"داعش" في الاردن .. و" النصرة" في العراق! المشهد «الجهادي» نحو مزيد من التعقيد
يتجه المشهد «الجهادي» في المنطقة عموماً، وسوريا خصوصاً، إلى مزيد من التعقيد والتشابك.
وبرغم انحسار المعارك العسكرية بين الفصائل «الجهادية» إلا أن تداعيات «المفاصلة» الأخيرة بين «جبهة النصرة» و«تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) لا تزال في طور التفاعل، متمثلةً بانشقاقات هنا وهناك وتبدل ولاءات، وذلك في ظل جوّ غير مسبوق من التجاذب والاستقطاب، تصاعدت فيه أصوات الحملات الإعلامية المتبادلة للتعويض عن الغياب الموقت لأصوات الرصاص.
وكما هو متوقع، لم تمض سوى أيام قليلة على خطاب المتحدث باسم «داعش» أبي محمد العدناني، وحوار زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري مع «مؤسسة السحاب»، حيث أكد كلاهما وجود خلاف منهجي بين التنظيمين، حتى بدأت تداعيات هذه المفاصلة بالظهور، سواء في أفغانستان أم في أرض بلاد الشام.
وفي أفغانستان، أعلن القيادي أبو الهدى السوداني انشقاقه عن تنظيم «القاعدة» العالمي، ومبايعته لزعيم «داعش» أبي بكر البغدادي، متهماً الظواهري بأنه «انحرف»، وأن نهج «القاعدة» يمثله اليوم تنظيم «الدولة الإسلامية».
ويُعتبر السوداني من قدامى قيادات خراسان، حيث أمضى في «الجهاد» ما يقارب الثلاثين عاماً، وسبق أن أصدر، قبل أسابيع، تسجيلاً صوتياً أيّد فيه توجهات «داعش» من دون أن يبايعه.
كما أصدر قيادي آخر هو أبو جرير الشمالي تسجيلاً صوتياً داعماً لـ «داعش». ورغم أن مثل هذه الانشقاقات والبيعات قد لا يكون لها تأثير على الأرض، ما لم تتسارع وتيرتها، إلا أنها تمثل من دون شك مكسباً معنوياً كبيراً لأنصار «داعش»، الذين يعانون من عزلة متزايدة مع توحّد غالبية الفصائل لقتالهم والتخلص منهم.
أما في بلاد الشام، فكان الحدث الأهم هو نشر مقطع فيديو لمجموعة أردنية مسلحة من مدينة معان، التي تشهد أحداثاً ساخنة منذ حوالي أسبوع، تعلن فيه بيعتها للبغدادي، مطلقة على نفسها اسم «كتيبة شهداء معان». ورغم أن البيعة لا تكتمل إلا بموافقة قيادة «داعش» عليها، إلا أن مجرد صدورها يشير إلى أن هذه المجموعة تتبنّى نهج «داعش» ذاته.
وفي حديث إلى «السفير»، أكد مصدر متابع لشؤون «الجهاديين» في الأردن أن هذه المجموعة لا تزال مجهولة وأن «لا صحة للأنباء التي تحدثت عن تبعيتها لأبي سياف أو ابنه»، معتبراً أن أبا سياف (محمد الشلبي) «فقد حضوره في الشارع الجهادي في الأردن منذ خروجه من المعتقل وتصالحه مع الحكومة الأردنية». وأشار إلى أنه لا غرابة بهذه البيعة، لأن الشارع الأردني منقسم على نفسه من حيث دعم وتأييد «النصرة» أو «داعش»، لكنه أكد أن «غالبية الأردنيين الجهاديين ينتمون في الواقع إلى النصرة». وهنا ينبغي التنويه إلى أن أبي سياف، ورغم ما ذكره المصدر، يعتبر من كبار موردي الجهاديين الأردنيين إلى «جبهة النصرة».
وفي المقابل، أبدى بعض المراقبين ريبتهم في مقطع الفيديو، ولم يستبعدوا أن يكون من صنع أجهزة الاستخبارات الأردنية، التي تريد، بحسب قولهم، ردع الشارع عن دعم وتأييد المجموعات التي افتعلت الفوضى في معان.
ويبقى تفسير ثالث، وهو أن قيادة «داعش» تقف وراء نشر مقطع الفيديو لإيصال رسالة إلى قادة التيار السلفي الأردني مفادها أن أي دعم يقدمونه الى «جبهة النصرة»، في مسعى الأخيرة لتشكيل فرع لها في العراق، سيكون الرد عليه في الأردن.
والجدير بالذكر أنه تزايدت خلال الفترة الماضية الأحاديث عن عزم «النصرة» تأسيس فرع لها في العراق. واتخذت هذه الأحاديث طابع الجدية بعد تغريدة لـ«المسؤول الشرعي العام للنصرة» أبو ماريا القحطاني لا يؤيد فيها الفكرة وحسب، بل يعد أنها ستكون قريبة، مشيراً إلى أن من سيقود هذا الفرع سيكون صاحب قدم في الهجرة و«الجهاد». ومن شأن هذه الخطوة أن تفاقم الخلاف، وتتجاوز به كل الخطوط الحمراء بين الطرفين.
وكانت «السفير» كشفت في تقرير سابق عن زيارة سرية قام بها «المفتي العام لجبهة النصرة» ميسر الجبوري، الملقب بأبي ماريا القحطاني، إلى العراق خلال تشرين الأول الماضي، حيث التقى مع قيادات من «الجيش الإسلامي» و«أنصار الإسلام» وبعض شيوخ العشائر، وذلك للاتفاق معهم على مبايعة «النصرة» والانضمام إلى صفوفها.
وفي السياق ذاته، أعلن الداعية التونسي بلال الشواشي انشقاقه عن «جبهة النصرة» وتشكيل كتيبة مستقلة تحمل اسم «العقاب». ورغم أن الشواشي دافع عن وجهة نظر «داعش» معبراً عن تأييده لها، إلا أن ذلك لم يقده إلى مبايعتها، وهو ما دفع بعض أنصار «داعش» إلى انتقاد ضبابيته وعدم حسمه لأمر انتمائه. كما وردت أنباء عن سحب قائد «لواء القعقاع» محمود مطر بيعته لتنظيم «داعش» التي كان أعلنها أثناء هجوم «الدولة الإسلامية» الأخير على البوكمال.
إلى ذلك، وقعت «جبهة النصرة» في إحراج شديد بعد اضطرارها إلى الإفراج عن «أمير داعش» في مدينة الميادين في دير الزور أبو ذر العراقي، ضمن صفقة تبادل جرت بين الطرفين شملت عشرات الأسرى بينهما. وسبب الإحراج أن «النصرة» سبق أن نشرت منذ أسابيع عديدة، مقطع فيديو للعراقي يعلن فيه انشقاقه عن «داعش»، الأمر الذي ترك شكوكاً حتى بين أنصارها بخصوص الاعترافات التي تقوم ببثها ويعترف فيها عناصر من «داعش» بارتكاب عمليات ضدها.