كيف صنع الاتحاد الأوروبي أزمة «طاقته» بيديه
يعاني الاتحاد الأوروبي من أزمة اقتصادية وسياسية عامة جاءت إحدى تجليات انفجارها/تفجيرها بشكل أزمة «الغاز». يتناول التقرير التالي أزمة الطاقة الأوروبية، بوصفها أعمق من أزمة «غاز»، بادئاً بعرض أسبابها المباشرة القريبة، ودور المضاربة والخصخصة الليبرالية الجديدة، ويسلط الضوء على المقدّمات الأعمق للأزمة منذ عقدين على الأقل، وصولاً لعيوب الطريقة الغربية بتغيير «مزيج الطاقة»، ويختم بعلاقة الأزمة مع التناقض المتصاعد بين نهجين دوليين في العالَم اليوم: «الكسب المتبادل» والتعاون الإقليمي والدولي على أساس احترام السيادة ومصالح الشعوب من جهة وبين «التبادل اللامتكافئ» والبلطجة والنهب الإمبريالي من جهة ثانية.
ظهرت مؤخراً إشارات إلى أنّ عرقلة الوصول الفعلي والنهائي للغاز الروسي عبر «السيل الشمالي2» رغم اكتمال الأنابيب، ورغم الحاجة الماسّة إليه بأسرع وقت ليس مجرد «تأخير روتيني» أو إجراءات «قانونية» و«بيروقراطية»، بقدر ما يبدو ضغطاً من واشنطن والموالين لها جوهره الصراع على علاقات وتموضع القوى الأوروبية وخاصة ألمانيا تجاه الشرق الصاعد وعلى رأسه الصين وروسيا، وبالتالي محاولات الفكاك من الهيمنة الأمريكية.
الأسباب المباشرة والقريبة
- تتحمل الشركات والحكومات الأوروبية مسؤولية كبرى عن نقص مخزون الغاز بسبب انخفاض العقود المبرمة لهذا العام (2021) بنسبة 39% أقل من الفترة نفسها للعام الماضي (2020). فكيف يترك الاتحاد الأوروبي بلدانه عرضة للخطر، ولا يبرم عقوداً طويلة الأجل للغاز الطبيعي المسال سوى بنسبة 20% من إجمالي مشترياته! ويعتمد على العقود قصيرة الأجل (الفورية) بنسبة 80%، تاركاً مخزون الغاز في أوروبا أقل بـ 16% من المستوى الوسطي الذي كان عليه خلال السنوات الخمس الماضية؟
- ترافقت الضغوط الأمريكية لحرمان أوروبا من الغاز الروسي مع نضوب وإغلاق مصادر الغاز الأوروبي وأيضاً مشكلات في الغاز الأمريكي نفسه، مما يشكك حتى بجدوى أو بجدّية أيّ تفكير بتعويض ذي شأن عبر الغاز الأمريكي مثلاً بدل الروسي، حيث إضافة إلى أنه أغلى لن تكفي كمياته حتى لو أراد الطرفان ذلك، فلقد قام جو بايدن سلفاً بإغلاق خطوط غاز في الولايات المتحدة نفسها وذلك بخلاف وعوده الانتخابية وسط تأثيرات «انعدام اليقين» وهواجس رأس المال حيال الاستثمار في أسواق الطاقة العالمية.
- يبدو أنّ الطلب المكبوح بسبب الوباء قد تفعّل بسرعة أكبر مما توقّعته حسابات الغرب، إذ يجدر الانتباه هنا أنّ الدور الكبير لتفعيل الطلب المكبوح على الطاقة عموماً والغاز خصوصاً لم يكن فقط الطلب الغربي بقدر ما كان مؤثراً بالاستجرار والأسعار ذلك الطلب الأسرع والأسبق الذي جاء من جانب الصين التي كانت هي المتعافي الأسرع، وذلك على الأقل منذ صيف 2020 مما أجبر الأوروبيّين على الأسعار المرتفعة للسوق الآسيوية، ولنتذكّر هنا إشارات «الشماتة» الغربية والأمريكية المبكرة بابتلاء الصين بالوباء، فضلاً عن العدوانية والاتهامات ضدها، والتي تقوّي الافتراض بأنّه ربما كان هناك تعويل غربي على تعطّل الاقتصاد الصيني لفترة أطول، فهل أخطأ الغرب في حساباته لتوقيت استعادة الطلب العالمي على الطاقة وخاصة الطلب الصيني والآسيوي؟ وبالتالي ربما كان تفاجؤهم بالكفاءة الصينية العالية بمكافحة الوباء والتعافي بسرعة أحد العوامل المساهمة بسوء استعدادهم لذلك.
- ما زاد الأمر تعقيداً خطوةٌ اتخذتها الصين عندما استعاضت عن جزء من مستورداتها من الفحم الأسترالي فاستوردت عوضاً عنها الغاز الطبيعي المسال، ساحبة كميات إضافية من المتوافر في السوق بعيداً عن الغرب. وهذه الخطوة، وللمفارقة، سببها عدوانية الغرب نفسه، حيث كانت رداً صينياً على مواقف أستراليا التي انضمت لتصعيد واشنطن للخطاب المعادي لبكين عموماً في عدة قضايا من أبكرها منذ بداية الوباء اتهامات الغرب للصين بالمسؤولية عن انتشار الوباء بل وحتى عن «نشوء الفيروس».
- يجدر بالذكر أيضاً أنّ الحقول الأهم للغاز الأوروبي وهي في هولندا وبحر الشمال عانت مشكلات انخفاض إنتاج ويتم إغلاقها، وجرى الحديث عن «مشكلات جيولوجية غير محلولة» تتعلق بتشكل ضغوط سلبية تحت الأرض بعد استخراج الغاز وحدوث انهيارات أرضية موضعية وزلازل صغيرة، فضلاً عن أنّ كميات الغاز من حقول النرويج أصلاً غير كافية وكثيرٌ منه يصدَّر لبريطانيا (الخارجة من الاتحاد والداخلة في مشكلات معه) فلا يتبقى سوى القليل لباقي الدول الأوروبية.
أزمة الطاقة الأوروبية تتصاعد منذ عقدين على الأقل
لا بد من تسجيل الملاحظات التالية التي نعتقد أنها في غاية الأهمية لفهم أزمة الطاقة الحالية في سياقها التاريخي وليس كأمر «طارئ» أو «استثنائي» معزول:
- أوروبا تستهلك كمية كبيرة من الطاقة (بكل أنواعها) بالنسبة لعدد سكانها: فمع أن سكان الاتحاد الأوروبي لا يتجاوزون حالياً 500 مليون نسمة (أو 9.5% من سكان العالم) لكنهم يستهلكون من الطاقة ضعف ما تستهلكه قارة إفريقيا بأكملها (البالغة أكثر من 1.3 مليار نسمة أو نحو 17% من سكان العالم) ونصف ما تستهلكه الصين (البالغة أكثر من 1.4 مليار نسمة أو 18.5% من سكان العالَم).
- تركيبة «مزيج الطاقة» المستهلك أوروبياً: وفقاً لمعلومات موقع «طاقات الكوكب» Planete Energies (المدعوم من شركة توتال الفرنسية) فإنّ الاتحاد الأوروبي يعتمد حالياً على الوقود الأحفوري (نفط وغاز وفحم) بنسبة 74.2% من استهلاكه للطاقة، تليه الطاقات المتجددة بنسبة 15.5% (تشمل الطاقات المائية والريحية والشمسية والحرارية الأرضية والكتلة الحيوية) ثم النووية 10.3%. وبالمقارنة فإن تركيبة مزيج الطاقة العالمي (2019) هي كما يلي: الوقود الأحفوري 84.3%، وباقي أنواع الطاقة المتجددة 11.4% (منها مائية 6.4%)، والنووية 4.3%.
- «الاتكالية الطاقية» للاتحاد الأوروبي: وهذا يعني نسبة اعتماد الاتحاد الأوروبي على الخارج للحصول على الطاقة التي يستهلكها، وتزايدت هذه الاتكالية بالتدريج من 43.1% عام 1995 حتى 53% عام 2016 وما زال الاتحاد الأوروبي يعتمد على الخارج لتأمين أكثر من نصف احتياجاته من الطاقة عموماً والغاز خصوصاً من روسيا، ولا سيّما بعد نضوب المخزون الباطني للغاز الطبيعي في بحر الشمال.
- لكن الملفت للانتباه أيضاً هو تفاوت بلدان الاتحاد الأوروبي في نسبة واتجاه «الاتكالية الطاقية» لها منذ التسعينيّات، ولكن المَيل المحصّل هو تدهور وضع «الاستقلال الطاقي» للكتلة بشكل ملحوظ بين 1995 و2016، ولا سيّما لأكبر اقتصادين فيها (ألمانيا وبريطانيا)، حيث زاد اتكال ألمانيا على الخارج لتأمين احتياجاتها من الطاقة خلال الفترة المذكورة بمقدار 6.7 نقطة مئوية (من 56.8% إلى 63.5%)، كما أنّ أداء بريطانيا لم يتدهور فحسب على هذا المؤشر خلال الفترة نفسها وذلك بمقدار 51.7 نقطة مئوية، بل وانقلبت بريطانيا من مصدِّر صافٍ للطاقة، عندما كانت أكثر من مكتفية ذاتياً عام 1995 (إذ كانت اتكاليّتها سالبة بمقدار -16.4%) لتمسي مستوردة صافية للطاقة وصولاً لنسبة اتكالية طاقية 35.3% عام 2016. أما فرنسا فلم تقللّ من اتكاليتها الطاقية على الخارج سوى بنسبة 0.9% فقط (من 48% إلى 47.1%) خلال فترة العقدين المذكورين. ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أنّ قيام فرنسا بكبح نسبي لتدهورها على هذا المؤشر يعود الفضل فيه إلى حد كبير إلى توسيعها الاعتماد على الطاقة النووية، في حين أنّ ألمانيا – وبشكل غريب ولا يبدو مبرّراً – ستغلق آخر مولداتها النووية عام 2022 كما تعهّدت أنغيلا ميركل.
- سياسات الليبرالية الجديدة والخصخصة: حتى منابر غربية بارزة (مثل فورين بوليسي الأمريكية، والفرع الأوروبي لمعهد كارنيغي، وغيرهما) اعترفت بمساهمة هذه السياسات في أزمة الطاقة الأوروبية، بل وتخوّفت من تفاقم أزمة مماثلة في الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً بسبب تشابه السياسات، مذكّرةً بما حدث في تكساس مثلاً في الشتاء الماضي. وعبّر أحد المدافعين عن النيوليبرالية لمعهد كارنيغي بشكل صريح عن تخوّفه من أنْ تجعل أزمة الطاقة الحكومات الأوروبية تفكر بالتراجع عن «إصلاحات السوق» حيث قال حرفياً: «يجب على الحكومات أن تصدّ العواقب قصيرة المدى، ولكن عليها الابتعاد عن التراجع عن إصلاحات السوق الليبرالية».
المضاربة في سوق الطاقة
سجّلت شحنات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا زيادةً وصلت إلى 600% خلال سبعة أشهر، حيث ارتفعت تكلفة شحنة الغاز المسال الحاوية على 3.4 ترليون وحدة حرارية بريطانيّة (BTU) من 20 مليون دولار في شباط إلى ما بين 100 و120 مليون دولار في تشرين الأول.
ويشرح خبير الطاقة الفرنسي أنطونيو هايا الدور المدمّر للمضاربة وضعف تدخّل الدول في التحكّم بإحدى الحلقات الحسّاسة في عملية تسعير فاتورة الكهرباء المولدة في أوروبا حتى عندما يتم توليدها بالطاقة المائية مثلاً وليس فقط بالغاز. حيث يقول بأنّ تكاليف الفاتورة الإجمالية على المستهلك النهائي (سواءً منزلي أو صناعي) يمكن تقسيمها إلى مكونات: تكاليف الشبكة (نقل وتوزيع) والضرائب و«العوامل الخارجية» وهذان المكونان مستقران نسبياً وليسا هما المسؤولان عن الارتفاع الجنوني للفاتورة، أما الحلقة المسؤولة فهي مرحلة التوليد، والمشكلة الأهم كما كتب هذا المحلل هي أنّ: «كل دفعة من المنتوج (الكهرباء) يتم تبادلها في الفترة نفسها يتم تسعيرها بالسعر نفسه بغض النظر عن مصدر إنتاجه أو تكاليف إنتاجه الحقيقية! وتعني هذه الآلية بأنّ محطة التوليد الأغلى من بين تلك اللازمة لتغطية الطلب هي التي تحدد سعر كل ساعة إنتاج لكل الإنتاج المطابق لها في المزاد»، وهذا يعني بأنّه حتى تلك الكهرباء المولّدة من مصادر طاقة أرخص سوف تحدد قوى السوق سعرها تبعاً لسعر تكلفة التوليد الأغلى! فأيّ شريحة تخدم هذه الآلية؟ لقد كان الخبير الاستراتيجي وليام إنغدال على حق عندما وصف هذه الآلية بالتسعير بأنها «بنية تسعير شيطانية تفيد المضاربين وتدمر المستهلكين، بما في ذلك المنازل والصناعة».
عيوب الطريقة الغربية بتغيير «المزيج الطاقي»
في تحليل حول أزمات الاتحاد الأوروبي يعود إلى 9 تشرين الثاني 2015 لاحظَ الخبير الاستراتيجي الروسي ليونيد سافين أنّ تقريراً لـ«المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمن» الذي يعتَبُر مؤثّراً في صياغة سياسات الاتحاد، أقرّ بأنّ «الخطاب حول الاتحاد الطاقيّ يمكن تأويله عموماً على أنه أحد أعراض أزمة تكامل واندماج». كما اعترف التقرير الألماني آنذاك بأنّه على الرغم من كل البرامج والاستراتيجيات التي تتضمن تنظيم إمدادات الغاز تحديداً و«الطاقة الخضراء» والتغير المناخي، إلا أنه لا توجد عملياً استراتيجية موحّدة للطاقة في الاتحاد الأوروبي. ولكن كما نعلم غياب البرنامج ظاهراً (أو تظاهراً بغيابه) لا يعني بالضرورة أنه ليس هناك «برنامج»، وبحالة الاتحاد الأوروبي هناك أجندات عالمية فوق قومية وفوق الكتلة الأوروبية نفسها لها تأثيرها.
في عام 2019 انضم لاري فينك، الرئيس التنفيذي للشركة العملاقة بلاك روك BlackRock إلى مجلس إدارة المنتدى الاقتصادي العالمي حيث أنشأ مع كلاوس شواب (رئيس المنتدى وصاحب كتاب «كوفيد-19: إعادة الضبط الكبرى») ومع آخرين، شركات اعتماد تمنح تصنيفات مشجعة لشركات الأسهم وبالمقابل معاقبة من لا يمتثل حسب الالتزام أو عدم الالتزام بالأجندة المسمّاة الاستثمار «البيئي-الاجتماعي-الحَوكَمي» أو ESG اختصاراً الذي حقق أرباحاً طائلة لوول ستريت وأصدقائها. وفي سنة 2020 انخفض الاستثمار في النفط والغاز والفحم على مستوى العالَم بمقدار 1 ترليون دولار، في ظل دفع أجندة المنتدى الاقتصادي العالمي نحو تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. ولكن هناك إشارة استفهام كبيرة حول ما يبدو تركيزاً مفرطاً على دفع الدول بشكل غير متوازن باتجاه تبني طاقات ضعيفة الكفاءة ومتقلبة مثل الريحية والشمسية بدل تطوير المصادر الأكثر كفاءة واستقراراً مثل النووية. تقول منظمة الطاقة الدولية بأنّه بين عامي 1970 و2013 أسهمت الطاقة النووية لوحدها بنسبة 41% من كمية تقليص انبعاثات العالم الكربونية بسبب التحول للطاقة البديلة، في حين لم تساهم الطاقة الشمسية والريحية سوى بـ 6% فقط من هذا التقليص للانبعاثات!
في مطلع العام الجاري 2021 أغلقت الحكومة الألمانية 11 محطة طاقة تعمل بالفحم بطاقة إجمالية 4.7 غيغاواط، والهدف المعلن هو تقليص الطاقة الملوّثة والعالية الانبعاثات، ولكن ذلك يتناقض مع خطوات أخرى للقضاء على مصدر نظيف بالفعل وصفريّ الانبعاثات ألا وهي الطاقة النووية، فبعد أن كانت ألمانيا عام 2002 تعتمد على الطاقة النووية لتوليد 31% من الطاقة الكهربائية الخالية من الكربون، سوف تغلق آخر محطة نووية ألمانية في عام 2022 بعد أن تبنّت حكومة ميركل في 2011 نموذج للطاقة طوره «المجلس الاستشاري الحكومي للبيئة» (SRU) والذي ادعى أن ألمانيا يمكن أن تحقق 100% من توليد الكهرباء المتجددة بحلول عام 2050 زاعماً أنّ استخدام الطاقة النووية لفترة أطول لن يكون ضروريًا، ولا بناء محطات تعمل بالفحم مع احتجاز الكربون وتخزينه (CCS). حتى الطاقة الريحية لم تستطع الحكومة فرضها بسهولة بسبب تمرّد المواطنين ضد التلوث بالضجيج ما دفع الحكومة الألمانية لقرار تفكيك 6000 عنفة ريحية بسعة مركبة 16 غيغا واط في عام 2022. وكان الرد من المفوضية الأوروبية في بروكسل، بدلاً من الاعتراف بالعيوب الصارخة في طريقة تطبيق «أجندة الطاقة الخضراء»، بأن ادّعى «قيصر المناخ» في الاتحاد الأوروبي، فرانس تيمرمانس: «لو حصلنا على الصفقة الخضراء قبل خمس سنوات، لما كنا في هذا الموقف لأننا حينها سيكون لدينا اعتماد أقل على الوقود الأحفوري والغاز الطبيعي».
مع ذلك أجبرت أزمة الطاقة الكثيرين على إعادة النظر بالطاقة النووية، فبينما ترفض ألمانيا وبلجيكا رفضًا قاطعًا محطات الطاقة النووية، بدأت عشر دول أوروبية أخرى بينها بريطانيا، وبقيادة فرنسا، بالفعل بالضغط من أجل الاحتفاظ بها، داعية إلى إدراج الطاقة النووية في قائمة المفوضية الأوروبية للصناعات التي تساعد في تقليل الأضرار البيئية. وأعلنت الصين عزمها بناء 150 مفاعلاً نووياً بحلول عام 2050، وانتهز ماكرون اللحظة ليعلن أن مستقبل الطاقة والبيئة مرتبط بالطاقة النووية، مخصصاً مليار يورو لبرنامج مفاعل صغير وعلى وشك إعطاء الضوء الأخضر لبناء 6 مفاعلات ماء مضغوط. ويرى الخبير السياسي الروسي فاليري كوليكوف أنّ «قرارات بريطانيا وفرنسا لإعادة بناء محطات الطاقة النووية تمنح روسيا حليفين قويين في الجدل العالمي حول إزالة الكربون، حيث يعتبر الاعتراف أو عدم الاعتراف بالطاقة النووية على أنها نظيفة أحد الموضوعات الرئيسية».
«الكسب المتبادل» ضد «التبادل اللامتكافئ»
لا يعني الكلام أعلاه بأنّ بلاد الشرق لا تعاني من أزمات ومنها أزمات الطاقة، ولكن دورها في تقسيم العمل الدولي وغناها بمصادر الثروات الطبيعية ربما انقلب جزئياً في سياق هذه الأزمة من «لعنة» عليها إلى «لعنة» على مستغلّيها التاريخيين في الغرب، بحيث تدفعنا الأزمة الحالية أيضاً إلى إعادة التفكير فيما آل إليه «التبادل اللامتكافئ» كأحد آليات النهب الإمبريالي، بحيث نفترض بأنّ أحد أسباب أزمة الطاقة الأوروبية الحالية له علاقة إلى حد ما بالتغيرات الجديدة في علاقات التعاون «جنوب-جنوب» و«الكسب المتبادل» بين قوى الشرق الصاعدة والتي قطعت خطوات مهمة باتجاه التحرر من الاستغلال الإمبريالي لها، وذلك عبر تعزيز الاتفاقيات البينية وتعاونها الاقتصادي.