الحزام والطريق: الأساس المادي لإنهاء الاستعمار

الحزام والطريق: الأساس المادي لإنهاء الاستعمار

(نشرت هذه المادة بالأصل باللغة الإنكليزية في موقع Geopolitika.ru بتاريخ 16/10/2023، وفيما يلي تنشر قاسيون ترجمتها العربية)

عقد في منتصف أكتوبر 2023، منتدى الحزام والطريق الثالث للتعاون الدولي في بكين. وتزامن ذلك مع الذكرى العاشرة لإطلاق الصين مبادرة الحزام والطريق، والتي تم إطلاقها عملياً في سبتمبر وأكتوبر 2013.

 قبل حوالي ستة أشهر من الإعلان عن إطلاق مبادرة الحزام والطريق، وتحديداً في 23 مارس 2013، في خطاب ألقاه في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية خلال أول زيارة خارجية له بعد توليه منصبه، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ: "إنه عالم حيث ترتبط البلدان ببعضها البعض وتعتمد على بعضها البعض بمستوى لم يسبق له مثيل من قبل. إن البشرية، من خلال العيش في القرية العالمية في نفس العصر وعلى نفس الأرض حيث يلتقي التاريخ والواقع، قد برزت بشكل متزايد كمجتمع ذي مصير مشترك، حيث يمتلك كل فرد في نفسه القليل من الآخرين".

 ويمكن القول إن مفهوم "مجتمع بمصير مشترك للبشرية" الذي أطلقه الرئيس الصيني في مارس 2013 كان الأساس الثقافي والأخلاقي والمفاهيمي لمشروع الحزام والطريق.

 ويعتقد جزء كبير من وسائل الإعلام الغربية أن الذكرى السنوية العاشرة لمبادرة الحزام والطريق تمثل فرصة لا ينبغي تفويتها، ليس لإجراء تقييم موضوعي، بل لتكثيف الدعاية المعادية لمبادرة الحزام والطريق وللصين. وكمثال واحد فقط من بين العديد من الأمثلة، يزعمون أن شعار الصين «win-win» أي العلاقة الرابحة من الطرفين، قد تبين أنها «الصين تربح مرتين»!

 البعد الجيوسياسي

رغم أن الأرقام الاقتصادية وحدها كافية لدحض الادعاءات الغربية المعادية لمبادرة الحزام والطريق، وخاصة استناداً إلى التقدم الواضح الذي سجلته الدول التي انخرطت في هذه المبادرة بجدية، فإن هناك بعداً آخر نادراً ما يتم تناوله: البعد الجيوسياسي.

 ويسعى الغرب إلى تصوير مبادرة الحزام والطريق في الصورة المشوهة التالية: "بما أن الصين أصبحت، على مدى العقدين الماضيين، مصنع العالم، فإنها تحتاج بالتالي إلى بنية تحتية ضخمة عابرة للحدود الوطنية، وفي المقام الأول الطرق والسكك الحديدية، من أجل تصدير إنتاجها وإغراق العالم به». وبناء على هذه الصورة المشوهة، يتم اختلاق أنواع مختلفة من الادعاءات الكاذبة، مثل «فخ الديون الصينية»، و«الصين تربح مرتين»، وما إلى ذلك.

 إن فهم البعد الجيوسياسي لمبادرة الحزام والطريق يتطلب إلقاء نظرة خاطفة على طبيعة النظام التجاري الذي ساد العالم بدءاً من القرن السابع عشر، وتحديداً مع إطلاق «شركة الهند الشرقية»، كمشروع استعماري أوروبي سيطرت عليه عدة دول أوروبية تباعاً. وبطبيعة الحال، فإن أطول فترة سيطرة عليها كانت الفترة البريطانية، والتي لم تنته فعلياً إلا بعد ظهور الصين الجديدة عام 1949.

 كان جوهر السياسة الاستعمارية لأكثر من 400 عام يرتكز على المبادئ التالية:

 أ- «ربح-خسارة»: المستعمر يربح والشعوب المستعمرة تخسر - هنا يمكننا أن نفهم المعنى العميق لشعار «win-win» "المربح للجانبين" الذي أطلقته الصين، ليس فقط كشعارٍ تجاري، ولكن أيضًا كشعار مناهض للاستعمار، سواء في شكله القديم أو في شكله الجديد، أي «التبادل غير المتكافئ».

 ب- «البحر ضد البر»: إن الطرق التجارية التي فرضها الاستعمار، بسبب موقع الاستعمار الجغرافي في أوروبا الغربية، بعيداً عن مصادر الموارد الطبيعية والبشرية في آسيا وأفريقيا، اقتصرت على الطرق البحرية.

 ج- «الساحل ضد الداخل»: ازدهرت السواحل نسبياً في آسيا وأفريقيا كموانئ للتجارة الاستعمارية، في حين تم إهمال المناطق الداخلية القارية، ومنع تطورها، واقتصرت وظيفتها على إنتاج وتصدير الثروة الخام (بما في ذلك الزراعية) باتجاه الساحل. ومن هناك إلى أوروبا الغربية.

 د- «الداخل ضد الداخل»: للحفاظ على سيادة الطرق البحرية، كان لا بد من منع أي إمكانيات للتعاون بين شعوب آسيا وأفريقيا، وضمناً منع تطوير الطرق البرية بينها، وخلق مختلف أنواع الصراعات والحروب، على مختلف الأسس القومية والدينية والطائفية وغيرها.

 تكشف هذه الصورة المختصرة لجوهر السياسة الاستعمارية بوضوح البعد الجيوستراتيجي لمبادرة الحزام والطريق كمشروع مناهض للاستعمار. بمعنى آخر، توفر مبادرة الحزام والطريق الأساس المادي للتحرر من الاستعمار على أساس مبدأ «الفوز للجميع»، وعلى أساس إنهاء العداء بين «البحر والبر» وبين «الساحل والداخل» وبين «الداخل والداخل»، من خلال دمج الجميع في مشاريع تنموية تعاونية ضخمة مربحة للجميع وتفتح آفاق التنمية والازدهار للجميع.

 علاوة على ذلك، ينبغي إيلاء اهتمام أكبر لحقيقة أنه إذا كانت المشاريع الاستعمارية مبنية على دفع الشعوب والبلدان إلى القتال ضد بعضها البعض، فإن مشروع مبادرة الحزام والطريق يحتاج على النقيض من ذلك إلى إنهاء الصراعات وتحقيق السلام. وهكذا يصبح من المفهوم تماماً ما يعنيه "مجتمع ذو مستقبل مشترك للبشرية جمعاء"، وضمنياً دور الصين النوعي في تسوية العديد من الأزمات والصراعات الإقليمية، والوساطة الناجحة بين السعودية وإيران، ليست إلا مثالاً واحداً في هذا المجال.

 المصدر: THE BELT AND THE ROAD: THE MATERIAL BASIS TO DECOLONIZATION

(English Version)

آخر تعديل على الجمعة, 20 تشرين1/أكتوير 2023 20:44