لا يملكون الاقتصاد ليصلحوا ولا القوة ليقمعوا
يقول بعض المعلِّقين بأنّ لدى الولايات المتحدة، بوصفها المركز الرأسمالي، القدرة على إعادة إنعاش الاقتصاد كما فعلت من قبل بعد الكساد الكبير في الثلاثينيات. ويقول آخرون بأنّها حتّى لو كانت غير قادرة على ذلك، فهي قادرة على قمع أيّ حركات ثورية اشتراكية كما فعلت من قبل في الكثير من الأماكن.
ما مدى صحّة هذا؟
ترجمة: أوديت الحسين
الميل لانخفاض معدّل الربح
خلال منتصف القرن التاسع عشر، عندما كانت البرجوازية حديثة العهد بهزيمة طبقة الإقطاع، وكان نظامها نابضاً بالحيوية ويستمر في النمو، بدأت تظهر العلامات على ما لاحظه ماركس: أنّ معدل الربح الرأسمالي يميل للانخفاض. ثمّ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ورغم ظهور الأمريكيين بمظهر مَن لا يُقهَر، بدأ يحدث ما لاحظه ماركس بشكل شديد.
في عام 1946، كان معدّل الربح – إذا ما استخدمنا مقاييس التكاليف الحالية – قرابة 26%. في 2019، نزل هذا المعدل إلى نصف ذلك، مع انخفاض مستمر وثابت بين هذين التاريخين. ورغم أنّ هوامش الربح قد تجاوزت مستويات عام 2019 بعد ذلك، فقد كان ذلك على حساب التسارع الهائل في حدّة تناقضات مراحل الرأسمالية المتأخرة.
اعترفت صحيفة النخبة وول ستريت جورنال بأنّ القفزة في الأرباح لم تحدث رغماً عن الوباء بل حدثت بسبب الوباء، وأنّ الشركات الأكبر هي من حققت معدلات الربح الأعلى. السبب وراء تحقيق أصحاب المليارات ترليونات إضافية في العامين ا لماضيين هو الاحتكار، والتقشف، والخصخصة، وإهمال الأكثر ضعفاً.
هناك اليوم أكثر من 4 ملايين عامل، أي 3% من القوى العاملة الأمريكية، هم اليوم في حالة إضراب بشكل أو بآخر. هؤلاء هم «العمّال الأساسيون» الذين حملوا المجتمع أثناء الوباء، ورغم ذلك لم تتمّ معاملتهم كما يستحقون، حيث نرى عمّالاً مثل عمّال شركة كروغر غير قادرين على تحمّل تكاليف شراء بقالتهم اليومية، أو مثل عمّال أمازون الذين يموتون أثناء الأعاصير لأنّ شركتهم أجبرتهم على العمل رغم الخطر.
في ردّة الفعل على هذه الظروف، وعلى الأجور المنخفضة بشكل رهيب غير القادرة على تغطية تكاليف المعيشة المتضخمة، استقال رقم قياسي من العمّال الأمريكيين من وظائفهم في النصف الثاني من العام الماضي وحده، لدرجة أنّ الشركات الكبرى غير قادرة على إيجاد موظفين ليملؤوا شواغر 11 مليون عمل. إذا توقّف العمال عن العمل، فلن يكون هناك اقتصاد، وهي النقطة التي نقترب منها بشكل غير مسبوق.
«صفقة جديدة» جديدة!
أين يقودنا هذا؟ ليس إلى تكرار «الصفقة الجديدة New Deal» التي حدثت في ثلاثينيات القرن الماضي بالتأكيد. فمع انخفاض معدل الربح بشكل كبير بالمقارنة بحالته السابقة، كانت النيوليبرالية هي النموذج الوحيد الذي كان يأمل الحفاظ النظام الرأسمالي قائماً. لكن لن يكون بايدن هو روزفلت الجديد، بل سيعزز الرأسمالية غير الخاضعة للرقابة ويقوي الدولة القمعية وعسكرة الشرطة.
إنّ ما تفعله البرجوازية هو تدمير صمام تنفيس التوترات الطبقية المتصاعدة، والجماهير التي تتعرّض لضغوط متزايدة وعدم مساواة متزايدة وتدمير متزايد للبيئة والمناخ، ستحتشد بأعداد أكبر من أي وقت مضى. وسواء اتخذت هذه التعبئة الشكل الذي شهدناه في 2020، أو استقالات جماعية أخرى، أو أنواع أكثر عنفاً من التمرّد، فالطبقة الحاكمة لن تجد الراحة أيضاً. ومع مرور الزمن سيزداد التوتر مع تزايد تجاهل مطالب الجماهير.
يجد الإمبرياليون أنفسهم وهم يسعون بشكل متزايد لمحاولة قمع الثورة أو أيّ شكل من الانتفاض، كما فعلت أيام الحرب الباردة. عندما قامت المخابرات المركزية في حينه بتنصيب الدكتاتوريات في إندونيسيا والبرازيل والأرجنتين وغيرها من البلاد، وذلك بهدف ارتكاب الجرائم والتطهير ضدّ الذين ينتسبون للحركة العمالية. في إندونيسيا كمثال، حيث كان القمع هائلاً لدرجة أنّ الانتماءات الشيوعية لا تزال تهمة وجريمة، نجح النظام بقمع وتحييد الصراع الطبقي.
هل تتكرر إندونيسيا؟
المشكلة أنّ الأنظمة التي نجحت في إندونيسيا وغيرها، كانت قادرة على النجاح فقط لأنّ الإمبريالية كانت قويّة كفاية لتدعمها. أمّا اليوم فالولايات المتحدة، مركز الإمبريالية، هي أضعف، ولا موارد كافية عندها لتتمكن من دعم الأنظمة القمعية.
إذا ما نظرنا إلى الصين، وهي التي تخطَّت فيها حصّة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي المتوسط العالمي، فقد تمكنت مع بقية الدول الاشتراكية من هزيمة الوباء بشكل لا يمكن مقارنته بفشل الولايات المتحدة.
تقوم الصين بتزويد دول مثل إثيوبيا بوسائل التنمية لتتمكن من الوقوف على قدميها، مظهرةً للعالم بأنّ الاشتراكية هي الطريق نحو الرفاه. يأتي هذا في الوقت الذي تسرّع فيه النخب في الدول الإمبريالية الحرب على الطبقة العاملة، سواء في دول الأطراف أو حتّى داخل المركز نفسه.
إذاً على الإمبريالية أن تستثمر أكثر من أي وقت مضى في العسكرة والقمع والمراقبة لمواجهة عدم الاستقرار الاجتماعي. لكنّ ديناميكية قدرة الإمبريالية على ممارسة ودعم هذا القمع يفقد أساسه الاقتصادي.
يؤدي الانكماش الاقتصادي إلى تقليص القاعدة الاجتماعية اللازمة لاستمرار الرأسمالية، ما يجعل أدوات الإمبريالية التقليدية للبقاء غير قابلة للتكرار، ما يعني بأنّ قمع الثورات والإيقاع الرأسمالي العنيف بات أقلّ قابلية للحياة.
بتصرّف عن:
As class conflict intensifies, capitalism is pushed into a corner