لدى لوكاشينكو الخبر اليقين...
كما لكل قصة درامية عقدة مفصلية تتغير عندها مجريات الأحداث جميعها، هكذا حاول مخرج القصة الأمريكي تغيير مجرى الحرب في أوكرانيا، حيث من الواضح أن الهدف من مجزرة «بوتشا» هو جعلها مفصلاً في الحرب الأوكرانية على طريقة بعض الجرائم التي ارتكبت في الحرب في سورية بحيث تكون هناك اتهامات دون تحقيق، في تصعيد درامي بغض النظر عن الحقائق.
في التقرير المصور لموفد قناة العربية في الثالث من نيسان يمكن مشاهدة الآليات المدمَّرة بعد انسحاب القوات الروسية دون مشاهدة أي جثة في التقرير، وكان عنوان التقرير، «دمار كبير في شوارع بوتشا التي استعادتها السلطات الأوكرانية»، والتركيز على الآليات المدمرة في التقرير، مع الإشارة إلى أن العمدة تحدث عن جثث لكن دون صور من التقرير المصور، وقد ورد في تقرير آخر للعربية أيضاً في اليوم التالي أنّ هناك 400 جثة في مقابر جماعية والسلطات «تبحث عن أدلة» حول ارتكاب جرائم حرب، وأن مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قال: إن صور الجثث تبعث على القلق وإن هناك «احتمالية» ارتكاب جرائم حرب فيما طلبت روسيا من مجلس الأمن الدولي عقد جلسة لمناقشة «استفزاز من قبل متطرفين أوكرانيين» في بلدة بوتشا في الرابع من نيسان على لسان سفيرها لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا.
وكان الهدف المباشر هو حزمة أخرى من العقوبات ضد روسيا، ودفعة جديدة من الأسلحة لأوكرانيا، فيما نفت وزارة الدفاع الروسية المزاعم الأوكرانية بشأن قتل قواتها مدنيين في مدينة بوتشا. وأوضحت الدفاع الروسية في بيان أنّ جميع الوحدات العسكرية التابعة لها غادرت مدينة بوتشا، الواقعة خارج العاصمة كييف، في 30 آذار الماضي. وقالت الوزارة إنه «لم يتعرض أي مدني لأذى خلال فترة سيطرتنا على مدينة بوتشا». ونوهت الوزارة: «في وقت كانت هذه المدينة تحت سيطرة القوات المسلحة الروسية، لم يتعرض أي مواطن محلي للعنف». يأتي ذلك عقب اتهام مسؤولين أوكرانيين القوات الروسية بارتكاب ما وصفته بـ«المذبحة» في بوتشا.
ومنذ الإعلان الأوكراني توالت الإدانات الغربية للحادث من ألمانيا إلى الولايات المتحدة إلى الكيان الصهيوني. هذا وقد نشرت وسائل إعلام روسية في وقت لاحق تسجيلاً صوتياً لمحادثة بين عسكريين روس والنائب الأوكراني السابق والمرشح السابق لرئاسة البلاد /ألكسندر رجافسكي/ جرت في مدينة بوتشا في الثلاثين من آذار الماضي، قبيل مغادرة القوات الروسية للمدينة، دعا فيه العسكريون رجافسكي للمغادرة إلى مكان آمن خشيةً على حياته، لكنه اختار البقاء في المدينة. هذا وزعمت وسائل إعلام أوكرانية في وقت لاحق أنّ رجافسكي قتل على أيدي القوات الروسية.
هذا وأكد نائب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي أن فبركات النازيين في أوكرانيا متواصلة ولم تقتصر على بوتشا، بل طالت كراماتورسك وعدة مناطق أخرى في أوكرانيا.
وأن الأوكرانيين والغرب يزيّفون الأخبار والأقاويل ومقاطع الفيديو وفقاً لتقاليد الخوذ البيض السورية البريطانية، وأن جهود الغرب تتماشى تماماً مع منطق حرب المعلومات الموجهة ضد روسيا.
وأكد أنه يتم الترويج لتلك الأخبار على أنها جرائم ارتكبها الجيش الروسي رغم عدم وجود أي دليل على ذلك، مشيراً إلى أنه تم إخطار مجلس الأمن بذلك. وأوضح أن بريطانيا دخلت بكل ثقلها حتى تمنع عقد اجتماع من أجل دحض تلك الفبركات. ودعت الخارجية الروسية سويسرا عبر المتحدثة باسمها ماريا زاخاروفا إلى «التعامل بدقة وموضوعية» مع حقائق الوضع في أوكرانيا، وخاصة في بوتشا وكراماتورسك. بعدما حملت الخارجية السويسرية في بيانها الصادر في 8 نيسان بشأن الجرائم البربرية للنظام الأوكراني في بوتشا وكراماتورسك، الجانب الروسي كامل المسؤولية عنها، متجاهلة التوضيحات المفصلة من الجانب الروسي.
وجاء تصريح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين في الثاني عشر من نيسان بأن نظيره البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو سلّمه الوثائق الخاصة بالعمل التخريبي في مدينة بوتشا، مشيراً مرة أخرى إلى أنّ الوضع فيها مزيَّف، وذلك في المؤتمر الصحفي مع نظيره البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو في قاعدة فوستوتشني الفضائية شرق روسيا، وأضاف: الرئيس لوكاشينكو عرض علي بشكل سريع بيانات قدمها لجهاز الأمن الفدرالي الروسي فيها معلومات وأرقام سيارات وغير ذلك عن الأشخاص الذين دخلوا إلى هذه المدينة وهيّأوا الظروف لمثل هذا الحدث المزيَّف، واتهم لوكاشينكو لندن بالوقوف وراء الاستفزاز في بوتشا الأوكرانية، معتبراً أنها «عملية خاصة بريطانية»، وأعرب عن استعداد مينسك لتقديم مواد للتحقيق في إعداد العملية في بوتشا. وقال: «كانوا يبحثون عن مبرر لفرض حزمة عقوبات جديدة. نحن نعلم هذا. ناقشنا بالتفصيل عمليتهم الخاصة هذه، هذه العملية النفسية التي نفذها البريطانيون. إذا كنتم بحاجة إلى عناوين وكلمات مرور وشهادات وأرقام وماركات السيارات التي استقلوها إلى بوتشا، وكيف فعلوا ذلك، فيمكن لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي أن يوفر هذه المعلومات، وإذا لم يفعل، فيمكننا المساعدة في هذا الصدد».
فيما أعلن المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية كريم خان في الثالث عشر من نيسان أن هناك «أسباباً معقولة» للاعتقاد أنّ جرائم تدخُل دائرة صلاحيات المحكمة قد اقتُرِفَت خلال النزاع الحالي في أوكرانيا.
وقال خان خلال زيارة إلى مدينة بوتشا الأوكرانية في مقاطعة كييف: «أوكرانيا مسرح جريمة، ونحن هنا لوجود أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد أن جرائم تدخل ضمن صلاحيات المحكمة ارتُكبت»، مشيراً إلى ضرورة إجراء «تحقيق مستقل وحيادي» في حالات قتل مدنيين في بوتشا. وأكد أن المحكمة شكلت فريقاً خاصاً بتقصّي الحقائق، بغية «التأكد من أنها تفصل الحقيقة عن الأوهام».
من جهة أخرى عبّر باتريك لورينس، المحلل في صحيفة «Consortium News» الأمريكية الإلكترونية، عن اعتقاده بأن الإدارة الأمريكية اتهمت روسيا بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا بشكل سريع ودون أي أدلة.
وفي تعليقه على تصريحات الدول الغربية حول نيتها لإجراء التحقيق في جرائم الحرب الروسية المزعومة في أوكرانيا، كتب لورينس في مقالة تم نشرها في السادس عشر من نيسان: «لم يخطر ببال أحد أنّ كل المحققين سيكونون من الدول العاملة ضد روسيا». وقال: «لا يشك أحد في وقوع الفظائع في بوتشا وماريوبول وأماكن أخرى، لكن ألا ينبغي أن نسأل من هو المسؤول عنها». وأشار باستغراب إلى أنّ الرئيس الأمريكي، جو بايدن «وصف مأساة بوتشا بأنها جريمة حرب روسية بعد أقل من ساعتين من اكتشافها!»، موضحاً: «ففي تلك اللحظة لم يكن بإمكانه معرفة، بشكل أو بآخر، ما الذي حدث هناك». وأكّد أنّ الصور الموجودة لا تعطي تفسيرات واضحة.