أين تقع «حنفية» خط الغاز «العربي»؟
بعد ما يقرب من شهرين على اختفاء الأخبار الجديدة عمّا يُسمى «خط الغاز العربي»، عاد الحديث عنه إلى الواجهة مع استقبال نجيب ميقاتي، رئيس الوزراء اللبناني، للسفيرة الأمريكية دورثي شيا يوم الجمعة الماضي 14 كانون الثاني الجاري.
ملخص المستجدات
- الجمعة: خلال الزيارة، نقلت شيا إلى الحكومة اللبنانية «كتاباً رسمياً خطياً من وزارة الخزانة الأميركية، أجابت خلاله عن بعض الهواجس حول اتفاقيات الطاقة الإقليمية التي ساعدت الولايات المتحدة في تسهيلها وتشجيعها بين لبنان والأردن ومصر»، وأكدت أنه «لن تكون هنالك أية مخاوف من قانون العقوبات الأميركية».
- السبت: في اليوم التالي تناولت القناة 12 «الإسرائيلية» الخبر السابق على أنه «موافقة أمريكية على توريد الغاز (الإسرائيلي) إلى لبنان»، وأسندت ذلك بحديث عن أنابيب الغاز التي تربط أصلاً بين الكيان وكل من الأردن ومصر، وعن اتجاهات تدفق الغاز ضمنها وضمن ما يسمى الخط «العربي».
- الأحد: أصدرت وزارة الطاقة والمياه اللبنانية بياناً تنفي فيه ما جاء في القناة «الإسرائيلية»، وتؤكد أنّ الغاز هو غاز مصري وليس «إسرائيلياً».
- في اليوم نفسه، نشر حساب مكتب الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى على تويتر تغريدة طريفة حول الموضوع، قال فيها: «التقارير الإعلامية التي تفيد بأن الولايات المتحدة توسطت في صفقة طاقة بين (إسرائيل) ولبنان خاطئة»؛ فهذه التغريدة لا تنفي ولا تؤكد أنّ الغاز «إسرائيلي»، وإنما تنفي شيئاً آخر لم يقل به أحد، حتى القناة «الإسرائيلية» لم تقله، وهو أنّ هنالك صفقة طاقة بين «إسرائيل» ولبنان.
عن موقع الحنفية مادياً-سياسياً
سبق لمركز دراسات قاسيون أن نشر عدة دراسات موثقة بالأرقام والحسابات والإحصاءات والتصريحات حول موضوع خط الغاز «العربي»، وجمعها في ملف pdf واحد، يمكن تحميله عبر النقر على الرابط المرفق: (خط الغاز «العربي»- الملف الكامل).
ولا حاجة، ولا إمكانية هنا، لإعادة سرد مضمون هذه الدراسات، ولكن يكفي القول إنها تخلص بمجملها، وبشكل موثق، إلى النتائج الأساسية التالية:
- ليست لدى مصر القدرة التصديرية التي يجري زعمها بما يخص الغاز الطبيعي. وفائضها التصديري بأكمله لا يكفي لإنارة بلد بحجم لبنان إلا لبضع ساعات إضافية في اليوم. ناهيك عن أنّ المالك الأكبر والمستثمر الأكبر في الغاز المصري ليس الحكومة المصرية بل شركات خاصة و«الشركاء الأجانب» حسب تعبير وزير البترول المصري السابق، والذين تشتري منهم مصر نفسها قسماً أساسياً من احتياجاتها الداخلية للغاز.
- بالنسبة للأردن و«الثورة الكهربائية»، فهي الأخرى تعتمد بشكل شبه كامل في إنتاج الكهرباء على الغاز «الإسرائيلي»، والمستثمر هو كذلك «شركات خاصة» وليست الحكومة. وكما الأمر في مصر فهؤلاء الشركاء يصعب معرفة «قرعة أبوهم من وين».
- الخطوط الطاقية الواصلة بين الأردن ومصر والكيان، إضافة إلى وجودهم معاً في منتدى غاز شرق المتوسط ومعهم الولايات المتحدة، ناهيك عن التصريحات العلنية المصرية والأردنية و«الإسرائيلية»، كلها تؤكد أنّ ما يسمى مشروع خط الغاز «العربي»، ليس إلا مفردة من مشروع طاقي-سياسي أكبر يشمل منطقة الشرق الأوسط بأكملها، ويشملها بما يتماشى مع مشروع «الشرق الأوسط الكبير» الذي نظّر له مجرم الحرب، الحائز على جائزة نوبل للسلام! شمعون بيريز.
- إذا تركنا كل هذه الأمور جانباً، وافترضنا أنّ الغاز مصري فعلاً، ووقفنا عند الطريق المادي الذي يعبره الخط بمحاذاة كامل حدود فلسطين المحتلة الغربية والشرقية، فإننا سنكون أمام حقيقة أنّ «الإسرائيلي» يمسك برقبة هذا الخط ويضعه تحت تهديده المباشر في كل لحظة، خاصة وأنّ الدولتين اللتين تحاذيان فلسطين المحتلة، غارقة في «العسل» في علاقاتهما المتنامية مع الكيان، وليستا مصر عبد الناصر مثلاً التي يخشى «الإسرائيلي» إن اعتدى عليها أن ترد... أي أنّ حنفية خط الغاز «العربي»، مادياً وسياسياً، وعلى أساس المعطيات المختلفة، هي بيد «الإسرائيلي».
الحنفية سياسياً
النظر إلى الأشهر الست الماضية، منذ الحديث الأول في المشروع والذي أطلقه العاهل الأردني، ومروراً بتصريح دورثي شيا «اللفظي» عن عدم الممانعة الأمريكية، ووصولاً إلى «الموافقة الخطية» التي نقلتها شيا منذ أيام، يمكننا أن نرى الحقيقة الواضحة التالية:
- كل التحركات والمهرجانات التي قامت بها الحكومات في كل من مصر والأردن وسورية ولبنان، ومعهم الإمارات باعتبارها «الخزمتشي» الذي بتنا نراه يلهث في كل مكان حيث يريد له «الإسرائيلي» أن يكون... كل هذه التحركات انطلقت بعد الموافقة الأولية الأمريكية، ولكنها بقيت تدور في مكانها بانتظار موافقة نهائية.
- حين تأخرت الموافقة النهائية، ولم يعد واضحاً إنْ كانت ستأتي فعلاً أم لا، دخل المشروع في سبات خلال الشهرين الآخرين.
- بمجرد أن جاءت الموافقة، عاد المشروع إلى الحياة.
هل يصعب استنتاج أنّ الحنفية السياسية للمشروع تقع في واشنطن؟ أي ببساطة حين تفتح واشنطن الحنفية يتدفق الغاز «العربي»، وحين تغلقها يتوقف... وما الذي يحكم سلوك كل من واشنطن والكيان تجاه الحنفية؟ هل هي مصالح شعوب المنطقة؟؟
وإذا كانت عملية المراوحة خلال الأشهر الماضية بين ضوء أخضر أمريكي لفظي، ومن ثم صمت، ومن ثم رسالة مكتوبة، قد أوصلت الرسالة اللازمة حول من هو المتحكم الفعلي بالمشروع، وتالياً صاحب المصلحة فيه، فإنّ ما يحتاج أيضاً إلى تفسير، هو توقيت كلٍ من الموافقة اللفظية والصمت والموافقة الخطية، وكل ذلك ربطاً بـ«قيصر» وسورية بالدرجة الأولى، وبلبنان بالدرجة الثانية...
وأثناء البحث عن تفسير وعن إجابات، ينبغي أن يبقى في خلفية التفكير الشعار الأمريكي المرفوع منذ فترة غير قصيرة حول «تغيير سلوك النظام»...