الغرب يطوي أجندته «الخضراء»: تعالوا نعود للفحم!
بعد أن رفضَ قسمٌ كبير من الدول الأوروبية - علناً على الأقل - أنْ يدفعَ ثمنَ الغاز الطبيعي بالروبل الروسي، تتكشّف أزمة طاقة هائلة وتتعاظم كلَّ يوم، الأمر الذي جعل «حلولاً» كانت محرّمة سابقاً تظهر إلى السطح مجدَّداً. في ألمانيا مثلاً، يتلخَّصُ هذا «الحل» في التخلّي عما يسمّى «أجندة الطاقة الخضراء» والعودة إلى الفحم...
بعد كشف زيف الدعاية الغربية التي تمّ العمل عليها طويلاً لتعميم انطباع عالمي بأن الاقتصادات اليوم يمكنها اعتماد توربينات الرياح ومزارع الطاقة الشمسية فحسب لتلبية الطلب العالمي على الطاقة، تطوي أوروبا الغربية اليوم شعاراتها السابقة حول الطاقة الخضراء وتفرد في فضائها الإعلامي مساحات واسعة لتوضيح «القيم والإمكانات الحقيقية للوقود الأحفوري» القادر على تلبية طلب الطاقة خلافاً للطاقة الخضراء التي لا تستطيع أن تؤمّن سوى جزء صغير من الطاقة الضرورية للتشغيل.
وبسبب التعنّت الأوروبي في مسألة الطاقة، لم تجد ألمانيا وبعض الدول الأوروبية التي اضطرّت لتقنين الغاز، مخرجاً للحفاظ على كميات الطاقة الضرورية، سوى إعادة افتتاح مناجم الفحم التي تمّ إغلاقُها منذ فترة طويلة (جدير بالذكر أنّ ألمانيا التي اعتادت أن تفاخر بتوجّهها نحو الطاقة الخضراء، كانت أعلنت إغلاقَ ستّ محطّات نووية لإنتاج الطاقة في 2022 بسعة إجمالية تبلغ 8.54 غيغا واط).
ولعلّ من مفارقات الزمن الذي نعيشه أنّ المسؤول المضطرّ للخروج إلى الشعب الألماني للحديث عن ضرورة استخدام الفحم لإنتاج الطاقة هو وزير الاقتصاد روبرت هابيك، الذي يشغل هذا المنصب ممثّلاً عن تحالف الخضر تحديداً!
وجدير بالذكر أنَّ ألمانيا تتجنَّبُ الإشارة إلى البنية التحتية النووية الألمانية، التي يمكن أيضاً إعادة تشغيلها بسهولة نسبية. وذلك ما يعزوه البعض إلى أنّ الدعاية الألمانية «الخضراء» المناهضة للطاقة النووية كانت كثيفة على نحو يجعل من الصعب التراجع عنها بشكلٍ فَجّ الآن، حيث سبق لهابيك نفسه أن رفض فكرة إعادة افتتاح المحطات النووية، متمسّكاً بإنهائها بشكلٍ كامل، وعلى الأغلب سيضطر في قادم الأيام - مع تفاقم الحاجة الألمانية لمصادر الطاقة - لـ«إعادة التفكير» بتصريحه هذا و«تصحيحه».
وللمزيد من المتعة في مشاهدة تغيرات الخطاب الألماني، يجري سجال داخل صفوف تحالف الخضر حول إمكانية تراجع ألمانيا عن حظرها للتكسير الهيدروليكي (تقنية تسمح باستخراج احتياطات من البترول والغاز يصعب الوصول لها، وذلك بوسائل ميكانيكية تستعمل سائلاً مضغوطاً يسمح بشقّ الصخور من خلال ضخّ المياه) وهي تقنية مصنفة على أنها خطيرة على الإنسان لما تخلّفه من تلويث للمياه الجوفية والسطحية وضوضاء وتلوث هوائي وتعزيز احتمالات الزلازل ومروحة واسعة من المخاطر على الصحة العامة للبشر والبيئة. حيث صرح مسؤول في «الحزب الديمقراطي الحر» أحد أقطاب تحالف الخضر الألماني، أن «الدراسات العلمية تظهر أن التكسير الهيدروليكي لا يسبب أي ضرر بيئي بموجب معايير السلامة الحديثة… لذلك يجب دراسة الأمر بجدية حول ما إذا كان إنتاج الغاز الصخري بشكلٍ أكبر ممكناً في ألمانيا من وجهة نظر اقتصادية وتقنية»، وحتى هذا الوقت لا تزال المسألة موضوعاً للسجال بين أعضاء التحالف.