شبح الطاقة في القطب كما في البحر
أورييل أروخو أورييل أروخو

شبح الطاقة في القطب كما في البحر

هناك شبح يطارد أوروبا: إنّه شبح أزمة الطاقة. بحلول أكتوبر/تشرين الأول، كان هناك بالفعل زيادة بنسبة 600% في أسعار الغاز في 2021، وفي بداية الشهر ذاته، زادت أسعار الجملة في بريطانيا بنسبة 37%.

ترجمة: قاسيون

شلّت الأزمة الإنتاج في بعض الصناعات وأثّرت على المجتمع ككل. انخفض إنتاج أوروبا من الغاز، والقارة تعتمد على توريدات الغاز – ويبقى الغاز هو الأكثر قابلية للتأثر. وفي مواجهة ذلك، تبقى جهود التخلص من الكربون في أوروبا خجولة جداً، الأمر الذي يثير السخرية نظراً لأنّ أوروبا لطالما كانت المرشحة الأوفر حظاً فيما يخصّ مسائل الأفعال المناخية.
نادراً ما يسبب عامل وحيد أيّ أزمة، بل تشترك العوامل الهيكلية والظرفية معاً. لم يساعد الوباء، وأسعار الوقود الأحفوري لم تساعد أيضاً، ما أدّى لارتفاع أسعار الكهرباء أيضاً. لكن الحقيقة القاسية هي أنّه كان بالإمكان تجنّب مثل هذه الارتفاعات الشديدة في أسعار الطاقة في أوروبا لو لم يتأخر تنفيذ خطّ السيل الشمالي-2.

استراتيجية السيل الشمالي

السيل الشمالي-2 هو مجموعة من خطوط أنابيب الغاز الطبيعي التي تمتد من روسيا إلى ألمانيا تحت بحر البلطيق. يخدم هذا المشروع المصالح الأوروبية، حيث يوفر لهم أمن الطاقة بتكاليف أقل. لكنّه كان هدفاً لحملة عقوبات ومقاطعة أمريكية مكثفة في مؤامرة معقدة تشير للمصالح الجيوسياسية، حتّى أنّ بعض أعضاء البرلمان الألماني اقترحوا في مايو/أيار أنّ على برلين أن تنتقم من الأمريكيين بفرض عقوبات عليهم.
يمكن فهم المصالح الأمريكية بشكل بسيط هنا: لا تريد الولايات المتحدة أن تفقد نفوذها في أوروبا، ولا تريد أن يكون لموسكو نفوذ أكبر. رغم وقوع روسيا تماماً على عتبة القارة الأوروبية، فأمريكا تريد من الأوروبيين أن يشتروا الغاز المسال منها، وأن يتحملوا عبء دفع تكلفة أكبر.
تذهب معظم صادرات الغاز المسال الأمريكي إلى منطقتين: 46% إلى القارة الآسيوية، ثمّ أوروبا بنسبة 37%. وقد شهدت صادرات الغاز الأمريكية إلى أوروبا زيادة بنسبة 0.6 مليار قدم مكعب يومياً، بالمقارنة مع عام 2019.
علاوة على ذلك، يمكن لواشنطن أن تؤثر على الصادرات الروسية إلى أوروبا عبر أوكرانيا – وهي التي باتت مستعمرة أمريكية، بينما سيقضي السيل الشمالي-2 على هذه القدرة.

استراتيجية القطب الشمالي

هناك مسائل جيوسياسية تتعلق بالطاقة أكثر تعقيداً تتمثل بالتطور في القطب الشمالي. أعادت الولايات المتحدة العام الماضي تأسيس مكتبها للطاقة في القطب الشمالي، وأطلقت الإدارة الأمريكية مؤخراً سلسلة من حملات استكشاف إمكانات القطب الشمالي فيما يخص الطاقة النظيفة.
يلعب القطب الشمالي دوراً هاماً في سوق الطاقة العالمي – إضافة لقدرته على تقديم طرق شحن عالمية جديدة – لهذا فلا بدّ من تحوّل المنطقة إلى مسرح للتنافس الجيو-سياسي. كمثال، افتتح مشروع Yamal للغاز المسال، وهو مشروع مشترك صيني-روسي، طريق شحن جديد إلى آسيا. كما أنّ مشروع Artic-2 مشروع واعد بدوره.
على الطرف الآخر، لم تنتج المشاريع الأمريكية في آلاسكا الكثير. جزء من السبب هو عدم وجود توافق بين صانعي السياسة في أمريكا. لكن على الرغم من عدم قدرة واشنطن على تحقيق نجاحات في تطوير مشاريع الهيدركربون في أراضي ألاسكا، ورغم أنّ سكان آلاسكا كانوا يحاولون تسويق الغاز منذ السبعينيات على الأقل، فلا تزال الولايات المتحدة تريد منافسة الروس في مجال الطاقة في القطب الشمالي – وهي منطقة النفوذ الروسية التقليدية، حيث أنّ آلاسكا نفسها اشتراها الأمريكيون من الإمبراطورية الروسية.
لم يتقدم الأمريكيون كثيراً في القطب بسبب افتقارهم للقدرة على صياغة برنامج يتوافق عليه اللاعبون الرئيسيون.
كما أنّ نقص البنية التحتية في آلاسكا هو مشكلة أخرى تحدّ من قدرة استخراج الهيدركربون من المنطقة الأمريكية من القطب. رغم ذلك، تولي الولايات المتحدة أهمية كبيرة لبقية المنطقة القطبية، وتعمل بشكل خطير على زيادة مناوراتها العسكرية مع حلفائها هناك، في استفزاز واضح لموسكو. يمكن للمراقب أن يلاحظ أنّ المبادرات الروسية في القطب ذات طابع اقتصادي بغالبيتها، بينما أكثر المبادرات الغربية في المنطقة كانت عسكرية في الأساس.
سواء فيما يخصّ السيل الشمالي-2، أو الطاقة في القطب، لا يبدو أنّ لدى الولايات المتحدة القدرة على منافسة الروس، ولهذا تنهج بشكل نشط منهج تعميق الخلافات الروسية-الأوروبية. يخلق هذا للأمريكيين عواقب خطيرة في علاقتهم بحلفائهم التقليديين، كالألمان مثلاً.

بتصرّف عن: Major Energy Crisis is Haunting Europe