حول البعد غير السوري لـ«معركة سجن الصناعة»
عماد طحان عماد طحان

حول البعد غير السوري لـ«معركة سجن الصناعة»

تستمر لليوم السادس على التوالي ما باتت تعرف بـ«معركة سجن الصناعة»، وهي المعركة التي بدأت يوم الخميس الماضي 20/1/2022، في محيط سجن الصناعة في الحسكة والذي يضم ما يقدر بثلاثة آلاف مقاتل داعشي.

بدأت المعركة بعد قيام عناصر من التنظيم بتفجير سيارتين مفخختين قرب السجن، بالتزامن مع تنفيذ العناصر المسجونين لاستعصاء داخله، وذلك في محاولة لتمكينهم من الهرب من السجن. وقد تمكن عدد غير معروف بدقة بعد من معتقلي داعش من الهروب من السجن وجرت ملاحقتهم في حي غويران والأحياء القريبة من السجن وجرت اشتباكات واسعة من حينه وحتى الآن، وليس معلوماً بعد عدد قتلى التنظيم وعدد ضحايا قوات سورية الديمقراطية، ولكن مختلف المصادر تتحدث عن العشرات.

تزامن بدء الهجوم الداعشي الذي جاء بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من حالة سبات تامٍ تقريباً، مع هجوم آخر لداعش نفسها، ولكن في محافظة ديالى العراقية، راح ضحيته 11 جندياً عراقياً.

وكانت قاسيون قد نشرت في عددها الأخير رقم 1054 بتاريخ 23 من الجاري، مادة تحليلية حول الموضوع بعنوان: «لماذا يتم إخراج الأرنب الداعشي من القبعة مجدداً؟»، وفيما يلي نعرض باختصار لما استنتجته المادة المشار لها حول غايات هذين الهجومين، وذلك قبل الانتقال لمعالجة بعدٍ آخر للمسألة نفسها:

أولاً: استخدام الهجومين كأداة في الصراع الداخلي الأمريكي لمصلحة أصحاب الرأي القائل بضرورة تأجيل الانسحاب من كل من العراق وسورية.
ثانياً: استخدام الهجومين كأداة في التفاوض الأمريكي الروسي حول إعادة «الحدود العسكرية» إلى ما كانت عليه قبل 1991.
ثالثاً: استخدام الهجومين للضغط على «الحلفاء» الأوربيين، لثنيهم عن الاتجاه المتصاعد بينهم، والداعي للخروج العسكري من كل من العراق وسورية.
رابعاً: استخدام الهجومين كأداة في الضغط على السلطات العراقية، وباتجاه انتزاع تنازلٍ يعطي قدراً ما من «الشرعية» لتمديد وجود ما تبقى من القوات الأمريكية على الأرض العراقية.
خامساً: استخدام الهجومين للضغط على قوات سورية الديمقراطية والتلويح في وجهها، في محاولة لضبط تطور علاقاتها بموسكو، ولمحاولة ضبط الآفاق المستقبلية لانخراطها ومشاركتها في مناقشة الشأن السوري العام، بما فيه الحل السياسي الجامع والموحد لسورية وللسوريين.

أبعاد إضافية

لا شك في أنّ بين النتائج الواضحة التي يمكن أن تترتب على كلٍ من الهجومين، المزيد من تعقيد الأوضاع في كلٍ من العراق وسورية، ضمناً تعقيد وضع المسألة الكردية، لكن بعض المؤشرات والمعطيات ضمن السياق العام للحدث، قد تسمح بالتفكير أبعد قليلاً من حدود سورية والعراق...

فمن الجهة الأولى، فإنّ أي كلامٍ عن «عودة الروح» لداعش، بناءً على هذين الهجومين، هو مبالغة لا محل لها على أرض الواقع؛ ليس لأنّ التنظيم تلقى ضربات قاصمة فقط، بل وبالتحديد لأنّ طبيعة المتدخلين دولياً في القضاء عليه قد تغيرت منذ نهاية 2015 مع دخول الروس، ومن ثم مع تشكل أستانا... فلو ترك الأمر للأمريكان وحدهم، لكان تحقق قول إدارة أوباما عن الحاجة لثلاثين عاماً للتخلص من داعش... ولعل بين أهم مؤشرات السبات طوال السنوات الثلاث الماضية، بمقابل الهجومين الأخيرين، أنّ الهجومين قد حدثا تحديداً في الأماكن التي يُفترض أن الأمريكان قد قادوا فيها عملية القضاء على داعش، وقد أظهرا أنّ حجم «الخلايا النائمة» ليس قليلاً البتة في تلك الأماكن... في حين أنّ الأماكن الأخرى التي تم القضاء فيها على داعش لم تشهد أي نشاط من قبيل ما نراه اليوم، اللهم إلا في محيط التنف وقربها وانطلاقاً منها، حيث الأميركان أيضاً.

من جهة أخرى، فإنّ ما يميز سجن الصناعة عن غيره من السجون والمخيمات التي تضم فلول داعش من مقاتلين وعوائل مقاتلين، أنه يضم بشكل خاص المقاتلين الأجانب من داعش. والمعروف أنّ هؤلاء كانوا النواة الأكثر صلابة للتنظيم، وكانوا بطريقة أو بأخرى «القوات الخاصة» للتنظيم، الأعلى تدريباً والأكثر خبرة، والأشد ارتباطاً بأجهزة الاستخبارات الدولية بطبيعة الحال.
أضف إلى ذلك أنّ من يقرأ عبارة «سجن الصناعة»، يتخيل أنّ الحديث يجري عن سجن
إذا أجَلنا النظر فيما يجري هذه الأيام سواء في أوكرانيا أو كازخستان أو حتى في عموم آسيا الوسطى (أي على تخوم روسيا والصين)، فإنه ليس من الصعب التنبؤ بأنّ هنالك احتياجاً أمريكاً متصاعداً لنقل «الخبرات المتعوب عليها» إلى ساحات القتال الجديدة المفترضة...

بكلامٍ آخر، فإنّ من بين الأهداف التي يمكن التفكير بها لما يصفه البعض بأنه «انبعاث جديد» لداعش، هو أن يحصل فعلاً انبعاث من هذا القبيل، ولكن ليس في سورية، وليس في العراق...

أربع معلومات يجب أن تعرفها عن «سجن الصناعة»

1- يضم أخطر أنواع المجرمين في العالم، ليس لأنه يضم مقاتلي داعش فقط، بل ولأنه يضم صنفاً منهم هو الأعلى تدريباً وخبرة، وهم بمعظمهم من «الأجانب» الذين كانوا يشكلون نواة التنظيم.

2- «السجن» ليس سجناً، بل ثانوية صناعية يجري استخدامها كسجن، وليست مؤهلة كبناءٍ بأي شكل من الأشكال لتكون حصينة حتى بمستوى حصانة مخفر شرطة.

3- «السجن»، أي الثانوية، تقع ضمن حي مدني ومحاطة بمساكن المدنيين من كل الاتجاهات، في حين أنّ كل السجون العادية توضع عادة على مسافة كبيرة من السكان، والسجون شديدة الحصانة توضع في أماكن بعيدة وحتى معزولة، لتصفير احتمالات الهرب، أو احتمالات الخطر التي يمكن أن تنتج عنها.

4- منذ بدأت عمليات زج مقاتلين من داعش في هذا «السجن»، طالب السكان في الحسكة وكذلك قوى سياسية عديدة في الشمال الشرقي بينها مسد نفسها، بتأمين سجن حقيقي أكثر حصانة وكذا الدول التي ينتمي إليها هؤلاء المقاتلون بأن تستعيدهم... ولكن «قائد» العمليات ضد داعش، أي الولايات المتحدة الأمريكية، لم تعط الموضوع أي اهتمام، وبالأحرى أهملته عمداً ومنعت حله... وفي أحسن الأحوال فإنّ المتحدثين الرسميين باسمها تحدثوا عن «ضرورة حل الموضوع»، ولكن كيف ومن المسؤول... لا جواب...

بالمحصلة، لا يمكن فهم سلوك الأمريكان اتجاه ما يسمى «سجن الصناعة»، إلا بطريقة واحدة: يتعاملون معه على أنه مستودع تخزين مؤقت لـ«خبرات قتالية مهمة»، إلى حين توريدها إلى أماكن استخدام أخرى...

آخر تعديل على الثلاثاء, 25 كانون2/يناير 2022 22:47