روسيا… هل يقترب النزال الأخير؟
انتهت الاستفتاءات التي نظمتها جمهوريّتا دونيتسك ولوغانسك ومقاطعتا خيرسون وزاباروجيه، وتشير الأنباء الرسمية إلى أن نتائج الاستفتاء جاءت لمصلحة انضمام هذه الجمهوريات والمقاطعات إلى روسيا الاتحادية، لنكون دخلنا مع هذا التطور الجديد إلى مرحلة جديدة ونوعية في تطور الأحداث، لا على صعيد أوكرانيا فحسب بل على الصعيد العالمي، فما معنى ما يجري؟ وما مدى تأثيره اللاحق؟
اللجان الانتخابية في المناطق المذكورة، أشارت إلى أن نتائجها الرسمية كانت على الشكل التالي 99.23% في جمهورية دونيتسك الشعبية، 98.54% في جمهورية لوغانسك الشعبية، 87.05% في مقاطعة خيرسون، 93.11% في مقاطعة زاباروجيه. وقبل الإعلان عن النتائج النهائية والرسمية لهذا الاستفتاء، أعلنت رئيسة مجلس الاتحاد الروسي، فالنتينا ماتفينكو أن المجلس سينظر في ضمّ الجمهوريات والمقاطعات إلى الاتحاد إذا ما جاءت النتائج داعمة له، وأشارت إلى أن القرار في هذا الشأن قد يتخذ في الجلسة القادمة للمجلس، المقررة في 4 تشرين الأول القادم. أي إنّ تحول هذا الموضوع إلى جزء من الواقع الجيوسياسي الجديد لن يستغرق سوى أيامٍ قليلة.
أزمة وطنية… عقود دون حل
لم تستطع أوكرانيا بعد انفصالها عن الاتحاد السوفييتي حل واحدة من أكثر المشكلات جوهريةً، وهي كيف تصوغ هذه الجمهورية «الجديدة» هُوِيَّة وطنية جامعة لكل من حمل جنسيتها. ولم تكن هذه المشكلة مرتبطة بها وحدها، بل عانتها معظم جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، ولكنها في أوكرانيا تطورت لتصبح أزمة وطنية حقيقية وخصوصاً أن حدود الفصل الجغرافي بين القوميات كانت قائمة، وشكّلت نتائج الانتخابات الرئاسية (1991 - 1994 - 1999 - 2004- 2008 - 2010 - 2014) ظاهرة فريدة كونها جسّدت دون تغيير جوهري وطوال كل هذه السنوات حدود الانقسام القومي-السياسي العميق. ويشكّل ما يجري اليوم - إذا ما أخذناه من المنظور الأوكراني - ذروة أزمة عميقة ظلت دون حل حتى بدأت أوكرانيا بالتفتّت. لكنّ الحدث وفي هذه اللحظة بالذات لم يعد حدثاً أوكرانياً صرفاً بل أصبح نقلة متقدمة في صراع دولي كبير لن يهدأ قبل أن تترسخ أسس العالم الجديد.
ماذا يترتب على الانضمام لروسيا؟
إذا قبل مجلس الاتحاد طلبات الانضمام، ستكون هذه المنطقة الواسعة التي تشكّل 20% من الأراضي الأوكرانية، جزءاً من الأراضي الروسية، وخاضعة لقوانين الاتحاد، ومشمولة بمظلة العقيدة العسكرية الروسية، أي إن روسيا لن تقدم على خطوة كهذه إن لم تكن عازمة جدّياً للدفاع عن هذه الأراضي، ويعني أنّ أي قذيفة مدفعية يمكن أن تنطلق من أوكرانيا باتجاه الجنوب ستكون استهدافاً للأراضي الروسية، هذا إلى جانب تمتع هذه المناطق بميزة استراتيجية كبيرة، كونها الجزء الأعظم من ساحل أوكرانيا على البحر الأسود ومن دونها تصبح أوكرانيا أشبه بدولة حبيسة.
وبذلك نحن أمام فرصة أن يتحول الصراع إلى مواجهة مباشرة بين الغرب وروسيا، ففي الوقت الذي كان مسرح «العملية الخاصة الروسية» أراضٍ أوكرانية، أو جمهوريات مستقلة ذات اعتراف محدود، تحول المسرح اليوم إلى أراضٍ روسية، لذا سيكون تقديم السلاح والدعم اللوجستي والاستخباراتي اعتداءً مباشراً على روسيا ما يستوجب رداً أوسع. وفي الوقت الذي تدرك فيه الدول الغربية معنى هذه الخطوة لم تتردد واشنطن بالقول على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن إن: «الولايات المتحدة لا تعارض استخدام الأسلحة الغربية في المناطق التي قد تنضم إلى روسيا» ليضيف وبشكلٍ أكثر وضوحاً «أي تغيير في صفة الأراضي التي ستضمها روسيا لا يشكل شيئاً لنا أو للأوكرانيين، الذين سيواصلون القيام بما يرونه ضرورياً لاستعادة الأراضي التي تم انتزاعها منهم، ونحن سنواصل دعمهم في تلك الجهود».
معركة مع النظام المتهالك
لا شك أن الخطوة تشكّل تصعيداً روسياً ولا يمكن النظر إليها بوصفها رداً على خسارة بعض القرى أو المدن على إثر العملية المضادة الأوكرانية، فكان يكفي استعادة ما خسره الجيش الروسي وحلفاؤه! ويمكن النظر إلى ما يجري بوصفه أقرب إلى دعوة لـ«نزالٍ مباشر» أو على الأقل أنها محاولة لنقل الصراع خطوة إضافية في الاتجاه المطلوب أي الانتقال من الاشتباك مع «حرس النظام القديم» للاشتباك المباشر مع رأسه. وإن صح هذا التقدير، يكون الداخل الروسي أمام استحقاقات جديدة أعمق وأوسع، فهذه المعركة تحتاج لوضع كل موارد الدولة في اتجاه محدد، وهو تأمين احتياجات السكان ولوازم عملية الإنتاج وتكاليف الإنفاق العسكري، ففي الوقت الذي سمحت فيه «العملية العسكرية الخاصة» بإنجاز خطوات بهذا الاتجاه، ستسمح «الحرب» باستكمال المهمة الوطنية في الداخل وضرب كل ما كبّل روسيا وعرقل استقلالها الحقيقي. الدعوة للنزال المباشر قد تعني تصعيداً أو تخفيضاً في حدة الصدام المسلح، فالخيارات لا تزال قائمة، واليوم توضع واشنطن أمام خيارٍ صعب، فإما أن تتراجع، وإما أن تدخل في المواجهة بشكلٍ مباشر، وهو ما يفسر الحديث المتكرر من قبل روسيا عن سلاحها النووي، الذي جرى تطويره لهذا الغرض تحديداً - حرمان الولايات المتحدة من تفوقها العسكري وردعها عن ارتكاب أي حماقة أخرى في المستقبل.