«نتفليكس» وتبييض جرائم النازيين
من أفلام شبكة Netflix فيلم شهير عام 2016 كشف حقاً عن ماهية دول الناتو، وجذور سياساتها الخارجية الحالية ومعاملة شعوبها. إنه فيلم يبرّر همجية آلة الحرب الأمريكية وحلف شمال الأطلسي، ويحاول تحريف الحقيقة حول الحرب العالمية الثانية، التي لم تنته أبدًا بالنسبة لهم ولأصدقائهم النازيين، ولكنها تحولت إلى «الحرب الباردة».
ترجمة وإعداد: قاسيون
الفيلم يحمل عنوان «شرَفِي كان ولائي» My Honor Was Loyalty ويبدو أنه يمكن أن يكون عنواناً لأي فيلم حرب، ولكن له معنى خاص لأنّ هذه العبارة لم تكن سوى شعار وحدة النخبة والقمع النازية الهتلرية «إس إس» SS وهو التشكيل العسكري من الحزب النازي الألماني والفاشيين من جميع أنحاء أوروبا. وكانت هذه الوحدة هي الحارس الشخصي لهتلر.
حسناً، قد يقال لا تحكم عليه من العنوان، فهل هذا الفيلم يفضح جرائم الحرب العديدة التي ارتكبتها تلك الوحدة في الحرب العالمية الثانية؟ وهل يظهر ما فعلوه في روسيا وإيطاليا وفرنسا؟ لا، بدلاً من ذلك، إنه تصوير مصمم لزيادة «تعاطفنا»، لرؤية هؤلاء المجرمين كأبطال يقاتلون من أجل «الوطن»، وتصورهم على أنهم «الأرواح المفقودة التي خانها زعماؤهم في نهاية المطاف»، أو «الذين ليست جرائمهم أسوأ من جرائم الجيوش الأخرى». ترتبط مشاهد المعارك الحية بانعكاسات حزينة لرجال القوات الخاصة عن حياتهم وزوجاتهم وآمالهم ومخاوفهم. كان هتلر سيحب كل ثانية منه لو تسنى له مشاهدته.
لكن ما حقيقة هذه الوحدة الفاشية التي قام المخرج الإيطالي أليساندرو بيبي Alessandro Pepe، الذي يعيش الآن في الولايات المتحدة، بتحويلها إلى مجموعة من «الأبطال المحبوبين»؟ ما الذي تم محوه من التاريخ؟
تبدأ الحقيقة بتشكيل الوحدة كحارس شخصي لهتلر في عشرينيّات القرن الماضي. في عام 1933، في الذكرى العاشرة لانقلاب Beer Hall، الذي حاول فيه هتلر الاستيلاء على السلطة في انقلاب فاشل، أقسم رجال الوحدة قسم الولاء الشخصي لأدولف هتلر وتم تحويلهم إلى تشكيل عسكري. عند قسم الولاء لهتلر، تلقت الوحدة اسم Liebstandarte Adolf Hitler، أو «الحارس الشخصي لهتلر». بعد مرور عام، أضاف رئيس قوات الأمن الخاصة، هاينريش هيملر، الأحرف الأولى من اسم SS إلى اسم الوحدة لتوضيح أنها لم تكن جزءًا من الجيش النظامي أو «جيش الإنقاذ» الذي لا يزال موجودًا. وتحت قيادة قائدها، سيب ديتريش، تباهت الوحدة الخاصة بنفسها باعتبارها وحدة نازية، ثم أعلنت، في أول تحرك لها، ما ستكون عليه منذ ذلك الحين: عصابة منظمة من السفاحين والقتلة.
في 30 حزيران/يونيو 1934، أمر هتلر الوحدة باعتقال أعضاء منظمة SA بقيادة إرنست روم، التي كانت تتنافس على السلطة معه في المنظمة النازية ككل. في الأول من يوليو عام 1934، أمر هتلر الوحدة بالعمل كفرقة موت وقتل رجالها أكثر من مائة شخص آخر مرتبطين بجيش العاصفة.
بعد أن أثبتت استعدادها لارتكاب جريمة قتل نيابة عنه، تم توسيع حجم الوحدة بعد ذلك وأصبحت «حرس الشرف» في العديد من تجمعات هتلر وشاركت في الاستيلاء على عدد من الأراضي التي أرادها هتلر، بما في ذلك سارلاند، وسوديتنلاند. في غزو بولندا عام 1939، اشتهرت الوحدة بحرق قرى بأكملها لترويع السكان، وبسبب إطلاق النار على أكثر من 200 رجل وامرأة وطفل في زلوتشي، وارتكاب فظائع في عدد من المدن الأخرى.
في نيسان/أبريل 1941 كانت «إس إس» الوحدة الألمانية الرائدة في غزو واحتلال اليونان، ثم تم نقلهم للانضمام إلى وحدات أخرى لغزو الاتحاد السوفيتي، في عملية بربروسا. وفقًا لتقارير صحفيّيها أنفسهم، قتلت الوحدة 4000 أسير حرب سوفييتي في 18 آب/أغسطس 1941. أثناء القتال في خاركوف وفي آذار/مارس 1943 اشتهرت بقتل الجنود السوفييت الجرحى الذين تم العثور عليهم في مستشفى عسكري. قُتل عدة مئات من الجرحى السوفييت في ذلك المستشفى وتم إعدام سجناء آخرين بشكل روتيني خلال عملياته.
في 17 شباط/فبراير 1943 أحرق رجالها قريتي يفريموفكا وسيميونوفكا، مما أسفر عن مقتل 872 رجلاً وامرأة وطفلًا، من بينهم 240 شخصًا أحرقوا أحياء في كنيسة في يفريموفكا. أُطلق على الكتيبة التي ارتكبت هذا العمل الوحشي اسم «كتيبة Blowtorch».
نُقلت هذه الوحدة إلى إيطاليا في أيلول/سبتمبر 1943، وقتلت 49 لاجئًا بالقرب من بحيرة ماجوري وقتلت 34 مدنياً في قرية بوف. وألقي بعض الضحايا في البحيرة في الماء وأيديهم وأرجلهم مقيدة. ثم انتقلوا إلى فرنسا عام 1944 وقتلوا مدنيين فرنسيين في قريتي تافو وبلوميون. كما أسروا 11 جنديًا أمريكيًا أسود من كتيبة المدفعية 333 في اشتباك آخر. عندما تم العثور على جثثهم، كانت أصابعهم مقطوعة وسيقانهم مكسورة.
هذه هي الوحدة التي يريدنا أليساندرو بيبي أن نتواصل ونتعاطف معها. يشير الفيلم إلى تعرض الأسرى للذبح في معسكرات الموت، لكن الرجال رفضوا القصص ووصفوها بأنها لا تصدق. إنه تشويه كبير لأننا نعرف أن هؤلاء الرجال ذبحوا م في مواطنين في روسيا وألمانيا. إطلاق النار على السجناء «معذور» لأن الأمريكيين كانوا «أسوأ» و«استحقه السوفييت». قتل المدنيين لم يذكر أبداً. بدلاً من ذلك، نشاهد هؤلاء الشباب وهم يمشون في الحقول الجميلة في أوكرانيا ونعلق على كيفية تخريب جمال الطبيعة من آثار الحرب، أو في إيطاليا يتنهّدون من جمال المناظر الطبيعية في توسكان وفي فرنسا، في الريف الفرنسي، تم إظهارهم متحمسين مثل الشعراء. لكن في روسيا، ماذا نرى؟ جنود الجيش الأحمر يتم تصويرهم بـ«حثالة البلاشفة» والسجناء يتعرضون للضرب المبرح حتى الموت بأعقاب البنادق.
هذا فيلم يصنع من القتلة «أبطالاً» ومن النازيين «شعراء رومنسيين»، فيلم مصمم لتشويه التاريخ، في الواقع لمحو التاريخ وإعادة كتابته حتى يكون النازيون محبوبين بل ومن المرغوب أن يكونوا من حولهم. علماً بأنه في القانون حالياً في ألمانيا والنمسا من غير القانوني استخدام شعار هذه الوحدة واستخدامها للترويج للنازية، ولكن هذا ما يفعله بالضبط المخرج بيبي Pepe، وما تفعله شبكة Netflix.
ولكن كيف يمكن أن يتم تمويل فيلم كهذا وإنتاجه ثم عرضه على شبكة رئيسية؟ لأن حكومات دول الناتو تتكون من أناس يشاركون النازيين معتقداتهم. معادون للشيوعية والعمال، على الرغم من ادعائهم خلاف ذلك ما دامت «إسرائيل» تفعل ما يريدون، وتشترك في شهوة هتلر نفسها للهيمنة على العالم، وعلى استعداد لاستخدام البربرية نفسها لإرهاب العالم والسيطرة عليه.
قامت دول الناتو بتثبيت ودعم نظام في أوكرانيا موبوء بشدة بالنازيين. كندا لديها وزيرة خارجية تنفي أن يكون جدّها متعاوناً مع نازيّ ساعدَ قوات الأمن الخاصة في اعتقال اليهود في أوكرانيا على أساس عنصري. وعلى الرغم من وجود تعبيرات زائفة عن الاستياء من هذا، فإن هذه الحكومات نفسها تشجع صعود اليمين المتطرف من خلال قمع الأحزاب اليسارية، ودفع الناس إلى الأحزاب «الديمقراطية الاجتماعية» اليمينية بشكل أساسي، وطرح تاريخ زائف للاشتراكية في تلك البلدان، والتأكد من أن يحصل اليمين المتطرف على الكثير من التغطية الإعلامية.
قادة اليمين المتطرف، متنكرون بزي ليبراليين، يشاهدوننا ننجرف إلى اليأس من ظروفنا، مدركين أن الناس يبحثون عن أي إجابة وقد يتعلّقون بقشّة، لكن يُطلب منهم عدم النظر إلى اليسار، بل إلى أقصى اليمين.
صرح رئيسا الوزراء البريطاني والكندي في ذكرى الغزو النازي لبولندا عام 1939 أنّ الاتحاد السوفييتي كان هو المعتدي على بولندا عندما غزت الجيوش الألمانية، وأن بولندا وقعت بين «طغيانين»، الكذبة الكبرى منذ الاحتلال البريطاني والفرنسي. ورفض الأمريكيون الطلبات السوفييتية بتشكيل تحالف ضد هتلر لأنهم كانوا يشجعون هتلر على مهاجمة الاتحاد السوفيتي. اضطر الاتحاد السوفياتي إلى حماية نفسه ضد الفاشيين، لحماية الثورة التي أخرجت العمال والفلاحين في روسيا من براثن الفقر إلى حياة جديدة، وهو النضال الموصوف بوضوح في وصف إيليا إرينبورغ لمقاومة الشعوب السوفيتية للنازية. وصف الغزو بشكل جيد في روايته، العاصفة. ومع ذلك، في جميع أنحاء أوروبا الشرقية، تم تدنيس أو هدم النصب التذكارية لرجال ونساء الجيش الأحمر الذين لقوا حتفهم في القتال ضد الجيوش النازية بينما ترفع تماثيل البلطجية النازيين. ولم يتم إخبار الناس أبدًا أن النازيين كانوا رأسماليين في حالة هياج، وأنهم كانوا وما زالوا وجه الرأسمالية وقد خلعوا القفازات. لا، ليس هناك نصب تذكاري لجرائم الرأسماليين. والآن لدينا أفلام تثني على قوات الأمن الخاصة معروضة لملايين الأشخاص ولم تقال كلمة واحدة، حتى الآن.
لقد رأينا وحشية النازيين، الدعاية نفسها في هجمات الناتو على يوغوسلافيا والعراق وأفغانستان وليبيا وسورية وإيران وفنزويلا وروسيا والصين. الوحشية نفسها، الازدراء نفسه للقانون وللسلوك الحضاري. وللأهداف نفسها، لكسب المال بالسرقة والقتل.
اعتقدنا أن الجيش الأحمر هزم الفاشية إلى الأبد في عام 1945، لكن يبدو أنّ علينا أن نقاتلهم مرة أخرى.
بتصرّف عن: The Whitewashing of The Nazis (الكاتب كريستوفر بلاك: محامٍ جنائي دولي مقيم في تورنتو (كندا). وهو معروف بدفاعه عن ضحايا عدد من قضايا جرائم الحرب البارزة، وقد نشر روايته «تحت الغيوم» يكتب مقالات عن القانون الدولي والسياسة والأحداث العالمية).