتوا للفوز بحصة من مشاريع إعادة إعمار سورية !

وكان الدردري سمع ماتردد على السنة بعض الإعلاميين اللبنانين في كواليس المعرض التجاري الدولي لمواد ومعدات وتقنيات البناء الذي أقيم وسط بيروت بين الرابع والسادس من شهر حزيران الجاري .. لقد تردد مرارا وتكرارا بأن هذا المعرض ومنتدى رجال الأعمال السوريين الذي واكبه جنبا إلى جنب ليس سوى تظاهرة دولية لتقاسم كعكة إعمار سورية !!

لم يعجب هذا الكلام الدردري كبير إقتصادي سورية المكلف منذ عام 2012 بمهمة إغراء سورية بقبول مشروع "مارشال سوري" تديره وترعاه الولايات المتحدة الأمريكية !

وأراد في كلمته الإفتتاحية أن يرسم معالم المخطط الأمريكي للإنقضاض على سورية من بوابة إعادة الإعمار لأخذ بالإقتصاد ماعجزت أمريكا عن أخذه بالحرب !

ولعل الدردري  خيب آمال الحضور وطموحاتهم عندما فاجأهم بالقول :

لسنا هنا لتقاسم كعكة إعمار سورية !!

بعض وسائل الإعلام اللبنانية فهموا هذا القول على انه : نفي في معرض التأكيد !!

ولكن أكثرية الحاضرين وبخاصة ممثلي الشركات الإقليمة والعابرة للقارات والسفارات الأجنبية وصلتهم الرسالة الحازمة : أمريكا لن تتقاسم كعكة إعمار سورية مع أحد .. وإنما ستفوز بها وحدها ومن ثم ستقوم بتوزيع الفتات منها على الشركاء والحلفاء والأدوات !

وقبل أن يشعر المشاركون في المعرض والمنتدى بالإحباط عاجلهم الدردري بالقول :

عملية إعادة إعمار سورية تتطلب مشاريع تكفي الشرق الأوسط كله!!

الصورة أصبحت واضحة الآن : كعكة إعمار سورية تكفي كل من حضر أولم يحضر المعرض والمنتدى ، ولكن لامجال للفوز بجزء من هذه الكعكة إلا من خلال ممثل الأمريكان في منظمة الإسكوا ، فالغرب لايعترف بأي مشروع آخر أعد أو سيعد مستقبلا سوى مشروعها الذي أعدته من أجل الإنقاض على سورية إقتصاديا !!

لقد أوحي المعرض التجاري لمواد ومعدات وتقنيات البناء ومنتدى رجال الأعمال السوريين منذ الساعة الأولى لبدء فعاليتهما وكأنّ الحكومة السورية كانت راضية عن انعقادهما في بيروت وبأنها ستقبل بكل ماتمخض عنهما من مواقف ونتائج !

المشكلة هنا أن الأمريكان عبر ممثلهم في الإسكوا الدردري كانوا يخططون لهكذا فعاليات بعد "سقوط النظام السوري" واستلام المعارضة المرتهنة للخارج" السلطة" وتحويل سورية إلى محور الإعتدال الأمريكي !

وبما أن ماحدث هو العكس تماما فقد انتقل الأمريكان من خطة "أ" أي الحرب إلى الخطة "ب" أي الإستحواذ على سورية بالإقتصاد عبر بوابة إعادة الإعمار !

ومثلما أرسلت الإدارة الأمريكية وزير خارجيتها كولن باول إلى الرئيس بشار الأسد لتسليمة لتنفيذ عدد من الإملاءات الأمريكية  بعد احتلالها للعراق .. فقد أرسلت الدردري الذي يمكن وصفه هنا بكولن باول السوري كممثل للبنك الدولي ..وكما نعرف فإن البنك الدولي لا يتحرَّك من دون مشيئة الولايات المتَّحدة وإذنها !!

قدَّم الدردري باسم البنك  عرضاً «سخيّاً» : قرض بقيمة 21 مليار دولار، بشروط ميسَّرة !

وكشف الدردري للرئيس الأسد : لدى البنك الدولي "أي أمريكا" رغبة ملحة في تمويل مشاريع إعادة الإعمار في سورية !

رد الأسد بحزم على الدردري مثلما فعل مع باول : نرفض هذا العرض جملة وتفصيلا !

هذه المعضلة لم تكن واردة لو "سقط النظام"  في عام 2012 أو عام 2013 .. لكنها الآن أمر واقع على الأمريكان التعامل معه بالمناورة وباستخدام ورقة الضغط والحصار الغربي على سورية وبعث رسائل من تحت الطاولة : لانهاية للحرب على سورية قبل الموافقة على مشروع فريق الدردري في الإسكوا : الأجندة الوطنية لإعمار سورية "!!

   لاشك أن الدردري كان يخطط منذ عام 2011 لعقد مؤتمر دولي في دمشق برعاية حكومة "الإئتلاف الوطني" في موعد لن يتجاوز عام 2012 يعلن خلاله إطلاق مشروع مارشال سورية للإعمار !

ولكن الآن لابأس من عقد هذا المؤتمر في  بيروت القريبة من دمشق لإطلاق المشروع بتسمية غير استفزازية " أجندة الأعمار" !

  وبما أن الدردري الخبير الأدرى بالعقل السوري من خلال عمله السابق كنائب إقتصادي لرئيس الحكومة فقد حرص على التأكيد أمام المشاركين :

لانخطط بدلا عن سورية !

هنا نوافق تماما على أن هذه العبارة هي نفي في معرض التأكيد !

لايستطيع الدردري أن ينفي أن مئات السوريين الذي عملوا برئاسته في الإسكوا في مشروع "الأجندة الوطنية لمستقبل سورية" كان بطلب أمريكي .. لابطلب من الحكومة السورية !

وكانت هذه الأجندة معدة لحكومة مرتهنة للأمريكان لا لحكومة عدوة للأمريكان !

وبما أن سورية لن تقبل بخطط أمريكية للأعمار فإن الإسكوا حرصت على عقد منتدى رجال الأعمال السوريين لإقناعهم بتبني هذه الأجندة !

ولكي لايستفز الحكومة السورية حرص الدردري على التأكيد : الأجندة ستقدم للمجتمع السوري وهو سيقرر كيف نبني ومن هم شركاؤه في البناء !!

لو كان في كلام الدردري القليل من الصحة .. نسأله : ماجدوى هدر المال على أجندة  يعرف جيدا انها مرفوضة سواء أتى باسم البنك الدولي أو الإسكوا أو بأي اسم تجميلي يخفي الوجه الأمريكي البشع لهكذا أجندات ؟

لعل الدردري الذي لايزال يعمل على تأسيس الأرضية لتمرير المخطط الأمريكي للإنقضاض على سورية إقتصاديا يعول على رجال الأعمال السوريين الذين تربطهم به علاقات وثيقة عندما كان يشغل منصب النائب الإقتصادي !

نعم أنه يخطط لخلق "لوبي" من رجال الأعمال السوريين ليضغط على الحكومة السورية أو إقناعها ـ لافرق ـ بالقبول بأجندة إعمار الإسكوا الأمريكية !!

ومن هنا يمكن أن نقرأ دلالات اللقاءات التي رتبها الدردري بين "مجتمع الأعمال السوري وممثلي الشركات والبعثات التجارية والدبلوماسية والمنظمات الإقليمية والدولية المشارطة في معرض "بروجكت لبنان" !

ولو ألقينا نظرة على المشاركين في تظاهرة بيروت لوجدنا مئات الشركات من الصين وتركيا وإيران ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين والأردن ودول أوروبية عدة، فضلاً عن الوكالة الفرنسية لتنمية التجارة الخارجية، والمفوضية التجارية الإيطالية، وغرفة تجارة لوكسمبورغ، ووكالة «أدفانتج أوستريا» النمسوية، ووزارات الاقتصاد في تركيا ورومانيا ولوكسمبورغ، وسفارات دول عدة، بينها إيطاليا وفرنسا والنمسا ومصر.

لقد أراد الدردري من خلال خبرته وعلاقاته المتشعبة وغالبا الوثيقة مع عدد كبير من رجال الأعمال السوريين أن يشكل تحالفات تجارية واقتصادية ينفذ من خلالها إلى مشاريع إعمار سورية سواء بعلم الحكومة أو من الباطن ، لذا لن نستغرب أن يتم تأسيس شركات جديدة باسماء وهمية تدار من قبل دول شنت الحرب على سورية منذ أكثر من ثلاث سنوات .. وهل هناك أفضل من بيروت القريبة جدل  من سورية لتأسيس هكذا شركات ؟

والدليل على حرص الدردري بعدم استفزاز السوريين هو عدم مشاركة أي شركة أو ممثل أمريكي في المعرض والمنتدى ـ بل على العكس وجدنا ممثلي لدول صديقة لسورية كإيران والصين !

ولم يأتِ اختيار شركات المقاولات والهندسة والتجارة العربية والأجنبية لبيروت مكاناًلاستضافة المعرض -المؤتمر على سبيل المصادفة، فمن المتوقع أن يلعب لبنان دور «المستودع» في عملية إعادة إعمار سورية المحاصرة بالعقوبات، على حد تعبير أحد المسؤولين الأوروبيين !!

ونفهم من كلام هذا المسؤول الأوروبي أن لبنان  ـ الذي لم يُقصّر فريق الحريرية السياسية السعودية في المشاركة في الحرب على سورية وبسفك الدم السوري ـ سيكون الأداة الأمريكية الأكثر فعالية في تمرير وتنفيذ أجندة قريق الدردري لإعمار سورية ، وهذا ماكشفة بصفاقة وزير المالية اللبناني الأسبق دميانوس قطّار الذي افتتح ندوة رجال الأعمال السوريين : هذه التظاهرة الدولية تُشكّل إستجابةً مبكّرة لمتطلبات مرحلة التنمية المقبلة في سورية والدور المفترض أن يلعبه لبنان والإقتصاديون اللبنانيون في هذا الإطار !

وقد تكون المصارف اللبنانية من خلال فروعها في سورية هي القناة التي ستضخ القروض المخصصة للإعمار !

وكشف المنظمون للمعرض ـ المنتدى انه وفّر مساحة حصرية لكبار رجال الأعمال، والمهندسين، والصناعيين، والتجار السوريين للقاء المورّدين، والمستثمرين، والمقاولين من المنطقة والعالم للبحث في كل ما تحتاجه السوق السورية من مواد ومعدّات وخبرات وإمكانات للمرحلة المقبلة.

وإذا كان الدردري نجح بإقامة تحالف سري بين كبار رجال الأعمال السوريين ونظرائهم في الدول التي لاتزال تشارك في الحرب على سورية فإن السؤال : من سيمول أجندة إعمار سورية ؟

فبعد أن رفض الرئيس الأسد عرض البنك الدولي لم يعد بمقدور ممثله الدردري أن يطرح موضوع قيام البنوك المرتهنة للأمريكان بالإنخراط في مشاريع إعمار سورية !

انتقل كبير إقتصادي الإسكوا إلى الإلتفاف على هذه المشكلة من خلال دعوته السوريين إلى الاحتذاء بنموذج إعمار لبنان عبر استسهال الاستدانة ، وفتح مجالات الدولة ووظائفها أمام القطاع الخاص ليشفط  منها ما يشاء دون حسيب أورقيب !

ولأول مرة يكشف الدردري العناوين العريضة لما يريده الأمريكان من سورية في المرحلة القادمة فيكشف  ان لاخيارات امام الحكومة السورية في السياسات الإجتماعية ـ السياسية الكلية لإعادة إعمار سورية سوى التسليم بضرورة الاستدانة لتمويل إعادة الإعمار والارتكاز على القطاع الخاص، فضلا عن إعادة هيكلة المؤسسات وتعديل القوانين بما يتناسب مع هذا الغرض، مستلهماً التجربة اللبنانية في إعادة الإعمار، من دون أن يشير الى أن هذه التجربة أنتجت نمواً مشوهاً قطاعياً ومناطقياً، وبكلفة فلكية رتّبت ديناً عاماً قياسياً وتاريخياً لمصلحة فئة قليلة جداً وعلى حساب كل المجتمع!

هكذا أجندة تقضي  بأن لاخيار أمام سورية سوى الإستدانة من الخارج وتحديدا من الصناديق والمؤسسات الغربية كما فعل لبنان والهدف الدائم إغراق سورية بالديون لتتحول إلى دولة مرتهنة سياسيا واقتصاديا للأمريكان !

لانستبعد أن يقوم بعض كبار رجال الإعمال السوريين الذي شفطوا ـ بفضل دعم الدردي خلال شغله لمنصب النائب الإقتصادي لرئيس الحكومة ـ الدخل القومي للسوريين  بالتطوع لخدمة تنفيذ مخططات الدردري..

كما لانستبعد أن تقوم الدول المنخرطة بالحرب على سورية بتأسيس شركات مقاولات إعمار وتوريد مستلزمات البناء في لبنان والدول الحليفة والصديقة لسورية لتتتولى فعليا تنفيذ الأجندة الأمريكية ..

قد يحصل كل ذلك.. بل سيحصل ، ولكن ماذا عن رد الحكومة السورية على هذا المخطط الأمريكي ؟

الكثيرون ممن التقى الرئيس بشار الأسد نقلوا عنه ان لديه تصورا كاملا لسورية الغد، سورية المستقبل، سورية الخالية من أي نفوذ أمريكي في مواقع صناعة القرار السوري .

أخيرا نشير إلى أن الأمريكي جون بيركنز  ـ بعدما تقاعد وصحا ضميره ـ اصدر كتابا يكشف فيه أن عمله كمستشار إقتصادي في شركة "مين" الأمريكية لم يكن سوى واجهة لعمله الفعلي وهو "قاتل إقتصادي" وانه جرى تدريبه في مراكز سرية لنيل هذا اللقب ، وكانت مهمته دائما إغراق الدول النامية بديون غير قادرة عى سدادها كي تتحول إلى أداة بيد الأمريكان، وكشف أن الدول التي كانت ترفض الإستدانة يتعرض رؤسائها اما  للإغتيالات أو للحروب المدمرة !

ترى هل سيتمتع الدردري ـ بعد تقاعده ـ  بالحد الأدنى من الشجاعة ليكشف في لحظة من صحوة الضمير انه لم يكن سوى أداة تنفيذية أمريكية لتخريب سورية .. ؟!

المصدر: دام برس

آخر تعديل على الثلاثاء, 24 حزيران/يونيو 2014 15:09