الغارديان: على واشنطن وحلفائها الضغط على (إسرائيل)، بدلاً من قصف اليمن
بقلم: محمد بازي
ترجمة: قاسيون
في وقت مبكر من يوم الجمعة، شنّت الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات عسكرية ضد أكثر من عشرة أهداف في اليمن. وجاءت الضربات، وفق ما أعلنت الأطراف التي قامت بالعدوان، رداً على أكثر من 25 هجوماً شنها اليمنيون على السفن في البحر الأحمر منذ نوفمبر/تشرين الثاني - وهي الهجمات التي جاءت رداً على الغزو «الإسرائيلي» لقطّاع غزة.
يصرّ الزعماء الغربيون، وخاصة الرئيس الأمريكي جو بايدن، على أنهم يريدون الحد من خطر انتشار الحرب في غزة إلى أجزاء أخرى من الشرق الأوسط. لكنّ الضربات الجوية والبحرية التي تقودها الولايات المتحدة على اليمن هي أهم توسيعٍ للصراع منذ أن شنت «إسرائيل» هجومها المدمّر على غزة بعد 7 أكتوبر. وبدلاً من تجنب حرب أوسع نطاقاً، تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها على تصعيد التوترات الإقليمية وصب الزيت على نار الصراع الذي امتد بالفعل إلى لبنان وسورية والعراق واليمن. ومن الممكن أن يخرج الحريق عن نطاق السيطرة.
أصبح بايدن الرئيس الأمريكي الرابع على التوالي الذي يأمر بشن ضربات عسكرية على اليمن، في استمرار لعقدين من السياسات الأمريكية والغربية الفاشلة التي تركزت على قصف أفقر دولة في الشرق الأوسط. ويبدو أن واشنطن حريصة على تكرار أخطائها: فبعد أن فشلت سنوات القصف التي قام بها حلفاء الولايات المتحدة خلال الحرب الأهلية الطويلة في اليمن في طرد اليمنيين الحوثيين أو إقناعهم بتغيير مسارهم، كان اليمنيون الحوثيون في واقع الحال يصبحون أقوى بعد كل مواجهة عسكرية.
إن الانتقام الذي تقوده الولايات المتحدة ضد اليمنيين يكذّب أيضاً مزاعم الضغط المفترض الذي تمارسه إدارة بايدن على «إسرائيل» لإنهاء غزوها لغزة، والذي أودى بحياة أكثر من 23000 فلسطيني – ويتجاوز عدد القتلى اليومي أيّ صراع كبير آخر في القرن الحادي والعشرين، وفقاً لمنظمة أوكسفام. كما أدّى الهجوم «الإسرائيلي» إلى نزوح 1.9 مليون شخص، أي ما يقرب من 85% من سكان غزة. وتقاوم الولايات المتحدة وحلفاؤها المسار الأوضح لخفض التصعيد في جميع أنحاء المنطقة: الضغط على «إسرائيل» لإنهاء غزوها وقبول وقف دائم لإطلاق النار.
من شأن الهدنة أن تزيل السبب الذي دفع اليمنيين إلى مهاجمة السفن في البحر الأحمر، وقد كان قادة الحركة واضحين في أنّهم سيتوقفون بمجرد توقّف «إسرائيل» عن قصف غزة. لكن من المرجح اليوم أن يكون للضربات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة تأثير عكسي، فقد أظهر قادة اليمنيين بالفعل تحدياً ووعدوا بمواصلة هجماتهم على السفن، بل واستهداف السفن الأمريكية والسفن المتحالفة معها في المنطقة.
ليس لدى اليمنيين حافزٌ كبير لتغيير تكتيكاتهم نظراً لأن الصراع أدى إلى زيادة شعبيتهم في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث يُنظر إلى قواتهم باعتبارها واحدة من اللاعبين القلائل في المنطقة القادرين على فرض تكلفة استراتيجية مرتفعة على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين كجزاء لدعمهم «إسرائيل»، وذلك على عكس الحكومات العربية التي فشلت في إقناع واشنطن بإيقاف الدعم.
اتساع رقعة المعادين للولايات المتحدة
منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، انخرط حزب الله والقوات «الإسرائيلية» في تبادل إطلاق نار شبه يومي عبر الحدود اللبنانية، حيث قال حزب الله إنه يحاول إبقاء بعض الموارد العسكرية «الإسرائيلية» مقيّدة بعيداً عن جبهة غزة. قبل الضربات الأمريكية البريطانية على أهداف اليمن، كانت إدارة بايدن قلقة للغاية بشأن اندلاع حرب شاملة في جنوب لبنان.
في الوقت نفسه، نفذت المجموعات المسلحة في العراق التي تتمّ الإشارة إليها باسم «الحشد الشعبي»، 130 هجوماً بطائرات دون طيار وصواريخ وقذائف ضدّ أهدافٍ الأمريكية في العراق وسورية منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول، حيث تمّت إصابة 66 جندياً. ثمّ في 4 يناير/كانون الثاني، قتلت الولايات المتحدة أحد قادة المجموعات المسلحة العراقية في غارة جوية في بغداد، قائلة إنه كان متورطاً في التخطيط لشن هجمات على القوات الأمريكية. وأثارت تلك الغارة الجوية غضب الحكومة العراقية، وسرّعت من دعوات الفصائل العراقية لطرد حوالي 2500 جندي أمريكي ما زالوا متمركزين في العراق.
إن دعم واشنطن الثابت وشحنات الأسلحة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات إلى «إسرائيل» يؤدي إلى إجهاد التحالفات الأمريكية الأخرى في المنطقة. ومن الجدير بالذكر أن اثنين من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي: السعودية والإمارات قاوما الانضمام إلى تحالف بحري دولي شكلته إدارة بايدن الشهر الماضي، تحت شعار: «حماية الملاحة في البحر الأحمر». يحرص القادة السعوديون على الحفاظ على الهدنة مع الحوثيين، وهم يدركون الدعم الواسع للفلسطينيين في جميع أنحاء العالم العربي. يتمتع اليمنيون على وجه الخصوص، بتاريخ طويل في دعم التطلعات الفلسطينية.
إنّ الضربات على اليمن يمكن أن تجعل الإدارة الأمريكية أقرب إلى الحرب الإقليمية التي تسعى إلى تجنبها. كانت الحرب الأهلية في اليمن صراعاً معقداً لسنوات - حيث تدعم السعودية وإيران أطرافاً مختلفة. لكن على الرغم من الحصار وآلاف الغارات الجوية، فشل التحالف السعودي في إجبار الحوثيين على الخروج من صنعاء. توصل الحوثيون اليمنيون إلى وقف إطلاق النار مع السعودية بوساطة الأمم المتحدة في عام 2022. ثمّ بعد المفاوضات التي يسرتها الصين، اتفقت إيران والسعودية على استعادة العلاقات الدبلوماسية وتهدئة التوترات. ومهدت هذه الصفقة الطريق أمام اتفاق أوسع بشأن اليمن.
بالنسبة للولايات المتحدة وبريطانيا، من المهم أن يكون هذا التاريخ بمثابة قصّة وعِظة لهم: فقد أمضت القوة الإقليمية التي دعمتها الدولتان سنوات طويلة في محاولة تدمير اليمنيين الحوثيين، لينتهي بها الأمر وقد فشلت في ذلك، وقامت بإجراء تسوية. لهذا بدلاً من الانتقام من اليمنيين، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها الضغط على «إسرائيل» لإنهاء غزوها لغزة وقبول وقف إطلاق النار.
بتصرّف عن
https://www.theguardian.com/commentisfree/2024/jan/12/yemen-houthi-militia-israel-gaza-red-sea