وداعاً للحلف الأمريكي-الأوروبي، والأوروبي-الأوروبي ربّما
اتهم كبار قادة الاتحاد الأوروبي يوم الإثنين صراحةً الرئيس الأمريكي بعدم الولاء للحلف العابر للأطلسي، وطالبوه بتوضيح سبب تضليله لفرنسا وبقيّة الحلفاء الأوروبيين فيما يخصّ الاتفاق الاستراتيجي مع بريطانيا وأستراليا، وما نجم عنه من مقاطعة مصالحة فرنسا في صفقة الغواصات النووية مع أستراليا. أثار الامتعاض والتوبيخ الاستثنائيين من نخب الأوروبيين للرئيس بايدن، وهو المناقض للتهليل الذي حدث أثناء توليه بدلاً من ترامب، احتمال حدوث خرق خطير وطويل الأمد بين القوى الغربية.
ترجمة : قاسيون
قال رئيس المجلس الأوروبي تشارلز مايكل للصحفيين في نيويورك أثناء اجتماع زعماء العالم للتناقش في الجمعية العامة للأمم المتحدة: «مع إدارة جو بايدن الجديدة، عادت أمريكا. ما الذي يعنيه أن تعود أمريكا؟ هل عادت أمريكا إلى أمريكا، أم إلى مكان آخر؟ لا نعلم».
كان ميشيل واضحاً في التعبير عن غضبه من إعلان الأمريكيين اتفاقهم الاستراتيجي مع البريطانيين والأستراليين بعد ساعات فقط من مباحثات مجموعة السبع في بريطانيا، دون التشاور مع حلفائها للبقاء متحدين في القضايا الدولية، وتحديداً مقارعة الصين.
أضاف ميشيل: «المبادئ الأساسية لأيّ تحالف هي الولاء والشفافية. ونحن نشهد نقصاً واضحاً في الولاء والشفافية». معتبراً بأنّ الأمر لا يجوز اعتباره مجرّد مصلحة مالية فرنسية، بل جزءاً من عدم الاكتراث بالحلفاء الأوروبيين ومصالحهم الذي بدأ منذ أيّام الرئيس بوش الابن، ويستمرّ حتّى اليوم.
بدورها أورسولا فون دير-لين، رئيسة المفوضية الأوروبية، أعربت عن استيائها، وطالبت الرئيس بايدن بتفسير للمعاملة «غير المقبولة» للفرنسيين: «إحدى الدول الأعضاء تمّت معاملتها بطريقة غير مقبولة، لذلك نريد أن نعلم ما الذي حدث وسبّب حدوثه. ونريد التوضيح قبل الاستمرار بالأعمال كالمعتاد».
أشار تعليق فون دير-لين إلى احتمال تعطّل الاجتماع الأول المخطط له بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة: مجلس التكنولوجيا والتجارة، الأسبوع القادم، وهو الحدث الذي كان يفترض به أن يستعرض الشراكات المتجددة بين بروكسل وواشنطن.
قدمت فرنسا اقتراحاً بإلغاء اتفاقية التجارة الحرّة بين الاتحاد الأوروبي وأستراليا.
ماذا داخل البيت الأوروبي؟
رغم ذلك بدا بعض قادة الاتحاد الأوروبي غير مستعجلين للدفاع عن «الشرف الفرنسي»، والذي شككوا في كونه سبباً كافياً لتمزيق العلاقات مع الولايات المتحدة، وزرع الانقسامات التي يمكن أن تضعف الناتو.
أعرب بعض الدبلوماسيين الأوروبيين والمسؤولين في الاتحاد الأوروبي عن قلقهم من قيام فرنسا بجرّ بقية القارة إلى معركة غير ضرورية فقط لأنّ غرورها الوطني تعرّض لكدمة.
قال أحد المسؤولين من غرب أوروبا في محاولة للتنصّل من الاشتراك في الحادثة: «إنّها قضيّة ثنائية بشكل رئيسي، وليست مسألة أوروبية». أكّد أحد الدبلوماسيين الاسكندنافيين أنّ هناك بعض القلق من كون باريس تضخّم الأمر بشكل مبالغ به، وشكك بأنّ ردّة الفعل الفرنسية هي للاستهلاك المحلي.
لكن مع اقتراب رحيل أنجيلا ميركل – وهي التي كانت تمثّل وجه الاتحاد الأوروبي، كان الجميع يتطلع إلى الرئيس الفرنسي ماكرون – الذي بقي صامتاً دون تعليق على ما حدث – للمساعدة في سدّ بعض الفجوة، خاصة وأنّه رئيس ثاني أكبر دولة في الاتحاد. يدفع هذا البعض إلى التشكيك بأنّ ماكرون، وهو الداعي إلى «الاستقلال الاستراتيجي» لأوروبا، سيحاول الاستفادة ممّا حدث للمضي قدماً في الدعوة إلى التضامن الأوروبي.
لكن كما سيقوي هذا الحدث الدعوات الفرنسية، فهو كذلك سيقوي الشكوك التي كانت تجول في خاطر نخب بعض الدول الأوروبية حول دوافع هذه الدعوات، حيث كان العديد ينظرون إلى الدعوات الفرنسية للاستقلال الاستراتيجي بوصفها حملة «اشتروا الأشياء الفرنسية» بالنيابة عن الشركات العسكرية الفرنسية.
نخب دول أوروبا الشرقية تحديداً تخشى دعوات الاستقلال الاستراتيجي، وحجتها أنّها يمكن أن تقوّض الناتو وبأنّ أوروبا غير قادرة على الدفاع عن نفسها أمام روسيا دون الولايات المتحدة.
لكن اليوم ستكون أستراليا هي كبش الفداء، وستحمل وزر التمزّق في قماشة العلاقات الأوروبية الأمريكية المُـتَهرِّئة، حيث ستتصرف فرنسا لضربها في أماكن مثل التجارة والتشريعات...إلخ، ولن تقف المفوضية الأوروبية في هذا الأمر ضدّ فرنسا.
يبقى علينا أن ننتظر ونرى ما الذي سيحدث للنخب الأوروبية التي تريد الاستمرار في الوقوف إلى صفّ الولايات المتحدة في القضايا ضدّ روسيا والصين، ولكنّها غير قادرة على تجاهل تيّار «الاستقلال الاستراتيجي الفرنسي».
بتصرّف عن: EU leaders accuse Biden of disloyalty to allies