المواجهة الروسية «الإسرائيلية» في مجلس الأمن... «أقدم قضية» نحو الحل
تعيش «إسرائيل» - الكيان الذي زرعته نخب الاستعمار في القرن العشرين وتحوَّل إلى قاعدتها المتقدمة في المنطقة - واحدة من أسوأ لحظاتها التاريخية، حيث تنعكس حالة الخطر الوجودي التي يعيشها الكيان موضوعياً على شكل أزمة داخلية وانقسام سياسي عصي على الحل، وتنعكس كذلك ارتباكاً غير مسبوق في المحافل الدولية، بما في ذلك ما جرى مؤخراً من «نزاعٍ روسي إسرائيلي» في مجلس الأمن.
في مطلع الشهر الفائت، لفتت صحافة الكيان النظرَ إلى تصاعد الخطاب الروسي حول حل القضية الفلسطينية، ولم تُخفِ استياءها الشديد من تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، التي شدد خلالها على أن موسكو «تدعو للامتثال لقرارات الأمم المتحدة، وأنه يجب أن يكون هنالك حواراً مباشراً بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين للتوصل إلى حلّ الدولتَين».
بعد أسبوعين فقط من هذا المؤتمر، انعقدت جلسة مجلس الأمن الدولي في السابع والعشرين من نيسان الماضي، والتي ناقشت - بإصرارٍ روسي - موضوعَ القضية الفلسطينيّة، ليحتجّ المندوب «الإسرائيلي» لدى الأمم المتحدة، جلعاد أردان، على جدول وموعد اجتماع مجلس الأمن، حيث طالب الوفد «الإسرائيلي» روسيا - التي تترأس مجلس الأمن حالياً - بتأجيل موعد الاجتماع لأنه يتزامن مع يوم «ذكرى القتلى الإسرائيليّين». وفي تصريحه خلال الجلسة، قال المندوب «الإسرائيلي»: «أنا أرفض قضاء هذا اليوم المقدَّس في الاستماع إلى الأكاذيب والإدانات»، ولم يَجِد الوزير المرتبك طريقة أخرى سوى إعلان انسحابه من الجلسة.
إثر الانسحاب، بادر لافروف للردّ بشكلٍ مسهَب على مزاعم وزير الكيان، مؤكِّداً أنه «فيما يخصّ اجتماع اليوم، لا يمكنني أنْ أعلّقَ على التفاصيل، لأنه عندما تسلَّمنا رئاسة مجلس الأمن ناقشنا جدولَ ومواضيع الاجتماعات، ولم يُعارِضْ أحدٌ مناقشةَ قضايا الشرق الأوسط، ومن ضمنها القضية الفلسطينية. اليوم، طرح ممثل إسرائيل - بكل تكبر وانفعال - سؤالاً بلاغياً، ألا وهو كيف سيكون ردّ فعل روسيا لو تمّ عقد اجتماع معادٍ لروسيا في يوم 9 أيار المتمثّل بيوم عيد النصر العظيم؟ كما تعلمون، أنا عمِلتُ في الأمم المتحدة لمدة 10 سنوات، واجتمعنا سابقاً بالفعل في 9 أيار، وناقشنا مختلف أنواع القضايا، وكذلك في أيام أعياد الدول الأخرى الأعضاء في الأمم المتحدة. هذا نظام المنظَّمة، وإذا ألغينا جميع الأيام التي ترغب كلُّ دولة بتركها فارغة فسيتبقى عدد قليل جداً من أيام العمل... نحن استندنا إلى جدول أعمال مجلس الأمن في الأمم المتحدة، حيث تتواجد هذه المسألة على أجندة المجلس منذ عشرات السنين، والقضية الفلسطينيّة هي أقدم القضايا التي لم يتمّ حلّها، لا بأيّ شكلٍ من الأشكال، ولا من جانب أيّ أحد».
ما يهمّ في التصريحات الروسية التي نشهد تصاعدها مؤخراً هو الإشارة إلى العمل الروسي الحثيث المعلَن لدفع الملف الفلسطيني نحو الحل، وإخراجه من قيود التأجيل والتسويف التي كانت تفرضها مرحلة الهيمنة الأمريكية على العالم.
بمنظورٍ أوسع، فإنّ ما نراه من ملفات عالقة يجري حلّها على صعيد العالم بمبادرة القوى الصاعدة، وعلى رأسها روسيا والصين، والتي كان آخرها الملف السعودي الإيراني، وما نراه اليوم من تشديد روسي على دفع القضية الفلسطينية للحل، يشي بوجود رغبة مشتركة لدفع الحلول في المنطقة (بالتزامن)، وعلى نحو يتثبت فيه واقع إقليمي جديد يتوافق مع التوازنات الدولية الجديدة.
من يقرأ التاريخ بنظرة موضوعية يعي أنها ليست المرّة الأولى التي تسهم فيها الدول المناهضة للهيمنة الإمبريالية في مدّ يد العون للدول المستعمَرة ولقوى التحرُّر من الاستعمار. وما تفعله الدول الصاعدة اليوم - ابتداءً من محاولة رأب الصدع بين القوى الفلسطينية وتعزيز الوحدة، وصولاً إلى إعادة طرح القضية الفلسطينية على طاولة البحث الدولي - يشبه إلى حدّ بعيد ما فعلته في منتصف القرن الماضي، حين استشرسَت في الوقوف إلى جانب حركات التحرُّر في العالم، مساعِدةً عدداً كبيراً من الدول لنيل استقلالها بالوسائل جميعها.
يذكر كثيرون صلابة الموقف السوفييتي في جلسة مجلس الأمن في 16 شباط 1945، الجلسة التي انتهت باستخدام الاتحاد السوفييتي لحقّ النقض (الفيتو) لأوّل مرة، وذلك لدعم القضية التي قدّمتها سورية ولبنان بشأن انسحاب القوات البريطانية والفرنسية المتبقّية على أراضيهما، وكيف بادر المندوب الفرنسي آنذاك لاعتبار «السيد فيشينسكي [المندوب الروسي] أكثر مَلَكِيّةً من الملك!».