بكين … نحو أفق جديد في «المصالحة الفلسطينية»

بكين … نحو أفق جديد في «المصالحة الفلسطينية»

بعد أن تداولت وكالات الأنباء أخباراً مقتضبة عن لقاء استضافته بكين بين حركتي فتح وحماس في نهاية شهر نيسان الماضي، عاد موضوع إنهاء الانقسام الفلسطيني إلى الواجهة، وخصوصاً بعد التأكيدات الصينية الرسمية حول عزم بكين تأدية دور الوساطة في هذا الملف الشائك.

في الحقيقة لم يخرج عن لقاء بكين الكثير، وهو ما دفع بعض الأقلام إلى التقليل من أهمية الحدث كونه واحداً من لقاءات كثيرة عقدت تحت اليافطة نفسها، بل الأكثر من ذلك هو أن شح المعلومات حول النتائج كان ذريعةً كافية للبعض للتشكيك مجدداً بجدّية بكين أو تصوير جهود الصين بوصفها جزءاً من «استراتيجية فضفاضة لأداء دور أكبر في منطقتنا». فهل هذا هو الواقع فعلاً؟

ما هي نتائج المعلنة للقاء ؟

أعلن لين جيان المتحدث باسم الخارجية الصينية في 30 نيسان الماضي أن حركتي فتح وحماس عقدتا لقاءً في بكين تلبيةً لدعوة من الصين، بهدف «إجراء مباحثات معمقة وحوارٍ صريح لتعزيز المصالحة الفلسطينية»، وأكد جيان في هذا الخصوص أن النقاشات شملت عدداً من المسائل المحددة «وأحرزت تقدّماً مشجعاً» حسب تعبيره.

وفي السياق ذاته، أصدرت «فتح» و«حماس» بياناً جاء يؤكّد «أهمية وقف حرب الإبادة والانسحاب الكامل لجيش الاحتلال من قطاع غزة، وتنسيق الجهود الوطنية المشتركة في إدخال المساعدات والإغاثة العاجلة إلى القطاع»، بالإضافة إلى «أهمية وحدة الموقف الفلسطيني بشأن العدوان على قطاع غزة… وضرورة تنسيق المواقف والجهود في الضفة الغربية بما فيها القدس، لمواجهة اعتداءات المستوطنين على القرى والبلدات، وكذلك الاعتداءات على المسجد الأقصى».

وبحسب البيان المشار إليه تم الاتفاق على «ضرورة إحياء اللجان المشتركة بينهما ومعالجة أي إشكاليات تواجه ذلك» بالإضافة إلى وقف «التراشق الإعلامي» ذلك الذي هدد التفاهمات الأخيرة التي توصّلت لها الفصائل خلال اللقاء الذي استضافته روسيا في شهر شباط الماضي. وحمل أيضاً تأكيداً جديداً بأن «الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام يجب أن يتم في إطار منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، عبر انضمام كل القوى والفصائل الفلسطينية إليها وإلى مؤسساتها». 

«لقاء بكين» خطوة أولى

الخطوط التي جرى التوافق عليها سواء في موسكو أو بكين هي قضايا أساسية لا ينبغي التقليل من شأنها، فرغم أن إنهاء الانقسام لم ينجز بعد، إلا أن التوافق على منظمة التحرير بوصفها المظلة الشرعية يؤسس إلى مرحلة قادمة جديدة، تسمح بوضع القضية الفلسطينية على سكة الحل، إذ إنّ الخلل في التمثيل الفلسطيني الحاصل في المنظمة سبب ضرراً كبيراً لهذا المسار وجرى استثماره وتغذية الشقاق من قبل واشنطن وهو ما دفع روسيا والصين للدخول من هذا الباب تحديداً، ما يمهد لدفع الملف مجدداً وتجاوز العقبات السابقة.

من جهة أخرى، صرّح عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق يوم الأحد 5 أيار الجاري، أن الصين بصدد التحضير إلى لقاء جديد يجمع الفصائل الفلسطينية، آملاً في أن «يتوج بإنهاء الانقسام في فلسطين»، مؤكداً أن: «أي اعتراض على عملية الوحدة الوطنية هو اعتراض على مستقبل الشعب الفلسطيني ويخدم أجندات خارجية». وأشار أبو مرزوق أيضاً إلى وجود «تباين بين موقف حركة فتح والسلطة الفلسطينية ممثلة بمؤسسة الرئاسة» ما يؤشر إلى إمكانية تجاوز المواقف السياسية للسلطة الفلسطينية التي لا تعبر عن مصالح الشعب الفلسطيني، وإيجاد ثوابت جديدة لبناء توافق مستقر بين الفصائل يحظى بقبول واسع في الشارع الفلسطيني.

كلمات عن «طموحات الصين»

وضّح تشنغ جيشين، السفير الصيني في فلسطين، أن «القضية الفلسطينية تحتل الصدارة في جدول أعمال الصين»، مؤكّداً أن «حكومة بلاده تبذل كل الجهود لتقديم الدعم السياسي لفلسطين» وذكّر بموقف بكين القائم على أن الحل العادل للقضية الفلسطينية هو الضامن الوحيد للسلام في المنطقة.

فبالنسبة للصين ظل تعطيل حل القضية الفلسطينية بمثابة عثرة، فما تطمح له بكين لا يمكن وضعه في أطر ضيقة، إذ إنّ بقاء برميل بارود بهذا الحجم من شأنه أن يشكّل تهديداً حقيقياً في منطقة هي جزء من النطاق الحيوي الصيني. فكما هو الحال بالنسبة لروسيا، لا يمكن التعويل على أي جهود تبذل لتحقيق استقرار في الشرق الأدنى دون حل القضية الفلسطينية، ومن هذه النقطة بالتحديد يبدو وضوحاً أن الهدف الصيني-الروسي المشترك بعيد كل البعد عن الاستعراض أو تسجيل المواقف بل هو ضرورة ملحة، والأهم من ذلك أن الإصرار على تحريك المياه الراكدة وعقد اجتماعات من هذا النوع بشكل متزامن ومتلاحق يعكس إلى حدًّ بعيد قناعة سياسية بإمكانية تحقيق اختراق، وهو ما يمكن أن يبشر بنتائج ملموسة خلال آجال زمنية قصيرة.