الحريديم في جيش الاحتلال

الحريديم في جيش الاحتلال

ضمن التخبطات التي يعيشها الكيان الصهيوني ما بعد السابع من أكتوبر /تشرين الأول الماضي تبرز معركة تجنيد الحريديم كإحدى مفردات الصراع الداخلي. وخاصة مع الخسائر البشرية الكبيرة التي يعاني منها جيش الاحتلال مع سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى ووصول عدد المعاقين إلى ما يناهز السبعين ألفاً، ما يعني حاجة جيش الاحتلال إلى أعداد أكبر في المعركة التي يشنها على غزة الصامدة.

حيث أمرت السلطات في الكيان جيش الاحتلال بتجنيد 3 آلاف من الطلاب اليهود المتدينين المعروفين باسم "الحريديم" على الفور.

وتأتي هذه الأوامر بعد ساعات من قرار تاريخي للمحكمة العليا "الإسرائيلية" أنهى إعفاءهم من الخدمة العسكرية، ووسط احتجاجات ضده.

وفي حين أن هناك حالياً أكثر من 63 ألف طالب من الحريديم، إلا أن جيش الاحتلال أقر بأنه من المرجح أن يتم تجنيد 3 آلاف فقط خلال العام الحالي.

وانتقد حزب الليكود  بزعامة بنيامين نتنياهو توقيت صدور قرار من المحكمة العليا وقال في بيان له:  إن الائتلاف الحاكم الذي يقوده الحزب يعمل بالفعل على تشريع جديد يعالج مسألة إعفاء الحريديم.

فيما قضت المحكمة العليا بالإجماع، في الرابع والعشرين من حزيران، بانتفاء وجود سند قانوني يسمح بتمييز الحريديم وإعفائهم من أداء الخدمة العسكرية. ويقضي هذا القرار على الحكومة بسحب التمويل من أي معهد ديني لا يمتثل طلابه لإخطارات التجنيد. فيما انتقد حزب شاس بزعامة أرييه درعي، قرار المحكمة قائلاً إن "أي قرار شائن من محكمة لن يقضي على مجتمع باحثي التوراة في أرض (إسرائيل)" على حد تعبيره.

ويمثل حزبا شاس و"يهدوت هتوراة" ركناً أساسياً في حكومة نتنياهو الائتلافية، وكان هذان الحزبان يعولّان على استمرار إعفاء الحريديم من أداء الخدمة العسكرية.

ومن المتوقع أن يزيد القرار من صعوبة موقف نتنياهو من ناحية عدم قدرته على الوفاء بتعهداته الخاصة بإعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، والتي تعد من أهم المطالب التاريخية لليهود المتشددين.

وأعرب وزير تعليم الكيان يوآف كيش، عن أمله في التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف في هذا المضمار.

وقال كيش: "ليس في حرب أهلية، وليس في اقتتال من شأنه أن يمزق المجتمع (الإسرائيلي) في خضمّ حرب طاحنة. من الممكن أن نتعاون على فعل ذلك".

هذا وتقف المعارضة موقف الرفض من إعفاء الحريديدم، حيث قال زعيم المعارضة يائير لابيد إنه يجب البدء في تجنيد الحريديم، مشدداً على ضرورة تطبيق القانون على هذا الصعيد، وإلا فسيكون ذلك بمثابة "خيانة للجيش" على حد تعبيره.

ويعود تاريخ إعفاء الحريديم من أداء الخدمة العسكرية إلى عام 1949، بعد عام من إعلان قيام الكيان الصهيوني. وكان عدد الحريديم في ذلك الوقت نحو 400 شخص فقط. وعاملهم أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني ديفيد بن غوريون معاملة خاصة، كونهم كانوا ضامنين لاستمرار دراسة تعاليم الديانة اليهودية.

وفي عام 1998، أصدرت المحكمة العليا "الإسرائيلية" قراراً يقضي بعدم قانونية هذا الإعفاء.

لكن الحكومات "الإسرائيلية" منذ ذلك الحين تحاول إيجاد "مخرج قانوني" للإبقاء على إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية.

واستطاعت تلك الحكومات التحايل على قرار المحكمة العليا عبر تمديدات متكررة للائحة الأصلية، كان آخر تلك التمديدات قد صدر في تموز من العام الماضي. وكثيراً ما احتدم جدل سياسي حول إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، حتى اشتعلت الحرب في غزة فأججت الغضب بشأن هذا الإعفاء.

وشهدت حرب غزة استدعاء أضخم عدد من جنود الاحتياط في الكيان الصهيوني على مدى الأربعين عاماً الماضية.

ويشكل الحريديم "اليهود المتشددين" 13 في المائة من المستوطنين في الكيان، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 19 في المائة بحلول عام 2035، بسبب ارتفاع معدلات المواليد بينهم. ويرفضون التجنيد الإجباري، ويطالبون بالحق في الدراسة بالمعاهد اللاهوتية بدلاً من الخدمة بالزي العسكري طوال السنوات الثلاث.

وقد أكد الوزير من حزب "يهدوت هتوراه" الحريدي مئير بروش أن فرض التجنيد الإجباري على الحريديم سيؤدي لتقسيم "الدولة"، مشيراً إلى أنه لا توجد قوة تستطيع منع شخص من دراسة التوراة.

وقال بروش: "فرض التجنيد الإجباري على الحريديم سيؤدي إلى إقامة دولتين دولة علمانية ودولة يتفرغ فيها اليهود لدراسة التوراة.

فيما كوّم محتجون على قانون تجنيد اليهود الحريديم روث الحيوانات أمام منازل الوزراء وأعضاء الكنيست في الائتلاف الحاكم. ووضع النشطاء لافتات أمام منازل وزير العدل ياريف ليفين ووزير المالية بتسلئيل سموتريش ووزراء وأعضاء كنيست آخرين كتب عليها "الإعفاء من التجنيد لليهود المتشددين = القرف للطلاب الاحتياطيين"، في انقسام واضح حول الموقف من قضية التجنيد.

وفي الوقت ذاته وبهدف زيادة أعداد جنود جيش الاحتلال كذلك، صادقت الهيئة العامة للكنيست "الإسرائيلي" بالقراءة الأولى على مشروع قانون رفع سن الإعفاء من خدمة الاحتياط بالجيش بشكل مؤقت.

ويهدف مشروع القانون إلى "منع تسريح جنود الاحتياط الذين اقتربوا من سن الإعفاء، والذين يشاركون حالياً في القتال.

وينص مشروع القانون على أن يخدم جنود الاحتياط حتى سن 41 عاماً، بدلاً من 40 عاماً حالياً، وأن يخدم ضباط الاحتياط حتى سن 46 عاماً بدلاً من 45 عاماً.

وبناء على النقص  الحاصل في الجنود والمقاتلين كذلك يروج جيش الاحتلال لاستحداث وحدة جديدة للمهام الخاصة من المتقاعدين والمتطوعين والحريديم، وهي فرقة خفيفة جديدة تسمى الفرقة 96 "فرقة داود"، حيث العدد المحتمل للمقاتلين المدمجين في "فرقة داود" سيكون حوالي 40 ألف مقاتل.

ويبدو أن الكيان على حافة أزمة سياسية حادة، حيث يبدو قرار المحكمة العليا بمثابة ضربة لمكانة الحريديم الخاصة في الكيان. وترتفع درجة التوتر، وتتعرض حكومة نتنياهو لانتقادات كبرى بسبب إدارتها للحرب في غزة، والآن بسبب حرمان فئة كبيرة من "الإسرائيليين" من امتيازاتها التقليدية، مما يعني أن  عدم الاستقرار الداخلي الآن يمكن أن يكلف كثيراً.