ماذا تعني مطالبة ألمانيا بمقعد دائمٍ في مجلس الأمن؟
طالب المستشار الألماني أولاف شولتز خلال كلمته في الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة حالياً في نيويورك بأن تحتل بلاده مقعداً دائماً في مجلس الأمن الدولي إلى جانب الأعضاء الخمسة الدائمين (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين).
وقال شولتز: «ألمانيا مستعدة لتحمل مسؤولية ضخمة، أولاً بصفتها أحد الأعضاء التسعة غير الدائمين في 2027–2028، وكعضو دائم في المستقبل». وأضاف «أطلب منكم دعم ترشيحنا وترشيح دولة تحترم مبادئ الأمم المتحدة وتطرح مقترحات وتسعى للتعاون» على حد وصفه لدولته.
وتابع: «يجب أن نكيّف قواعدنا ومؤسساتنا مع حقائق القرن الحادي والعشرين»، معتبراً أن الوضع الحالي للقواعد والمؤسسات التي يقصدها شولتز «غالباً ما تعكس العالم كما كان قبل 30 أو 50 أو 70 عاماً. وهذا ينطبق أيضًا على مجلس الأمن»
وتحدث شولتز عن «إصلاح» الأمم المتحدة، وقال إن «البلدان والمناطق الواعدة النامية ديناميكياً في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية يجب أن يكون لها تأثير سياسي أكبر على الساحة العالمية».
ما الجديد؟
المطالبات بإعادة هيكلة الأمم المتحدة ككل، وخاصة مجلس الأمن الدولي، وباتجاه توسيعه نحو اشتراكٍ عادلٍ لدول وقارات العالم جميعها ليست مطالبات جديدة؛ فمنذ عدة سنوات تطالب كلٌ من الصين وروسيا بتوسيع مجلس الأمن ومنح مقاعد فيه لإفريقيا وأمريكا اللاتينية اللتين ليس لهما أي مقعد، وكذلك بإعطاء مقاعد إضافية لآسيا وخاصة للهند.
الجديد في المسألة هو أن تطالب دولة غربية بإعادة هيكلة مجلس الأمن وبتوسيع عضويته، والواضح من سياق كلام شولتز أنه لا يقصد إضافة مقعد دائم لبلاده فحسب، بل ومقاعد إضافية أخرى؛ يظهر ذلك في قوله إن: «البلدان والمناطق الواعدة النامية ديناميكياً في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية يجب أن يكون لها تأثير سياسي أكبر على الساحة العالمية».
ينبغي التذكير بأنّ مطلب ألمانيا باحتلال مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي ليس جديداً تماماً، ولكنّه بالتأكيد جديدٌ وفقاً للصيغة التي يطرحها شولتز حالياً؛ فقد سبق لشولتز نفسه عام 2018 وكان في حينه نائباً لميركل، أنْ طالب بتحويل مقعد فرنسا الدائم في مجلس الأمن إلى «مقعدٍ أوروبي»، أي مقعد يتم تداوله بين الدول الأوربية ضمن دوريةٍ ما.
التفسير؟
مطالبات شولتز عام 2018، كان يمكن فهمها في إطار الصراع والتنافس الداخلي الأوروبي وخاصة مع فرنسا، لأنّ المطلب كان لا يمس بجوهر التوازنات القائمة في مجلس الأمن، إذ يبقي السيطرة والأغلبية العددية في يد الغرب، ويداول أحد مقاعده بين الأوروبيين.
المطلب الجديد مختلفٌ نوعياً؛ فهو من حيث يريد شولتز أو لا يريد، يصب في الاتجاه الذي تدفع نحوه الدول الصاعدة وعلى رأسها روسيا والصين والهند؛ أي نحو إعادة تشكيل النظام السياسي العالمي ومؤسساته وعلى رأسها الأمم المتحدة.
يمكن تفسير هذا المطلب/المقترح الألماني بوصفه إشارة قوية باتجاه الولايات المتحدة خصوصاً، تقول ضمناً إنّ ألمانيا يمكنها أن تحول اصطفافاتها الدولية إنْ استمر الضغط عليها بالشكل الحالي. ومن المعلوم أنّ ألمانيا بشكل خاصٍ تقع تحت أقصى درجات الضغط الأمريكي المباشر وغير المباشر (خاصة عبر دول البلطيق)، بما يخص العقوبات على روسيا والموقف من الأزمة الأوكرانية، وكذلك الموقف من الصين، وهي في الوقت نفسه الخاسر الأكبر بين الأوروبيين من المعركة الجارية.
قد يبدو المقترح عابراً، والأكيد أنّ شولتز نفسه والطاقم السياسي المتصدر في ألمانيا اليوم، غير قادرٍ على حمل هكذا مقترح وما يتضمنه من خيارات سياسية كبرى حتى النهاية، ولكنه مع ذلك مقترحٌ مهم بمضامينه الراهنة والمستقبلية، والتي تقول إنّ الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا باتت وحيدة في مواجهة رغبة عالمية وإرادة عالمية واسعة في إعادة هيكلة النظام السياسي الدولي، وهي العملية التي لن يطول انتظارها خاصة مع التقدم الكبير الذي تحرزه صيغ شنغهاي وبريكس، وما تشكله من ضغط هائل على المنظومة العالمية القديمة...