ليبيا: تصعيد للأزمة تغذّيه تدخّلات أجنبية
رهام الساجر رهام الساجر

ليبيا: تصعيد للأزمة تغذّيه تدخّلات أجنبية

ما زالت ليبيا تعاني حالةً من عدم الاستقرار، في ظلّ عدم توحيد المؤسسة العسكريّة والمناصب السياديّة في البلاد، بالإضافة لتوالي المراحل الانتقاليّة، واستمرار حالة من الفراغ السياسيّ عموماً، بسبب الخلافات بين الأطراف الداخليّة.

فبعد تعثر إجراء الانتخابات في كانون الأول وتأجيلها لأكثر من مرّة، برزت إمكانيّة نشوء حالة ازدواجيّة السُّلطة من جديد، وذلك إثر صدور قرار من مجلس النواّب الليبي بتشكيل حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، وتمسّك عبد الحميد الدبيبة بموقفه الرافض للتنحّي عن السُّلطة وإعلانه أنّ حكومته تعتزم متابعة مهامها حتى شهر حزيران، ما ظهر وكأنّه خطوة نحو الوراء باتجاه التصعيد من جديد وخروج العملية السياسيّة عن مسارها.

مفترق طرق

وصل التصعيد في المناطق وبين الأطراف لدرجة العنف، وبدأت تنقسم بين الطرفين، لتشهد البلاد على إثرها اضطرابات واسعة، حيث تم الإعلان عن انتشار ميليشيات وحشود عسكريّة في طرابلس ومصراتة وغيرها، لنصرة طرف على الآخر؛ مما أوجد صعوبةً أمام انتقال الحكومة الجديدة إلى العاصمة.

فالطرف الأول الذي يضم رئيس البرلمان عقيلة صالح، والمشير خليفة حفتر، وبعض الأطراف التي تتخذ من طرابلس مقراً لها تدعم حكومة باشاغا وتريد إسقاط الدبيبة، كما يسعى إلى تفعيل عمل الحكومة الجديدة وتعديل مسودة الدستور قبل الانتخابات المقبلة، أما الطرف الآخر، فيضم الكتل السياسيّة الرئيسيّة في غربي ليبيا، وهي تريد إبقاء الدبيبة في السُّلطة إلى أنْ يتم انتخاب هيئة تشريعيّة جديدة تستطيع اختيار سُلطة تنفيذيّة جديدة.

تصف «مجموعة الأزمات الدولية» في تقرير نشرته خلال الشهر الجاري، أنّ الوضع الراهن يجعل ليبيا تقف مرةً أخرى على مفترق طرقٍ خطير، معتبرةً أنّ «تصلّب موقف المعسكرَين، ينذر بتجدُّد القتال الذي بات واضحاً للمرة الأولى منذ وقف إطلاق النار في تشرين الأول 2020».

مبادرة أممية

صرّحت الأمم المتحدة على لسان مساعدة الأمين العام للشؤون السياسيّة روزماري ديكارلو أنّ «السُّلطة التنفيذيّة الليبيّة تواجه أزمةً يمكن أن تؤدي، إذا لم يتم حلها، إلى زعزعة الاستقرار وإلى حكومات موازية في البلاد»، وقالت إنّ «الأمم المتحدة تبذل جهوداً كبيرةً لحل هذه الأزمة»، وتابعت أنّه إذا لم يتحقق ذلك، فإنّ الخطر يتمثل في تقسيمٍ جديد للمؤسسات «وإلغاء المكاسب التي تحققت في العامين الماضيين».

وفي خضم تسارع الأحداث أعلنت المستشارة الأمميّة الخاصّة إلى ليبيا ستيفاني وليامز، في 4 من الشهر الحالي، عن مبادرة لاحتواء الموقف تتمثل في تشكيل لجنة مشتركة بين مجلسي النواب والأعلى للدولة (نيابي استشاري) من 12 عضواً، تجتمع لمدة 15 يومًا؛ وذلك لإرساء قاعدة دستوريّة جديدة لليبيا، تجرى على أساسها الانتخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة التي تعذرت إقامتها في 24 كانون الأول الماضي، لتعقد اللجنة الدستورية للمجلس الأعلى للدولة في ليبيا أول اجتماع في 16 آذار - أي بعد يومين من تشكيلها - والذي تمحور حول مناقشة الخطوط العريضة التي ينبغي التركيز عليها عند لقاء اللجنة الأخرى المقابِلة من مجلس النواب.

كما سترعى وليامز حواراً مباشراً بين رئيس الحكومة الجديد فتحي باشاغا ورئيس الوزراء المنتهية ولايته عبد الحميد الدبيبة، للتوصل لتسليمٍ سلميٍّ للسُّلطة وخطّة لإدارة المرحلة المقبلة إلى الانتخابات.

إحياء التصعيد

ليحجز الأمريكي له مقعداً وسط هذا الجو المضطرب، ويعلن عن دعمٍ سياسي لطرف من الأطراف الليبية في محاولةٍ لإحياء التصعيد تحت مسعى «الوساطة»، حيث أعلن السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند إثر لقائه بباشاغا، في العاصمة تونس، استعداد الأخير «الانخراط في مفاوضات عاجلة»، للتباحث بشأن كيفية إدارة المراحل النهائية من فترة الحكم المؤقت والاستعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية في أقرب وقت ممكن.

وكانت قد أعلنت وكالة«سبوتنيك»، وفق مصادر أنّ «السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند والسفير التركي لدى ليبيا كنعان يلماز اتفقا مع الدبيبة وباشاغا على ترتيب لقاء للتفاهم حول إنهاء الأزمة القائمة بشأن الحكومة وعملية الاستلام والتسليم بوساطة أمريكية تركية»، وأنه «من المتوقع عقد اللقاء في تركيا بحضور السفيرين الأمريكي والتركي».

وفي إطار سعي واشنطن للسيطرة على مؤسسة النفط الوطنية الليبية وسحب إدارة وعمل المؤسسة لصالحها وبإشرافها تحت ذريعة «الحفاظ على المؤسسة الوطنية للنفط، والنأي بها عن الصراعات» صرّح نورلاند، أنّ «بلاده تقترح سبلاً لإدارة إيرادات النفط لمساعدة البلد الأفريقي على الخروج من الأزمة السياسيّة الحاليّة»، وقال في مقابلة مع رويترز إنّ المقترح الأمريكي يهدف إلى «منع اتساع نطاق الأزمة لتشمل حرباً اقتصادية من شأنها أن تحرم الليبيين من الرواتب والسلع المدعومة والاستثمارات الحكومية وتؤثر على أسواق الطاقة العالمية»، وأضاف «إنّ هدف المقترح توصّل الحكومة إلى الطريقة المثلى لضمان استخدام ثروة ليبيا النفطية حيث يحتاجها الشعب، مع كونها محل مراقبة كي يثق الشعب في عدم تحويلها لأغراض سياسية أو غير مناسبة»، وفق قوله.

يمثل الوضع الليبي الحالي خطوةً إلى الوراء بعد كلّ التقدّم السابق، وغلبة اتجاه التصعيد والتوتير  - ولو بشكل مؤقت - بغية تعقيد الملف أكثر وإحباط جهود التسوية للوصول إلى حلّ سياسيّ شامل، وذلك بسبب عوامل عدة أبرزها وجود القوى الأجنبية المختلفة على الأرض، والتي لا يسمح استمرار وجودها بالتوصل إلى توافق سياسي حقيقي بين مختلف الأطراف، الأمر الذي لن يدوم طويلاً ولن تسمح به التوازنات الدولية في نهاية المطاف.