فكرة واحدة حول: لماذا بات الغرب ضعيفاً؟
سعد صائب سعد صائب

فكرة واحدة حول: لماذا بات الغرب ضعيفاً؟

لا يحتاج المرء هذه الأيام إلى حدة بصرٍ أو بصيرة، كي يعاين تراجع الغرب المزمن وضعفه المتعاظم. لكن ربما من الضروري فهم أسباب ذلك التراجع، وهي كثيرة ومعقدة.

وهنا لن نحاول حصر تلك الأسباب وتعدادها، ولكن سنكتفي بالإشارة إلى سبب واحدٍ اقتصادي-تاريخي، نعتقد أنّه يشكل جانباً مهماً من جوهر المسألة ككل.

القصة باختصار هي أنّ تسيد المنظومة الغربية ابتداءً من مرحلة الاستعمار القديم العسكري، أي قبل ما يصل إلى أربعة قرون، قد اشتمل دائماً على معادلة أساسية: البلدان المستعمرة هي بلدان الثروات الخام التي يتم السطو عليها بالقوة المباشرة، وبلدان المركز الأوروبي ثم الأوربي-الأمريكي، هي بلدان الإنتاج، وخاصة الصناعي.

استمرت المعادلة ذاتها من حيث الجوهر بعد الحرب العالمية الثانية، مع تغيير شكلي هو أنّ عملية نهب الثروات الطبيعية لم تعد تتم بالسطو المسلح العسكري، بل بالسطو الاقتصادي عبر منظومات التبادل اللامتكافئ...

ولكن ابتداءً من أزمات الستينات والسبعينات في أوروبا والولايات المتحدة، بدأت عملية هجرة واسعة لرؤوس الأموال باتجاه الشرق والجنوب العالميين، أي بدأت هجرة الإنتاج الحقيقي خارج المركز الغربي. ومن المعتاد أن يجري تفسير هذا الأمر بـ«العمالة الرخيصة التي تسمح بتحقيق ربح أعلى»، والحقيقة أنّ هذا التفسير هو جانب واحد من ظاهرة أعقد كان ماركس أول من اكتشف قانونها الذي أسماه: «ميل معدل الربح نحو الانخفاض مع تعقد التركيب العضوي لرأس المال»...

أياً يكن التفسير الاقتصادي والسياسي لهذه الظاهرة، فإنها أمر واقع باتت نتيجته هي أنّ دول الشرق والجنوب العالمي، وفي مقدمتها دول مجموعة بريكس، لا تمتلك فقط الثروات الخام، بل وأيضاً عمليات الإنتاج الحقيقي (ينبغي أن ننتبه على سبيل المثال إلى حقيقة أنّ شركات كثيرة ذات ملكيات أمريكية وأوروبية تعمل وتنتج خارج الأرض الأمريكية، وخاصة في الصين، ويتم احتساب إنتاجها ضمن الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي والأوروبي).

أي أنّ الغرب لم تكن لديه، وليست لديه الآن الحصة الأكبر من الثروات الخام حول العالم، فهي كانت ولا تزال في الشرق والجنوب العالميين بنسبتها الأعظم (تعتبر أوروبا أفقر قارة في العالم بالثروات الخام بمختلف أنواعها)، وفوق ذلك فإنّ القدر الأعظم من الإنتاج العالمي لا يتم على أراضيه، ولا يتم بيد عماله...

كل ما يملكه الغرب اليوم هو ثلاثة أمور لا غير:

  • السلاح العسكري متمثلاً بالسلاح الأمريكي بالدرجة الأولى.
  • السلاح المالي متمثلاً بالنظام المالي العالمي وعلى رأسه الدولار ومنظومة التبادل اللامتكافئ ومؤسساتها الأساسية (صندوق النقد، البنك الدولي، منظمة التجارة العالمية).
  • السلاح السياسي متمثلاً بعطالة السيطرة على الأمم المتحدة وعدد من المؤسسات الدولية.

أهمية ما جرى ويجري في أوكرانيا، وبعده الإعلان عن أنّ العمل جارٍ لإطلاق عملة احتياط عالمية جديدة تنشؤها دول بريكس، هو أنّه يجري عملياً تحطيم وشل الأسلحة الغربية المتبقية التي تدافع اليوم بكل طاقتها عن الماضي وأشباحه.

وبكلمة الغرب ضعيف لأنّه لم يعد يملك لا الإنتاج الحقيقي ولا المواد الخام، ويريد أن يستمر بنهب ثروات العالم بأسره وبنهب إنتاج العالم بأسره، بمجرد طباعة الدولار واليورو، إلى جانب الرياء والكذب الإعلامي المكثف حول حقوق الإنسان والديمقراطية...