ماذا لو طالب الشعب الأفغاني بتعويضاتٍ من واشنطن؟
ما الذي يمنع الولايات المتحدة الأمريكية اليوم من تهديد حياة ملايين الأفغان؟ ما هو دور المجتمع الدولي في وقف سلوك البلطجة والسطو العلني على ممتلكات الغير الذي تمارسه واشنطن؟ هل يدرك حكّام الولايات المتحدة الآثار الكارثية التي قد تترتب عن انفجار اجتماعي وأهلي في أفغانستان على ثلث سكان هذا الكوكب؟
تبدو الأجوبة على هذه الأسئلة شديدة البساطة ولكنها ترسم مجتمعةً صورةً بعيدةً كل البعد عن كلّ ما هو إنساني، وعن القانون الدولي الملزم نظرياً لكلّ دول العالم.
واشنطن تسطو على أملاك الأفغان
في قرارٍ صادم فوّض الرئيس الأمريكي سلطات بلاده بتحريك أموال الشعب الأفغاني المجمَّدة في الولايات المتحدة والتي تصل إلى حوالي 7 مليارات دولار، لا لتعود إلى أصحابها الحقيقيين، بل ليجري السطو عليها وفي وضح النهار من قبل من احتلَّ أفغانستان وقتَلَ وشرَّد شعبها لسنوات. فالرئيس الأمريكي جو بايدن أصدر يوم الجمعة 11 شباط الجاري قراراً بمصادرة أصول البنك المركزي الأفغاني في الولايات المتحدة والتي جرى تجميدها بعد سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان، وحسب قرار بايدن سيجري تقسيم المبلغ ليتاح أكثر من نصفه على شكل تعويضات يمكن أن تحصل عليها عوائل ضحايا هجمات 11 أيلول والتي تتهم الولايات المتحدة حركة طالبان بالضلوع فيها، أما المبلغ المتبقي فستقوم الولايات المتحدة بتحويله على شكل مساعدات متفرقة توزعها الحكومة الأمريكية للجهات التي تريدها بشرط ألّا تصل إلى الحكومة الأفغانية الحالية.
يستند هذا القرار إلى القانون الأمريكي المحلّي، لتكون الولايات المتحدة بذلك أصبحت المالك الفعلي لأموال الشعب الأفغاني، الذي يعاني اليوم وبسبب الولايات المتحدة نفسها من أقسى ظروف العيش والمجاعة التي تهدد ملايين السكان. وشكّل القرار صدمةً واسعة على مستوى العالم، فعلى الرغم من أنّ تاريخ الولايات المتحدة حافلٌ بقرارات «تجميد الأصول» إلا أنها اليوم تقوم بمصادرتها وتحويلها إلى موارد لخزينتها متذرعةً بضحايا هجمات 11 أيلول والذين جرى تهميش الناجين منهم وحُرِموا من تلقي العلاج الضروري، ولم تحصل عوائل القتلى على تعويضات. والمفارقة أنَّ أتعاب الشركات القانونية التي وكَّلها بعضُ هؤلاء الضحايا قد تصل إلى أكثر من نصف مليار من إجمالي 3.5 مليار التي خصَّصَتْها الإدارة الأمريكية للتعويضات!
ماذا عن ضحايا الشعب الأفغاني؟
ترى واشنطن أن 3 آلاف ضحية لهجمات أيلول تعدّ سبباً كافياً لمصادرة أموال المصرف المركزي وفرض عقوبات على كامل الشعب الأفغاني وحرمان البلاد من المساعدات حتى الطبّية منها، فحسب تصريحات وزير الصحة عبد الباري عمر، فإنّ نظام الصحة الذي كان قائماً في البلاد «اعتمد بنسبة 80% على المساعدات الخارجية» والتي تحاول واشنطن حرمان أفغانستان منها اليوم، مما يفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد. وبعيداً عن تقدير حجم ضحايا الولايات الأمريكية في أيلول 2001 وبغض النظر عن كل المؤشرات التي تؤكّد تورّط الولايات المتحدة نفسها في هذه الهجمات حتى تجد ذريعة لتبرير حربها ضدّ الإرهاب، ينبغي علينا أنْ نسأل: ماذا لو طالب الشعب الأفغاني بتعويضات عن جرائم حكّام الولايات المتحدة والـ 50 دولة الأخرى التي شاركت في غزوه؟ فبحسب دراسة علمية جرى تقديمها في جامعة بون الأمريكية تسبّبت الأعمال العسكرية التي قادتها واشنطن منذ 2001 بمقتل أكثر من 241 ألف أفغاني، كان من بينهم 71 ألف مدني أعزل، يضاف إلى هذه الأرقام المخيفة أعداد اللاجئين التي بلغت 2.5 مليون لاجئ يضاف إليهم 3.5 مليون شخص اضطروا للنزوح عن ديارهم بسبب الحرب. حتى أنّ خسائر واشنطن وحدها في حرب أفغانستان بلغت ما يقارب 2.3 ألف جندي.
غاية واشنطن الأساسية
المليارات التي جرت مصادرتها يمكن أنْ تخفّف بعض الشيء من حالة الاستياء الشعبي التي تشهدها الولايات المتحدة، ويمكن أنْ تبدو حلاً لمشكلة قديمة عالقة، ولكن هذا يُعدّ نتيجةً ثانوية لما تريده واشنطن من خطوتها هذه، فالمعروف أنَّ واشنطن تحاول تعقيد الوضع في أفغانستان بشكل أكبر عبر تضييق الخناق على الشعب الأفغاني أملاً في تفجير الأوضاع في الداخل. ويأتي ذلك في سياق محاولة رفع فاتورة إنقاذ أفغانستان على كل الدول المحيطة بها، لكن ما أرادته واشنطن في هذه اللحظة بالذات هو تعقيد الأمور حتى بالنسبة للدول التي باتت تعيد التفكير في علاقاتها مع أفغانستان، وتحديداً دول الخليج والدول الأوروبية والتي بدأت مؤخراً ببعض الخطوات التي تهدف إلى تطبيع العلاقات مع طالبان بشكلٍ تدريجي، وهو ما من شأنه إضعاف احتمالات مشروع الفوضى الأمريكي، فالولايات المتحدة عادت للتأكيد مجدداً على لسان الممثل الأمريكي الخاص لشؤون أفغانستان توماس ويست، أنّ الإدارة الأمريكية لا تنوي في هذه المرحلة تطبيع العلاقات مع حركة طالبان أو الاعتراف بها حكومةً شرعية في أفغانستان. وأضاف ويست «بعض الدول تقبل بالفعل دبلوماسيين معيَّنين من قبل طالبان... نحن لم نتخذ مثل هذه الخطوة أبداً». أيْ أنَّ الاحتمال المرجَّح هو أنَّ سياسة العقوبات الأمريكية سوف تشتدّ ضد أفغانستان وربما تشمل قريباً كلَّ المتعاملين معها، مما سيشكل رادعاً بالنسبة لعدد كبير من الدول، ولكنه في الوقت نفسه سيرفع من حدّة التناقضات التي تشهدها علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع العالم ويزيد من الضغط على دورها فيه.
يبدو أنّ الاتجاه العام في العالم يتّجه إلى إعادة النظر في قرار واشنطن عزل أفغانستان بهذا الشكل الوحشي، لكنَّ هذه المسألة وفي ظل الضغط الأمريكي المعاكس قد تحتاج إلى بعض الوقت الإضافي مما سيزيد من درجة التوتر في أفغانستان.