المبادرة الجزائرية لحوار وطني بين الفصائل الفلسطينية: التوقيت والدلالات

المبادرة الجزائرية لحوار وطني بين الفصائل الفلسطينية: التوقيت والدلالات

منذ إعلان الرئاسة الجزائرية نيتها استضافة وتنظيم «مؤتمر جامع» للفصائل الفلسطينية في الجزائر، كثرت التكهنات حول توقيت هذه المبادرة وأسبابها. وبرزت إلى الواجهة الإعلامية تنبؤات متسرعة حول نجاحها أو فشلها دون الوقوف بشكلٍ كاف عند تحليل تطورات المشهد الفلسطيني أولاً، ودوافع السلوك الجزائري تالياً.

في البداية، لا بد من الإشارة إلى أن المبادرة الجزائرية لها ما يسبقها، فمؤخراً زار عددٌ من القيادات الفلسطينية الجزائر التي تعهدت بتقديم 100 مليون دولار أمريكي لفلسطين، ذلك قبل أن تعلن استضافتها للمؤتمر المذكور.

وبالطبع، هنالك في تاريخ العلاقات الجزائرية الفلسطينية الراسخة ما يسمح باعتبار الدخول الجزائري على خط رأب الصدع بين القوى الفلسطينية مسألة مفهومة تماماً، إلا أنه لا يمكن اختزال أسباب المبادرة الجزائرية بالعلاقات الوطيدة فحسب، بل إن هنالك أسباب أكثر جوهرية مرتبطة بواقع التوازنات الدولية والإقليمية عموماً.

بهذا المعنى، فإن أولى الأسباب المباشرة للمبادرة الجزائرية التي يمكن استخلاصها تكمن في تعطل المسارات التقليدية للتواصل بين الفلسطينيين على طريق إنهاء الانقسام، وبشكلٍ خاص جولات التفاوض التي استضافتها القاهرة والتي - على أهميتها - لم تفض إلى شيء حاسم على مدار السنوات الفائتة، ما فتح الباب موضوعياً لمساراتٍ بديلة شهدنا بعضها في زيارات الوفود الفلسطينية إلى موسكو وبكين والآن الجزائر، دون استبعاد وجود رابط مشترك بين هذه الزيارات التي تشترك فيما بينها بمحاولة كسر احتكار المسارات التقليدية المجربة سابقاً.

وعلى المستوى ذاته من الأهمية، لا ينبغي إغفال حسابات الجزائر المرتبطة بتوازنات القوى شمالي أفريقيا، وبشكل خاص بعد التصعيد الجزائري المغربي المتفاقم على أرضية تطوير العلاقات بين المغرب وكيان العدو في عام 2020، وصولاً إلى توقيع أكثر من 12 اتفاقاً بين الجانبين، كان آخرها الاتفاق الأمني العسكري الذي تم توقيعه خلال زيارة وزير الحرب "الإسرائيلي"، بيني غانتس، إلى الرباط في تشرين الأول الماضي، وهو الاتفاق الذي تراه الجزائر موجَّهاً ضدها بالذات، حسب تعبير رئيس مجلس الأمة الجزائري، صلاح قوجيل.

لهذا، يمكن القول إن أحد الأسباب الرئيسية الكامنة خلف مبادرة الجزائر للدخول على خط إنهاء الانقسام الفلسطيني هو رغبتها في مواجهة عمليات التطبيع التي ما كان لها لتتقدم لولا أنها استفادت من وجود انقسام في الصف الفلسطيني.

وبطبيعة الحال، لا يمكن التكهن مسبقاً بنتائج المؤتمر، فرغم أن بعض وسائل الإعلام تراهن على الاختلاف في الرؤى بين الفصائل التي يطالب بعضها بإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية والتحضير لانتخابات شاملة، بينما يتمسك بعضها الآخر بتشكيل "حكومة وحدة وطنية وفق قرارات الشرعية الدولية" ما يعني اشتراط الاعتراف المسبق باتفاق أوسلو. رغم ذلك، فإن المؤتمر بحد ذاته خطوة من خطوات عديدة على طريق إنجاز الضرورة الفلسطينية المتمثلة في إنهاء الانقسام بنهاية المطاف.