أهمية التحرّكات الجزائرية ضد الكيان أمام القانون الدولي
حرّكت الجزائر مبادرةً قانونية دولية جديدة ضدّ كيان الاحتلال الصهيوني، عبر جهة نقابية هي «الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين»، حيث قدّمت بلاغاً أمام «محكمة الجنايات الدولية» في لاهاي، جاءت بعد أسبوع من صدور قرار «محكمة العدل الدولية» في دعوى الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال والتي رفعتها جنوب إفريقيا. وقالت المبادرة الجزائرية الجديدة إنها تأتي تلبية لدعوة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وكذلك تنفيذاً لتوصيات ندوة (الجزائر – العدالة للشعب الفلسطيني) التي تمثّل عشرات الآلاف من المحامين النقابيين من خمسة بلدان عربية، مما يشكّل تحالفاً دعا مؤسسوه إلى توسيعه ليضم «كل المحامين والمنظمات وكل أحرار العالم».
البلاغ المذكور، الذي أُودع لدى المحكمة الجنائية الدولية الجمعة الماضية، 2 شباط 2024، لا يمثّل نقابة المحامين الجزائريين فحسب، بل ونقابات المحامين في كلّ من فلسطين والأردن وتونس وموريتانيا.
وأوضح بيان الاتحاد أنّ بلاغه لمحكمة الجنايات الدولية يستند إضافة إلى «قرار محكمة العدل الدولية التاريخي الصادر بتاريخ 26 يناير 2024» على مجموعة من التوثيقات والصور والفيديوهات التي تثبت هذه الجرائم «والملتقطة بعين المكان من مصادر موثوقة... ومراجع التصريحات الرسمية لقادة الاحتلال المتضمنة إقرارات واعترافات علنية بارتكاب هذه الجرائم وحتى الدعوة إلى ذلك».
جاءت هذه الخطوة أيضاً بعد أيام قليلة من انعقاد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، الأربعاء 31 كانون الثاني الماضي، بطلب من الجزائر، وكان يفترض بالجلسة «إعطاء صيغة تنفيذية» لقرار محكمة العدل الدولية بشأن الحرب في غزة، والتي أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنّ قراراتها ملزمة. وقرار المحكمة أكد وجود قرائن كافية تفيد بارتكاب جرائم إبادة جماعية في الأراضي المحتلة، فأمرت المحكمة بفرض التدابير والإجراءات الاحترازية المؤقتة على كيان الاحتلال لمنع استمرار هذه الجرائم، الأمر الذي يعتبر خطوة تاريخية مهمة للأمام، رغم أن قرار المحكمة لم يتضمن دعوة صريحة لـ«وقف إطلاق النار».
وتجدر الإشارة إلى أنه منذ مطلع العام الجاري تشغل الجزائر عضوية غير دائمة بمجلس الأمن الدولي لمدة عامين. وبحسب بيان الخارجية الجزائرية لمناسبة مشروع القرار الجزائري أمام مجلس الأمن، فإنّ «الجزائر تعتبر أنّ الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية يعلن بداية نهاية حقبة الإفلات من العقاب التي لطالما استغلها الاحتلال (الإسرائيلي) ليطلق العنان لنفسه لاضطهاد الشعب الفلسطيني وقمع كافة حقوقه المشروعة».
فائدة مزدوجة للموقف الجزائري
موقف الجزائر المناصر للشعب الفلسطيني، والذي تدفع به في مجلس الأمن وأمام المحاكم الدولية، يحقق على الأقل فائدتين خدمةً للقضية: فهو يصبّ في مزيدٍ من الفضح للموقف الإجرامي الأمريكي الداعم للكيان، حيث صرّحت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد أنّ بلادها رفضت مشروع القرار الجزائري أمام مجلس الأمن لأنه «لا يزيد الضغط على حماس»، وتذرّعت بأنه «على العكس قد يُعرّض هذا المشروع المفاوضات الحسّاسة للخطر، ويعرقل الجهود الدبلوماسية المكثفة لتأمين الإفراج عن الرهائن والتوصل إلى هدنة مطولة يحتاجها بشدة المدنيون الفلسطينيون وعاملو الإغاثة» على حد تعبيرها. وشدّدت على ضرورة أن يدعم مجلس الأمن القرارين الإنسانيين اللذين اعتمدهما بالفعل من قبل.
وبذلك حاولت واشنطن تجاهل التأثير المهمّ لقرار محكمة العدل الدولية وكأنه لم يكن، وأنْ تتهرب من الضغوط المتزايدة عليها وعلى الكيان بفعل ميزان القوى العالمي الذي يزداد رجحانه لصالح المطالبين عالمياً بوقف الحرب في غزة.
ويمكن تسجيل فائدة مهمة ثانية للموقف الجزائري، ألا وهي تعرية موقف المطبّعين العرب وإفلاسهم. حيث يمكننا مقارنة موقف الجزائر، بموقفٍ تطبيعي عربي نموذجي يمثّله ويقوده النظام الإماراتي. فهذا الأخير لم يجد حرجاً في إصدار تعليماته لوزيرة شؤون التعاون الدولي الإماراتية ريم الهاشمي، لتقول خلال كلمتها في مجلس الأمن، في 25 أكتوبر الماضي، إنّ بلادها «تعتبر عملية طوفان الأقصى هجمات بربرية وشنيعة». بالمقابل وعلى العكس تماماً، شدّد الموقف الرسمي الجزائري على استنكار اتّهام الفلسطينيين بـ«الإرهاب» كما عبّر عن ذلك الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في 30 أكتوبر الماضي بقوله «إن العالَم يشهد في غزة جرائم كاملة الأركان... جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب»، وأضاف مشدّداً: «الفلسطينيون لم يكونوا يوماً إرهابيين، الفلسطينيون ليسوا إرهابيين، فمن يدافع عن وطنه وعن استقلال وطنه ليس إرهابياً». وشبّه تبون النضالَ التحرّري للشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني بنضال الشعب الجزائري ضدّ الاستعمار الفرنسي حيث قال «ونحن في حرب التحرير [الجزائرية] كانوا يقولون عنّا أننا إرهابيون».