وعلى الشجعان السلام: إعدام القضية الفلسطينية.. وحركة فتح تتحمل المسؤولية الاكبر
السوريون يقتلون السوريين وبوحشية، والعراقيون يقتلون العراقيين وبوحشية، وكذلك اللبنانيون والليبيون والمصريون واليمنيون والسودانيون، هذا في الوقت الذي يستقبل فيه العديد من الحكام العرب، ومنهم الفلسطينيون، المسوؤلينالأسرائيليين بصدر رحب، وفي بعض الأحيان بالعناق ! ماذا حصل لهذه الأمة؟ وما الذي يجري حقيقة؟ ولماذا ينجح العرب في قتل بعضهم البعض بكفاءة ووحشية ومثابرة منقطعة النظير، ويفشلون في الدفاع عن أنفسهم ضد مخططات نابعة من رحم أعدائهم وتهدف إلى تدمير مصالحهم ومصادرة حقوقهم كما هو عليه الحال الآن؟
يتناسى الكثيرون في سعيهم المحموم نحو معرفة تفاصيل ما يجري في جولات جون كيري والأفكار المتداوله بين أطرافها أن المشكلة هي في مبدأ المفاوضات نفسه أكثر منه في التفاصيل. المنطق يفترض أن لا يسعى أحد لصنع السلام وهو محتل ومهزوم ومأزوم ولا يملك قيادة تدافع عن حقوقه بالشراسة المطلوبة، ناهيك عن استعدادها للأستسلام للباطل والأنحناء لمنطق القوة بسهولة.
نقطة الأنطلاق إذاً في التعامل مع الهجمة الأمريكيه ـ الأسرائيليه الجديدة هي في التأكيد على أن لا مصلحه للفلسطينيين والأردن في الدخول في مفاوضات سلام مع اسرائيل بغض النظر عن التفاصيل لأنهم في وضع ضعيف مأزوم ومهلهل وبلا عمق عربي أو إسلامي مؤثر. ولكن هذا المنطق يفترض أمران: الأول، أن يكون المواطنون الفلسطينيون والأردنيون قادرين على التأثير على من يحكمهم للأنصياع لرغبتهم تلك في الأحجام عن الدخول في مفاوضات نتائجها شبه محسومه، وهذا أمر غير قائم. والثاني، أن يتمتع الحكام المعنيين بدرجة من الحس الوطني تردعهم عن تقديم تنازلات في العمق لصالح أمريكا واسرائيل، وهذا أمر غير قائم أيضاً . وفي كل الأحوال، على الجميع أن يعي بأن اجترار الموقف التقليدي في معارضة مشاريع التسوية لقضية فلسطين أمر يتوقعه القائمون على تلك المشاريع وهو لن يَضُرﱠهم أو يُزعجَهم أو يثني من عزيمتهم على المضي فيما هم مقدمون عليه ما دامت تلك المعارضة تقليدية ومحصورة بالكلام والمسيرات والأجتماعات والشعارات ويسقط فلان ويعيش علان.
الخطى الحثيثة نحو التسويات لم تأتِ فجأة أو من فراغ، بل تعود لعقود مضت. والشاهد الأهم على هذا المسار هو المرحوم هاني الحسن – أحد مؤسسي وقادة حركة فتح البارزين – عندما أعلن في لندن عام 1991 بأن حركة فتح قد عملت لما يزيد عن عشرين عاماً حتى توصل الشعب الفلسطيني إلى مرحلة القناعة الواقعية بالقبول بتسوية سياسية مع اسرائيل!
لقد كان من المستحيل على أي جهة مهما كانت المضي في المسار المؤدي إلى تسوية سياسية مع اسرائيل الا بعد القضاء على نفوذ التجمعات الفلسطينية الرئيسية في الشتات وكسر ظهرها بحيث لا تعود قادرة على المعارضة الفعلية والمؤثرة لذلك المسار . وهكذا تم كسر ظهر التجمع الفلسطيني في الأردن عقب أحداث عام 1970، والتجمع الفلسطيني في لبنان خلال الحرب الأهليه التي ابتدأت عام 1975 وامتدت لمدة خمسة عشره عاماً، انتهاءاً بالتجمع الفلسطيني في الكويت عندما انحاز ياسر عرفات عملياً تجاه العراق بعد احتلاله الكويت عام 1990، بالرغم من مطالبة القيادة الوطنيهالموحدهللأنتفاضة في ذلك الحين السيد عرفات بعدم اتخاذ أي موقف يمكن أن يُفَسَر بأنه انحياز لطرف ضد الأخر، لأن الفلسطينيين يكافحون ضد الأحتلال وهم غير مُطَاَلبين بدعم أي طرف عربي ضد طرف آخر، بل على جميع العرب دعم الفلسطينيين في انتفاضتهم . ولكن عرفات إختار أن يتجاهل تلك المطالب وكان ما كان وتم طرد الفلسطينيين من الكويت.
وهكذا، وتحت القيادة الحكيمة لحركة فتح، تم كسر ظهر التجمعات الفلسطينيه الرئيسة الثلاث في الأردن ولبنان والكويت، وأصبح الطريق ممهداً أمام الولوج في مسارات التسوية التي أدت إلى اتفاقات أوسلو التي أسست السلطة الفلسطينيه .
من المحزن والمؤسف حقيقة أن حركة فتح التي قادت النضال الفلسطيني المسلح هي نفسها التي اختزلته في أهداف انانية سلطوية متواضعه أدت إلى اختصار منظمة التحرير الفلسطينيه عقب اتفاقات أوسلو في ” سلطة فلسطينيه “، واختزلت هدف التحرير والأستقلال في حكم ذاتي برعاية وإشراف الأحتلال ثم تقهقرت في واقعها إلى الحد الذي تنازل فيه رئيسها ورئيس السلطة الفلسطينيه محمود عباس عن قبر والده في مدينة صفد الفلسطينية طوعاً ودون إكراه من أحد وبكل ما يحمله ذلك التنازل من مدلولات سياسيه كونه صادر عن رئيس السلطة الفلسطينيه.
إن ثقافة السلام االمبنية على التنازلات هي إختراع فلسطيني فتحاوي تم تطويره مع الوقت ومع تطور الطموحات الأنانية السلطوية والفساد والأفساد ليصبح نهجاً بل وثقافة يؤمن بها معظم القائمين على الأمر الفلسطيني بعد أن تم استبعاد أو تصفية كل من يعارض ذلك النهج. وقد نتج عن هذه الثقافهالأستسلامية اختراعات وأفكار وشعارات تم طرحها وتسويقها بحيث أصبحت جزأ من الثقافة السياسية الفتحاويهالفلسطينيه. ومن أبرز هذه الأفكار ما تم استنباطه بخصوص القدس وذلك من خلال التلاعب بمسميات وحدود المدينه التي تم اختصارها أولاً وفي عهد ياسرعرفات في اصطلاح “القدس الشريف” الذي لا يعرف أحد معناه الحقيقي أو مدلولاته السياسيه أو حدود ذلك ” القدس الشريف ” سوى أنه يمكن اختصاره عند الضرورة بالمسجد الأقصى . وفي عهد محمود عباس تم استعمال اصطلاح “القدس الكبرى” التي يمكن تقسيمها كيفما شاءت اسرائيل ويظل اسمها “القدس″ حتى ولو كانت عبارة عن أحياء مثل “أبو ديس″ مضافاً إليها المسجد الأقصى، الى غير ذلك أفكار عجيبة غريبة تتشارك فيها أمريكا واسرائيل والسلطة الفلسطينيه والآن الأردن من خلال ولاية دينية غامضة الأهداف على الأماكن المقدسة في القدس .
الآن وبعد أن إتضحت بعض معالم خيارات الحل الأمريكي – الاسرائيلي لقضية القدس، تبقى قضية اللاجئين وحق العودة القضية الأكثر وعورة وصعوبة نظراً لأمتداداتها التي تشمل أكثر من دولة، وأبعادها التي تغطي الشعب الفلسطيني أينما وجد في الشتات .
يبدو أن الأفكار التي تدور في الرأس الأمريكي والعقل الاسرائيلي تتمحور حول الألتفاف على هذه القضية من خلال تفكيكها قطعة قطعة ومعالجة كل قطعة على إنفراد حتى تذوب من تلقاء نفسها وتفقد زخمها وبعدها السياسي . والوسيلة تكمن في اتباع عدة خطوات ومسالك قد يكون منها طبقاً لما رشح عن الأفكار المتداوله بين أطراف المفاوضات ما يلي :-
أولاً : تجنب التعرض لقضية اللاجئين وحق العودة بشكل مباشر في اتفاق الإطار واعتبارهما لغماً يتطلب التعامل معه تفكيكه أولاً حتى لا ينفجر بمن يقترب منه .
ثانياً : تفكيك قضية اللاجئين وتحويلها من قضية شعب الى مجموعات بشرية مقيمة في هذه الدولة أو تلك، وإفقادها بالتالي صفة الترابط الذي يجمعها كقضية تمثل شعباً فلسطينياً واحداً فَقَدَ أماكن سكناه وأراضيه نتيجة لإنشاء دولة اسرائيل على جزء من أراضي فلسطين .
ثالثاً : تحويل قضية اللاجئين من قضية سياسية الى قضية إنسانية والعمل على حَلَها بالقطعة وعلى هذا الأساس .
رابعاً : توطين اللاجئين في أماكن تواجدهم بإعتبار ذلك خطوة انسانية وليس سياسية . وفي هذاالأطار فقد يتم طرح ترتيب مشابه للبطاقة الخضراء في أمريكا (GREEN CARD) بحيث يحصل اللاجئون، كخطوة أولى، على جميع الحقوق باستثناء السياسية، وعلى أن يتم إعطاء كافة الحقوق في خطوة لاحقه . أي هضم الحقوق خطوة خطوة منعاً لردات الفعل .
خامساً : تسهيل وفتح باب الهجرهالجماعيه لأعداد كبيره من اللاجئين الفلسطينيين الى دول غربيه قد يكون أهمها كندا، مقابل تنازلهم بالكامل عن صفة اللجوء وما يترتب عنها من حقوق بما في ذلك حق العودة .
سادساً : السماح بعودة عدد محدود من اللاجئين الى الأراضي الخاضعة لأشراف السلطة الفلسطينية واعتبار ذلك ممارسة نهائية لحق العودة الى فلسطين حسب القرار 194 الصادر عن الجمعية العامه للأمم المتحدة .
سابعاً : إعادة تفسير حق العودة بأنه يعني التعويض فقط بإعتبار ذلك أكثر واقعية نظراً لأستحالة عودة اللاجئين الى المناطق المحتله عام 1948 . وغالباُ أن ذلك سوف يتم بموافقة السلطة الفلسطينية والأردن مضافاً إليها الدعم العربي المالي للتعويضات .
ثامناً : العمل على دفع التعويض الى حكومات الدول المضيفة للاجئين وليس للأفراد لتسهيل عملية التنازل عن الحقوق في فلسطين وربط التوطين في ذهن حكومات الدول المضيفة بقبض أموال التعويضات لجعل الأمر أكثر جاذبية وقبولاً .
تاسعاً : العمل على استصدار قرار جديد من مجلس الأمن لشرعنة ما سيتم الأتفاق علية وبالتالي إلغاء مضمون القرار 194 الصادر عن الجمعية العامه للأمم المتحده والقاضي بالعودة أو التعويض .
ما نحن بصدده هو حل المشكلة الأسرائيليه من خلال تطبيع الوجود الأسرائيلي واعتبار اسرائيل دولة شرعية وليس كياناً غاصباً لأرض فلسطين، وبالتالي إغلاق ملف القضية الفلسطينية بشكل نهائي .
وعلى الشجعان السلام …..