لماذا تلوّح أمريكا بورقة «كورونا» في وجه الصين؟!
أحمد علي أحمد علي

لماذا تلوّح أمريكا بورقة «كورونا» في وجه الصين؟!

في أواخر شباط/فبراير من العام الجاري 2023، بدأت الأحاديث تنتشر عن تقرير استخباراتي أمريكي خلص إلى نتيجةٍ مفادها أنّ انتشار فيروس «كوفيد-19» كان نتيجةَ تسرُّب من أحد المختبرات الصينية، وهو «معهد ووهان لعلم الفيروسات»، وكانت صحيفتا «وول ستريت جورنال» و«نيويورك تايمز» بالإضافة إلى شبكة CNN قد أشاروا إلى أنّ مصدر المعلومات الاستخبارية التي يكشفها التقرير هو وزارة الطاقة الأمريكية.

«قانون بايدن والقمّة الصينية - الروسية»

ورغم الإشارة إلى أنّ هذه المعلومات نشرت «مع مستوى منخفض من الثقة» من الوزارة التي تشرف على مختبرات بيولوجية، فقد وقّع الرئيس الأمريكي جو بايدن في 20 آذار/مارس الجاري على القانون الذي أقرّه مجلس النواب الأمريكي في هذا الشأن، والذي يرفع السريّة عن المعلومات الاستخبارية سابقة الذكر.

هذا السلوك الأمريكي في توجيه أصابع الاتهام للصين حول الجائحة ليس جديداً، فمنذ ظهور الفيروس، لم توفّر الولايات المتحدة فرصةً واحدة لتبثّ مزاعمها حول تسرّب الفيروس من الصين، ومن حين لآخر تجدّد إثارتها لهذه المسألة عبر جهات مختلفة، وبالمناسبة، فقد سبقت تسريبات وزارة الطاقة الأمريكية تصريحاتٌ مشابهة لمكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي.

ليس من قبيل المصادفة ربّما، أنْ يتزامن توقيع الرئيس الأمريكي جو بايدن على قانون مجلس النواب الأمريكي، مع القمة الروسية-الصينية التي أجراها كلٌّ من الرئيسين الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين في العاصمة الروسية موسكو؛ القمة التي اتفق عبرها الطرفان على إدارة المتغيرات الدولية الجديدة بشكل مشترك، معلنَين بذلك نمطاً جديداً ونوعيّاً من أنماط التحالفات الدوليّة التي تناسب توازنات القوى في عالم اليوم.

«ورقة بيد واشنطن»

استناداً إلى ذلك، يمكن الوصول إلى استنتاج بأنّ ملف «كورونا» أصبح ورقة بيد واشنطن، تلوّح بها بوجه الصين كلما استدعت الضرورة ذلك، وتحوّلت هذه الورقة إلى أداة للابتزاز والاستثمار السياسي. ويبدو أنّ واشنطن تحضّر ورقة «كورونا» الآن لإشهارها بوجه الصين من باب الضغط عليها فيما يخصّ تعاملها مع روسيا ودعمها لها.

وبينما تسعى الولايات المتحدة للتصعيد مع الصين ودفع الصراع إلى أقصاه، تسعى روسيا لموازنة الكفّة من الطرف المقابل. ونجد تعبيرات ذلك بالضغط الروسي المتواصل على أمريكا فيما يخصّ مسألة المختبرات البيولوجية التي أنشأتها الأخيرة في أوكرانيا، والتي تقدّر روسيا عددها بحوالي 400 مختبر.

«وثائق تكشف التورّط الأمريكي»

طرحت روسيا هذه المسألة وتعاطت معها على أكثر من مستوى خلال الشهرين الفائتَين. وفي آواخر كانون الثاني (يناير) من العام الجاري 2023 قدّمت وزارة الدفاع الروسية وثائق ودلائل تؤكّد اليد الأمريكية الطُّولى فيما يتعلّق بالبرامج البيولوجية في أوكرانيا، وحصل الجيش الروسي على حوالي 20 ألف وثيقة من بينها وثيقة تشير إلى تورّط شركة «لابيرينث غلوبال» بهذه الأبحاث البيولوجية، وهي شركة مُرتبطة بهانتر بايدن نجل الرئيس الأمريكي جو بايدن.

وجرى التطرّق إلى هذا الحديث في مجلس «الدوما» الروسي الذي أكّد أنّ هدف المَخابر هو التحكّم بانتشار الأوبئة، وأنّ الشركات المساهمة فيها تتيح لواشنطن إدارة هذه العملية.

«مقدّمات للصراع العسكري»

بناءً على مجمل هذه المعطيات، يمكن التنبؤ بأنّ قادم الأيام سيحمل تصعيداً كبيراً في الصراع بين أمريكا والصين. وإنْ كان الشكل الحالي للصراع هو ضمن الأطر الإعلامية-السياسية، والاقتصادية، فإنّ ما يفهم من التحضيرات الأمريكية الحالية هو أنّ هنالك محاولات لدفع الصراع مع الصين إلى شكله العسكري. لكن السؤال هنا: هل أمريكا قادرة على مواجهة الصين عسكرياً؟!

الأرجح أنها غير قادرة على ذلك بظلّ توازنات اليوم؛ التوازنات التي لم تعد فيها أمريكا شرطيَّ العالَم وحاكمه الأكبر، والتي يتم فيها بناء تحالفات جديدة من نوعها، وتضع نصب عينَيها توجيه ضربات قاضية للدولار ومنظومته البترودولارية.

وفي الحقيقة، فإنّ المتغيرات الجديدة تكشف فشل المساعي الأمريكية الحثيثة في محاولاتها لفصل القوَّتيَن الصاعدتَين عن بعضهما (روسيا والصين)، ومحاولة مواجهة كلٍّ منهما على حِدَة، وتحييد كلٍّ منهما في الصراع مع الأخرى؛ تلك المحاولات التي عملت عليها أمريكا طيلة السنوات الماضية، والتي ذهبت مع الريح دون أيِّ جدوى.