الجوع و«إعادة الضبط» وحشرات نيكول كيدمان
لا ينفك بعض الاقتصاديين في العالم يعلنون «تنبؤاتهم» حول أن معايير الرفاه والازدهار لن تتمحور في المستقبل المنظور حول ملكية النفط والغاز والمال والذهب فحسب، بل سيتصدر هذه المعايير مستوى السيادة الغذائية لهذه الدولة أو تلك، بما في ذلك عتبة التطور التي وصل لها القطاع الزراعي فيها، والصناعة المرتبطة بمخرجات العملية الزراعية، وفوق ذلك، القدرة على تأمين المياه الصالحة للشرب.
في خضم هذه التنبؤات، تتالى الإشارات والتنبيهات من حولنا وفي كل مكان من العالم تقريباً عن احتمال حدوث «جائحة قاتلة جديدة» و«مجاعة مقبلة»، ولهذا ينكبّ دعاة الغرب ورموزه على عملية البحث عن «حلول» للكوارث المفترضة التي ستأتي، بما في ذلك خطة «إعادة الضبط الكبرى» لرئيس المنتدى الاقتصادي العالمي كلاوس شواب، التي تهدف علناً إلى تقليل عدد سكان العالم.
في القلب من هذا أيضاً، ثمّة حملة إعلانية واسعة النطاق في الغرب تتصدرها شخصيات مؤثرة من عالم الفن والتلفزيون والتواصل الاجتماعي، حملة تعبّر عنها ممثلة هوليوود والمغنية الأمريكية، نيكول كيدمان، «أفضل» تعبير حيث تقوم وزملاؤها بالدعوة إلى التحول نحو تناول «دقيق اليرقات» والحشرات والصراصير كمصادر أساسية للبروتين، في خطابٍ يحمل بين سطوره الدعوة ليكون ذلك طعاماً مخصّصاً للفقراء ومحدودي الدخل في ظل ارتفاع أسعار الغذاء العالمي.
تجاوز عدد سكان الكوكب الآن 8 مليارات إنسان. وبحسب منظمة الأغذية والزراعة «الفاو»، فمن أجل إطعام حوالي 10 مليارات شخص في عام 2050، سيكون من الضروري زيادة كميات الأغذية بنسبة 70% (على الأقل).
عوضاً عن الخيار العقلاني، وهو التفكير في الآليات التي تسمح للبشرية بالتأهب والتخطيط للاستحقاق القادم ببساطة، يدعو الغربي كلاوس شواب إلى أنه «يجب أن نغيّر عاداتنا المعيشية وأنماط استهلاكنا بشكل جذري»، وليست «موضة المشاهير» الجديدة لأكل الحشرات والصراصير سوى صدى وتفاعل مع «أمر العمليات» الذي أعلنه شواب الناطق اليوم باسم كبار نخبة الحكم العالمي.
على هذه الأرضية، تبدو أوروبا اليوم الأكثر تضرراً على الإطلاق، فرغم ارتفاعات أسعار الغذاء التي حدثت خلال هذا العام بنسبٍ فاقت بكثير نسب العام الفائت (يجدر التذكير بأن لجوء أوروبا للغاز الأمريكي الأغلى ثمناً من الغاز الروسي قد أثر بشكلٍ بالغ في رفع أسعار الغذاء في الدول الأوروبية)، لا تنفك مجموعات الضغط والحكومات الأوروبية تدفع نحو تصفية قطاعات من الزراعة الأوروبية وتربية الحيوانات بحجة «انبعاثات النتروجين» وضرورة الالتزام بـ«الأجندة الخضراء» (ولا سيما في هولندا وبلجيكا وألمانيا وفرنسا).
وبينما كانت روسيا الدولة الأوروبية الوحيدة التي انخفضت فيها أسعار الغذاء في شهر نيسان الماضي وزاد إنتاجها الزراعي بمقدار 10%، تؤسس نخب الغرب - الأمريكية منها على وجه التحديد- لدفع مواطني الدول الأوروبية الذين سيتوقفون عن التمتع بنهب خيرات دول العالم الثالث وسيكونون تحت تهديد فكرة «التغذي على الحشرات» و«الاستحمام مرة واحدة شهرياً» لتفريغ استيائهم شرقاً، نحو روسيا التي تملك «بشكل غير مبرر من وجهة نظر غربية» أكبر الموارد الطبيعية في العالم. لتغدو الحرب مع روسيا مدفوعة لا بالرغبة في السيطرة على إمكاناتها النووية فحسب، بل والغذائية أيضاً.
إذن، يجب أن تجوع الجماهير الغربية، حتى لو كان هذا الجوع مصطنعاً من نخبه التي تتجاهل أبسط آليات التعامل مع الأخطار المستقبلية تحت حجج «الأجندة الخضراء» و«ضرورة تخفيض أعداد الماشية» للحد من انبعاثات الغازات، بشكلٍ يدمّر حياة الفلاحين - بالتدريج لكن بثبات- ويقضي على المناطق الريفية ويحرّم الاستثمار في القطاع الزراعي. لتغدو النتيجة النهائية هي ضمان التحكم الكامل بسلوك المواطن الأوروبي المدفوع بالجوع.