البرازيل تخالف واشنطن وتؤكد على استقلالها
أظهرت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا عدة مفاجآت منها ما يتعلق بالمواقف الدولية، وضمن هذا الإطار كان موقف البرازيل - برئاسة بولسونارو والموصوفة بـ «الحليف الأساسي من خارج الناتو» للولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2019 - جديداً ومستغرباً ضمن الأوساط الغربية.
ففي حين كانت الولايات المتحدة والأوروبيون وحلفاؤهم يشحنون الكوكب ضد روسيا إعلامياً وسياسياً قُبيل بدء العملية، ثم سرعان ما أعلنوا إداناتهم لها مع بدئها وصولاً إلى التصويت في اجتماع الأمم المتحدة، حافظت البرازيل على موقف محايد تجاه الملف، بل وأكثر من ذلك، استخدمته أداة لانتقاد الولايات المتحدة الأمريكية بشكل غير مباشر والتأكيد على استقلالية قرار البلاد بأقوال من الرئيس جايير بولسونارو نفسه.
إعلان العلاقات الجديدة
التغيّر في الموقف البرازيلي تجاه روسيا كان قد سبق الموضوع الأوكراني نفسه، وقد أعلن التقارب الجديد بين الدولتين بشكل رسمي وواضح خلال زيارة بولسونارو إلى موسكو واجتماعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 16 شباط من هذا العام رغم كل محاولات الولايات المتحدة وضغوطها على البرازيل لعرقلته، وصرح بولسونارو في حينه أن «زيارتي إلى موسكو رسالة للعالم بأن العلاقات بين البرازيل وروسيا جيدة».
وفي ختام اللقاء صرح بوتين «تدعو دولتانا إلى بلورة نظام عالمي متعدد الأقطاب يستند إلى القانون الدولي في ظل دور منظمة الأمم المتحدة المنسق»، وتابع أنهما يؤكدان تمسكهما «بمبادئ التعددية وحل النزاعات بطرق سياسية ودبلوماسية»، وقد أشار إلى رغبة موسكو باستمرار «التعاون المكثف مع شركائنا البرازيليين في إطار مجموعة بريكس بصفتها حلبة دولية مرموقة تحظى باحترامها في عالم متعدد الأقطاب وتلعب دورا كبيرا في الاقتصاد العالمي».
وذكر في البيان الختامي المشترك أن الدولتين اتفقتا على تكثيف التنسيق على أجندة مجلس الأمن الدولي والمساهمة في مواجهة التهديدات على السلام والأمن في العالم وفقاً لأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وحل النزاعات بطرق سلمية، واتفق الرئيسان على آفاق تعزيز التعاون والتبادلات الثنائية في المجال العسكري، وأهمية المشاورات على مستوى وزارات الخارجية والدفاع بصيغة 2+2 وإمكانيات تطور التعاون وطرح مبادرات تتعلق بالطاقة واستخراج النفط والغاز والطاقة الذرية... يذكر أن نائب الرئيس البرازيلي هاملتون موراو قد قال بصيغة استياء في 8 شباط «نحن لا نشتري الأسلحة الروسية، والسبب هو أن البرازيل تتمتع بصفة الحلف الأساسي من خارج الناتو» للولايات المتحدة مشيراً إلى أن ذلك يعيق صيانة مروحيات «مي 35 إم» التي اشترتها البرازيل من روسيا في 2008.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك لوزراء خارجية البلدين في 16 شباط في موسكو قال الوزير البرازيلي كارالوس فرانسا «نحن معنيون بتطوير التعاون العسكري التقني والاستفادة من خبرات روسيا... يسعدنا أن نغتنم هذه الفرصة للارتقاء بالعلاقات بين بلدينا إلى آفاق جديدة ولا سيّما في ظل الوضع الدولي الراهن»، بينما أكد لافروف دعم موسكو بأن تصبح البرازيل عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي.
الموقف البرازيلي وملامح الخلافات الداخلية
بعد انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا سارع نائب الرئيس البرازيلي أنطونيو هاملتون موراو بإطلاق تصريحات معادية لروسيا ومعلناً أن البرازيل «لا تقبل غزو»، سرعان ما خرج الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو منتقداً له قائلاً: «أريد أن أكون واضحاً: تنص المادة 84 من الدستور على أن رئيس الدولة يتحدث عن هذه القضايا، والرئيس اسمه جاير ميسياس بولسونارو، نقطة انتهى الكلام. مع كل الاحترام للشخص الذي قال هذا الكلام، لقد تفوه ما لا يجوز له، هذه الأمور ليست من اختصاصه، بل من اختصاصنا»، وأكد بولسونارو أن البرازيل تؤيد السلام، لكنها لن تعلق على الموضوع الأوكراني.
يعكس هذا التباين بين الرئيس البرازيلي ونائبه حالة خلاف، وربما انقسام، جارٍ داخل البنية الحاكمة في البرازيل حالياً، ولا يعد هذا الأمر مستغرباً عموماً، وإنما كحال أغلبية الدول الأخرى بخلافاتها حول استمرار تبعيتها للولايات المتحدة المتأزمة أو عدمه، لكن الجديد هنا أن هذا التغيّر الجديد وبحال استمر اتجاهه بالمضي قدماً – وهو الأمر المرجح وفقاً لهذه المؤشرات – فسيكون الأمر هزيمة أخرى جديدة للولايات المتحدة، وفي «حديقتها الخلفية».
انتقادات ناعمة لواشنطن وتأكيد على الاستقلالية
بحديث بولسونارو حول التصويت في اجتماع الأمم المتحدة حول أوكرانيا صرح «أريد أن أوضح أن البرازيل تصوت بشكل مستقل ودون أن تكون مقيدة بأي سلطة ... عند مناقشة العقوبات الاقتصادية فإن الدول تتصرف من منطلق مصالحها الخاصة في المقام الأول ... ألمانيا على سبيل المثال، ليست مستعدة لمناقشة العقوبات الاقتصادية في قطاع الغاز، وهذا واضح، كما هو الحال مع الدول الأوروبية الأخرى. وللولايات المتحدة مصالحها الخاصة، والعقوبات التي تفرضها على روسيا لا تناقشها»... وأكد أن بلاده لن تصوت لصالح قرار الأمم المتحدة بإدانة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو بالعقوبات ضد روسيا معلناً «لا لعقوبات أو إدانة للرئيس بوتين... صوت البرازيل لا تحدده أي دولة وهو ليس مرتبطاً بأي دولة. تصويتنا الحر سيكون في هذا الاتجاه»... بينما صرح وزير الخارجية البرازيلي «أنا ضد العقوبات. إنها لن تحل المشكلة بل ستخلق مشكلات للعالم كله. وما نحتاج إليه هو الحوار»، لتؤكد هذه التصريحات وجود حالة من الاستياء في الأوساط الحكومية البرازيلية من سلوك وضغوط الولايات المتحدة الأمريكية.