تعثّر «إيفرغراند» وفرصة تثبيت نهج الشيوعي الصيني
مظاهر الاعتصام التي قام بها مستثمرون غاضبون في مكاتب مختلفة لواحدة من أكبر شركات العقارات الصينية: إيفرغراند Evergrande، والاشتباكات بين المتظاهرين وسلطات إنفاذ القانون، أعطت مصداقية لوجهة النظر التي تقول بأنّ هذه المسألة تشكّل تحدياً للحزب الشيوعي الصيني، وبأنّ بكين لا تترك أزمة جيدة تذهب سدى.
ترجمة: قاسيون
لقد أصبحت الشركة واحدة من أكثر الشركات مديونية مع أعباء بقيمة 300 مليار دولار، ما أدّى لإهلاك تصنيفها الائتماني وسعر سهمها. والذي على المحك أيضاً هو مبانٍ سكنية غير مكتملة وأكثر من مليون مشتري منازل دفعوا جزئياً ليتمكنوا من امتلاك منازلهم. كما أحدثت هذه التطورات موجات صادمة في جميع أنحاء الاقتصاد الصيني، مع انخفاض في أسعار سوق الأسهم الصينية بنسبة 9% – وهو أدنى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
بعد النجاحات الهائلة التي حققتها الصين تحت قيادة تشي، كان التحدي هو تنظيف آثار الفساد الذي رافق الانفتاح الاقتصادي، والفوضى المرتبطة بالديون. إرث الديون مرتبط بشكل وثيق بالنموذج الاقتصادي الصيني الذي أطلق عليه الباحث وانغ جيان اسم «التداول الدولي». بموجب هذه الاستراتيجية، تستفيد الصين من عمالتها الهائلة في سلاسل الإنتاج العالمية من أجل الشروع بنمو تقوده الصادرات. كان هذا هو المبدأ التوجيهي للصين حتّى بداية الألفية الحالية. بحلول 2015 كانت الصين تملك شبه احتكار لتصنيع الإلكترونيات والأدوات الكهربائية المنزلية، مع قيام مصانعها بتجميع وإنتاج قرابة 80% من الكمبيوترات ومكيفات الهواء، و90% من الهواتف المحمولة. لكنّ «المعجزة الاقتصادية» عنت أن على الصين أن تضخّ المزيد من الائتمان للشركات للحفاظ على القدر ذاته من الإنتاج.
صراع رؤيتين
عندما حررت الصين اقتصادها في السبعينيات، بات تمجيد الثراء هو العقيدة السائدة. استقال الكثيرون من وظائفهم الحكومية لاستكشاف بحر الفرص التجارية. في هذه البيئة السياسية والاجتماعية، استقال تشو جياين من عمله وهو بسنّ الثلاثين، وبدأ «مجموعة إيفرغراند» في شينزن التي كانت في ذلك الوقت مركزاً لنشاط البناء المحموم. مع الانفتاح الاقتصادي وفتح الباب واسعاً لعضوية رجال الأعمال في الحزب الشيوعي، تمكن أمثال تشو من جمع ثروة، والارتباط بعلاقات وثيقة مع نخب الحزب الشيوعي الصيني. ذكرت صحيفة فوربس في 2017 أنّ تشو هو أثرى شخص في الصين.
تسببت الأخبار بشراء تشو لعقار بقيمة 39 مليون دولار في ضواحي أستراليا بإثارة ضجة. لكنّ مشترياته وعلاقاته بنخب الحزب الشيوعي لم تكن الأشياء الوحيدة التي تصدرت عناوين الأخبار. فبصفته عضواً في المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني في عام 2012، حضر تشو الإجراءات التشريعية لدورتين، مرتدياً حزاماً مصنوعاً من علامة فرنسية فارهة. انتشرت صوره بشكل كبير على منصات الإنترنت الصينية، وأكسبه هذا لقباً ساخراً «الأخ الحزام».
لكن في الوقت الذي يكون فيه للالتقاء بين المصالح التجارية والنخب السياسية نفع لقلّة من الناس في أوقات الازدهار، فهي تتسبب بنزاعات طبقية سياسية في الأوقات الصعبة. كمثال: سلّط تفشي وباء كوفيد-19 الضوء على الفجوة المتزايدة في الثروة في الصين، ما يمنح الحزب الشيوعي الصيني الإشارة للتحرّك. يرى الحزب بأنّ رجال الأعمال قد تحولوا إلى مجموعات ضغط، وهو غير راضٍ عن حجمهم السياسي. ضمن هذا السياق كان على مؤسس «علي بابا» جاك ما وشركته «Ant Group» البالغة قيمتها 35 مليار دولار أن يتلقى صفعة بعد محاولته انتقاد المسائل المالية.
في أيلول احتفل المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني بمئوية رجل الصناعة سون فولينغ. من بين إنجازات فولينغ التي تمّ تسليط الضوء عليها هي دوره في إعادة بناء وتأميم الصناعة وسط ويلات الحرب الأهلية. في كانون الثاني 2021 اجتمع المكتب السياسي للحزب لمناقشة الاقتصاد سعياً «لمنع التوسّع غير المنضبط لرأس المال». تمّ استخدام هذه الكلمات في الكثير من المناسبات، ومن أهمها شرح السلطات لاتخاذها إجراءات صارمة بحقّ كبار شركات التعليم الإلكتروني والتكنولوجي. «إعادة التعيين الأحمر» تعني منح درجة كبيرة من الحرية للحزب عندما يتعلّق الأمر بمعالجة مخاطر التمويل في الاقتصاد الصيني، والتعامل مع المحسوبيات التي تتفشى بازدياده.
حقائق داخلية
يرتبط نجاح إيفرغراند في مجال العقارات بالهوس الصيني بالاستثمار في العقارات. فنظراً لأنّ خيارات الاستثمار في الصين محدودة، تشكّل الاستثمارات في العقارات ما يقرب من 40% من أصول الأسر الصينية. الأسرة المدينية تملك وسطياً 1.5 ملكية عقارية، والممتلكات المدينية هي الأعلى في العالم. شينزن، وهي مركز الكثير من الشركات التكنولوجية، أعلنت عن قيود على شراء العقارات، فعلى الرغم من التباطؤ الاقتصادي، ارتفعت أسعار المنازل فيها بنسبة 11.4% في النصف الأول من هذا العام.
يدرك الحزب الشيوعي بأنّ المضاربة العقارية تؤذي مسار نمو الصين مع ارتفاع أسعار المساكن في شينزن. للأمر تأثير المتتالية على الأجور التي تجثم على قدرات الصين التنافسية. كما أنّ أسعار المنازل يؤثر على حجم الأسرة، الأمر الذي يؤذي خطط الصين المستقبلية.
أعلن الحزب نواياه بالانتقال إلى نمط تطوير عقاري جديد: التداول المزدوج. يريد الحزب من الابتكار أن يقود مستقبل الأمّة الاقتصادي، لا أن يتم تعزيز القطاع العقاري بشكل عابر. ولهذا أشارت بكين إلى ترددها في إنقاذ إيفرغراند، ووجهت السلطات المحلية للتفاوض من أجل إتمام المشاريع العقارية غير المكتملة والاستيلاء عليها، بهدف تجنّب أيّ انعكاسات اجتماعية سلبية.
دائنو الشركة الأجانب هم أكثر من سيتحمل عبء انهيار الشركة. في الوقت ذاته، تسعى بكين إلى توفير المزيد من الفرص لتوجيه استثمارات الشعب بعيداً عن السوق العقارية، حيث أعلن تشي جينغ بينغ عن خطط افتتاح سوق للأسهم في العاصمة بهدف دعم الشركات التي تعتمد على الابتكار الموجه نحو التكنولوجيا.
بالنسبة للحزب، وهو الذي جعل بكين تلتزم الصمت حيال مسألة تعثر إيفرغراند عن سداد الديون، ما تسبب بتعثر مؤشرات الأسهم في جميع بورصات العالم، فوضع إيفرغراند الحالي يخدم عدداً من المسائل: أولاً: يرسل رسالة حول مدى ترسّخ الصين في النظام العالمي، وكيف يمكن أن يضرّ تراجعها بالانتعاش الاقتصادي للدول الأخرى. ثانياً: ضرب قلب شبكات المحسوبية الاقتصادية للمرحلة السابقة. ثالثاً: يشير إلى أنّ الحزب جادّ في تغيير استراتيجيته للتنمية الاقتصادية، وإلى النيّة بتوجيه رأس المال إلى ابتكارات تكنولوجية حقيقية بما يخدم السياسات الاجتماعية. رابعاً: في المؤتمر الوطني في 2022 الذي يعقد مرّة كلّ عقد، من المهم أن يكون لدى القيادة الحالية نجاحات ملموسة تثبت فيها صواب نهجها، ويبرر التغييرات الحاصلة، وليس أهمّ من القدرة على كبح جماح الشركات الخاصة يبرر تطبيق النهج الحالي.
بتصرّف عن: Evergrande And Xi’s Grand Vision – Analysis