بداية النهاية للمرحلة الانتقالية في مصر
مرت الذكرى الثالثة للخامس والعشرين من يناير في مصر من دون زلزال يذكر، أو قل مرت بأقل الخسائر المتوقعة، أو الموصى بها من قبل من أشاعوا الزعم بأن المناسبة ستكون "ثورة" جديدة على ما يسمونه "السلطة الانقلابية"، حتى إن إشاعتهم أخذت من الشعب والدولة بالحذر المطلوب من أي مفاجآت قد تفسد السياق السياسي الجديد الذي دشنته كتابة الدستور، والتوافق عليه، ثم الاستفتاء عليه بالموافقة العارمة .
وما كان لمثل تلك الاشاعة إلا أن يؤخذ بالجد، لأن الذين أطلقوها، لم يفعلوا ذلك قصد التهويل فحسب، بل قصدوا بها ما ابتغوه فعلاً، فجيشوا للمناسبة جيوشاً من المتظاهرة كبيرة، وصاحب ذلك تعبئة إعلامية وميدانية كثيفة لحفز الناس على التظاهر، هذا عدا عن أن جرائم التفجيرات المتنقلة من سيناء إلى القاهرة، رفعت من معدل المخافة من أن تتحول الذكرى إلى مناسبة لمواجهات موسعة .
كثيرون هم أولئك الذين تلقوا هزيمة إخفاق "ثورة" 25 يناير 2014 التي توقعوها، وعولوا على نجاحها كبير تعويل، وهم يعانون - اليوم - إحباطاً شديداً من عدم تجاوب الشعب والشباب معهم في مسعاهم إلى ذلك . وهؤلاء كثر ومتنوعون: من "الإخوان"، إلى حلفائهم الإسلاميين في "دعم الشرعية"، إلى مجموعة، 6 إبريل، إلى قناة الجزيرة وفقيهها . . إلخ . وليس يصعب فهم دواعي ذلك الإحباط الذي يستبد بهم، فهو لا ينتمي إلى الشعور الثقيل بأن فرصة "تاريخية" ضاعت منهم لإنهاء مسلسل "خريطة المستقبل"، وإعادة عقارب الزمن إلى ما قبل انتفاضة الثلاثين من يونيو ،2013 وهو- قطعاً - لا ينتمي إلى الشعور بأن تقصيراً شاب أداءهم، في الذكرى الثالثة ل 25 يناير، وكان سبباً في حبوط مسعاهم إلى تغيير الوضع القائم (فهم فعلوا المستحيل للتعبئة وأعطوا العزيز من جهدهم، ما استَبْقَوا شيئاً)، وإنما ينتمي الشعور بالإحباط إلى وعيهم بأن الشعب خذلهم، وانصرف عنهم إلى تأييد مَن يمنحونه الأمن والأمل . أما تفسيرهم الإخفاق بأنه من فِعل فاعل هو السلطة وأجهزتها الأمنية فهو إلى المكابرة أقرب منه إلى الواقع .
ولا مرية في أن معدل الشعور بالإحباط عندهم ذاهب إلى حيث يصبح يأساً، مع هذه التطورات الأخيرة التي أعقبت الاستفتاء على الدستور، فها هو عدلي منصور الرئيس المؤقت، يقرر تعديلاً في برنامج "خريطة المستقبل" تسبق انتخابات الرئاسة، بموجبه، الانتخابات التشريعية لتنتهي بها الحالة الانتقالية في منصب الرئاسة منذ عزل محمد مرسي . ثم ها هو "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" يفوض وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي (وقد رقي إلى رتبة مشير) اتخاذ قراره بالترشح للرئاسة، والتجاوب مع الطلب الشعبي عليه لهذا الأمر . وهذه التطورات لن تعني، في المطاف الأخير، سوى أن مصر تطوي، بنجاح، مرحلتها الانتقالية متقدمة نحو استكمال بناء مؤسساتها، الأمر الذي يسقط مشروع الاعتراض الإخواني على نتائج ثورة الثلاثين من يونيو، ويخرج قواه من الحياة السياسية، أو يضعف قدرتها على الفعل .
يحتاج مسلسل النكسات المتلاحقة، التي مني بها المشروع السياسي الإخواني ورادئفه الإسلامية، منذ الثلاثين من يونيو حتى اليوم (سبعة أشهر) إلى وقفة تأملية - نقدية من "الإخوان" وحلفائهم لمعرفة الأسباب التي قادتهم إلى هذا النفق المسدود، لماذا سقطت سلطتهم سريعاً تحت ضغط الشارع والمعارضة؟ لماذا التأم الجميع ضدهم في 3 يوليو (المعارضة المدنية والسلفية، الأزهر، الكنيسة، الجيش، الشباب . .)؟ لماذا فشل مشروعهم في تخريب المرحلة الانتقالية وعرقلة نجاح "خريطة المستقبل"؟ لماذا حُلّ تنظيمهم الدعوي ابتداءً، ولماذا صنف تنظيماً إرهابياً؟ لماذا أنجبت سياساتهم خيار المشير عبدالفتاح السيسي - غريمهم الكبير - رئيساً؟
من السهل أن يعزو "الإخوان" وحلفاؤهم هذه النكسات جميعاً إلى الدولة والجيش ورغبتهما في إسقاطهم . ولكن لماذا يقف الشعب: شباباً وأزهر وكنيسة وقوى سياسية مدنية ضدهم، أليس ثمة ما يبرر ذلك من أفعال "الإخوان" وأخطائهم؟ كيف يتحول هؤلاء جميعاً من حلفاء ل "الإخوان" إلى خصوم ينقلبون ضدهم؟
آن الأوان لهم ليراجعوا مسيرتهم الدعوية والسياسية، ويتحلوا بالواقعية، ويقرأوا الحقائق، ولهم في "حزب حركة النهضة" في تونس أسوة ونموذج للاقتداء .