المقاومة بين العام والخاص والوحيد

المقاومة بين العام والخاص والوحيد

هل هنالك علاقة بين طوفان الأقصى وبين العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا؟ الطوفان ومعركة الصين وأمريكا حول تايوان؟ هل لطوفان الأقصى علاقة بالبريكس؟ هل له علاقة بالتخلي المستمر عن الدولار كعملة للاحتياط والتبادل الدولي؟ هل من علاقة بين صمود الفلسطينيين واللبنانيين من جهة وما يواجهه الروس والصينيون والأتراك والإيرانيون؟ هل صمودهم يدعم ذلك التحول التاريخي الذي يقوم به الجنوب الجماعي؟  لماذا تتوالى حالات الرفض الجماعية في دول الجنوب العالمي وتتسع لتشمل دولاً عديدة في الساحل الإفريقي وفي أمريكا اللاتينية؟ ما هي التقاطعات بين عمليات الجيش الروسي في العمق الأوكراني لتمركزات الناتو في أوكرانيا، والقصف الإيراني على المطارات الصهيونية؟ هل ما يجري محض مصادفات منعزلة أما قانون عامٌّ شامل؟

إن القانون بأوسع معانيه هو العلاقة بين الأشياء والظواهر والعمليات، تنتج عن طبيعة هذه الأشياء الداخلية، ولكن ليست كل علاقة بين الظواهر قانون؛ القانون هو تلك العلاقة التي تحمل طابعاً جوهرياً، إنه الأمر الجوهري في حركة الظاهرة...

فما هو الجوهري، أو بلغة أوضح: المشترك بين كل الظواهر السابقة؟ ولماذا تشكل قانوناً؟

لعل ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمام الأمم المتحدة في كلمته أمام الجمعية العامة يوم السبت الماضي، تكثيفٌ معقولٌ لهذا المشترك. قال لافروف إن الأمين العام أنطونيو غوتيريش كان يهدف لإعادة تشغيل التعاون العالمي من خلال قمة المستقبل، في حين "داس" الغرب على جميع القيم الثابتة للعولمة "وأطلق حرب عقوبات حقيقية ضد نصف دول العالم، إن لم تكن ضد أغلبيتها"، فيما تحول الدولار بشكل صارخ "إلى سلاح". وقال إن ميثاق المستقبل تم إعداده دون "جولة واحدة من المفاوضات العامة" لتشارك فيه جميع البلدان، بدلاً من ذلك تم تنفيذه تحت سيطرة "المتلاعبين الغربيين"، وقال إنه نتيجة لهذا، انضمت المعاهدة "حتى قبل أن تولد، إلى مجموعة المعاهدات التي تبدو لطيفة باللغة الإنكليزية".

 كيف تطورت الظاهرة؟

منذ أن هبط النمو عملياً في دول المركز الإمبريالي في أوائل سبعينيات القرن الماضي إلى مستويات 1 أو 2 بالمئة سنوياً، حتى انفجار أزمة النمو بالديون في العام 2008 حتى التيسير الكمي، واختراع قمة العشرين... مع كل مرحلة من هذه المراحل، كانت الإمبريالية تشتد استبداداً وتشتد تطرفاً وتوحشاً ويمينية وشعبوية وفاشية وإرهابية وإجرامية... وكانت مع كل مرحلة توجه نيران حقدها صوب الشعوب، وتنشر بأدواتها المختلفة كل أنواع الكره والشقاق بين الشعوب والدول. وكانت مع كل مرحلة، تعمق النزاعات وتثبت الصراعات وتحمي كيانها، رأس حربتها، مسخها المفضل؛ الكيان الصهيوني. وتخلق لنا مسوخاً شبيهة مثل النصرة وداعش وزيلنسكي وأبو الفول الجولاني والمهرجين الآخرين.

المشترك في كل ما جرى أن الغرب الجماعي أعلن تحت ضغط أزمته الفوضى الشاملة الهجينة على كل دول الجنوب العالمي، والجنوب العالمي أعلن حالة الدفاع عن النفس عبر أشكالٍ متعددة بينها المقاومة المباشرة؛ فحالة المقاومة الفردية للغزيين في طوفان الأقصى هي الحالة الخاصة للمقاومة الفلسطينية العربية الإسلامية بالضد من مشروع الشرق الأوسط الجديد. وهي حالة خاصة ضمن حالة عامة لمقاومة الشرق التي تشمل بريكس وشانغهاي والجنوب العالمي بأسره المهدد بالتدمير وإدخاله في حالة من الهمجية والتخلف الشامل، تضمن للغرب الجماعي السواد والبقاء، عملاً بالوصفة التي أطلقها رئيس المفوضية الأوروبية؛ حيث الغرب هو الحديقة، وبقية العالم هي الأدغال المحيطة بتلك الحديقة...

 وإذاً، فإن الترابط قائم وعميق بين مختلف أشكال مواجهة الهيمنة الأمريكية الغربية حول العالم، حتى وإن تجلت أشكال تلك المواجهة بصورٍ ودرجات مختلفة من نقطة إلى أخرى، إلا أنها جميعها تصب في مكانٍ واحد... وما يعزز من ترابطها وتشابكها، هو العولمة بالذات، وبكلام آخر، هو العولمة الرأسمالية التي امتدت معها باتجاهين معاً؛ أفقياً لتشمل البشرية بأسرها وتضعها تحت عسفها وجورها، وعمودياً عبر تعزيز التفاوت على المستوى العالمي، وتعزيز الهرمية التي تجاوزت الشعوب والدول عبر المنظومة المالية العالمية خاصة، التي تجاوزت الدول بشكلٍ علني وصارخ ابتداءً من بروز النيوليبرالية مذهباً مقدساً لتفتيت الدول والمجتمعات عبر العالم، وتحويلها إلى أدوات في يد نخبة عابرة للقوميات وللحدود...