المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية أزمات في ظل الاستمرار
حلمي موسى حلمي موسى

المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية أزمات في ظل الاستمرار

لم يستطع أحد أن يلخص أسبوعا بكامله من التهديدات والإثارة والخطوات الصارخة في المفاوضات الإسرائيلية الأميركية وأن يقول لنا: هل انهارت المفاوضات أم أنها ستعود بشكل أقوى. البعض يعطي تقديرا بأن المفاوضات لا يمكنها أن تنهار لأنها في الأصل لم تنشأ بغرض التوصل إلى حل. وهي في نظر هؤلاء مجرد وسيلة من وسائل إدارة الأزمة ينتظر عبرها الطرفان حدوث تغييرات في الإقليم وفي العالم تسمح بحل أكثر «إيجابية» في نظر كل طرف. وبعض آخر كان شديد الفرح لأن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود الأمر الذي يؤكد صحة الموقف الذي اتخذه طوال الوقت من المفاوضات. وبديهي أن هذا البعض يؤمن أن المفاوضات انهارت وأن الخطوات التالية ستعزز الشرخ بين الفريقين المفاوضين.

وبالمقابل فإن الإدارة الأميركية تبدي إشارات تعزز رأي هذا الفريق أو ذاك من دون أن تسمح لأحد بأن يحسم الصورة المتشكلة للنتيجة: هل انهارت المفاوضات أم ستعود بشكل أقوى. من يسمع كلام مسؤولين أميركيين في الخارجية الأميركية عن العودة بقوة إلى المفاوضات لأن الطرفين يريدانها يعتقد أن المسألة مجرد أيام وتعود الأمور إلى النقطة التي توقفت عندها. أما من يسمع كلام آخرين، خصوصا في مجلس الأمن القومي، فيعتقد أن أميركا دخلت مرحلة إطلاق التهديدات إيمانا منها بأن العملية السياسية في نزعها الأخير.

والواقع أن جوهر التحليل القائل بأن المفاوضات حاجة إسرائيلية وفلسطينية ودولية لا يزال صائبا. وهذا يعني أن الخروج من دائرة المفاوضات ليس مطلبا لأي من الجهات النافذة في السلطة الفلسطينية ولا في الحكومة الإسرائيلية وبالتأكيد ليس في الإدارة الأميركية التي تلعب باسم قوى أخرى دور الوسيط. ولهذا السبب يبدو أن المنطق يشير إلى أن اضطرار الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني للوقوف أمام عواقب أفعالهما «من طرف واحد» ربما سيجبرهما على المزيد من الحذر. فالخطوة الفلسطينية بالانضمام إلى 15 معاهدة دولية كانت رد الفعل، الأضعف إيمانا، والتي فاجأت الحكومة الإسرائيلية، كانت واحدة من بين خطوات أكبر هدد الفلسطينيون باتخاذها وبينها الانضمام لـ 63 منظمة دولية.

غير أن التهديد الأهم هو ما دار داخل الغرف المغلقة حينما بدأ المفاوض الفلسطيني المجادلة ليس بوصفه ممثل السلطة الفلسطينية وإنما منظمة التحرير. فقد جرى الحديث عن أن مدخل المفاوضات هو المرجعية متمثلة بحل الدولتين وليس النقاش حول أي من القضايا الفنية المتعلقة بالأسرى والحواجز والمنطقة «ج». ويمكن الافتراض أنه يصعب على المفاوض الفلسطيني البقاء عند هذا الموقف رغم أنه كان الوحيد المعبر عن ضيق الفلسطيني باستمرار فرض الوقائع الاستيطانية على الأرض والمماطلة في المفاوضات من دون موقف دولي داعم بقوة. كما أن التهديدات الإسرائيلية بفرض عقوبات على السلطة قوبلت، ضمن حالة الغضب، بتهديد بمطاردة مجرمي الحرب الإسرائيليين وصولا إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وليس صدفة أن يتبادل الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني التهديدات حتى المعدوم منطقيتها. فوزير الاقتصاد الإسرائيلي هدد بتقديم دعوى ضد قادة السلطة الفلسطينية إلى المحاكم الدولية بتهمة اقتراف جرائم حرب. وهذا يشهد على أن حالة «الإقناع الذاتي» بلغت عند بعض الإسرائيليين أقصى درجاتها بحيث يقلب الصورة رأسا على عقب ويجعل الفلسطيني محتلا ومستعبدا للإسرائيلي وليس العكس. وهو يقول انه إذا أراد الفلسطينيون الذهاب للأمم المتحدة، وهو أشد تهديد لديهم، فعلى إسرائيل أن تدفع لهم ثمن التذاكر.

ولكن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كان أعقل بعض الشيء وهو يتحدث عن الأفعال الإسرائيلية بوصفها ردود أفعال «من طرف واحد» على الأفعال الفلسطينية. إذ أشار إلى أن «الخطوات الفلسطينية من طرف واحد سيرد عليها بخطوات إسرائيلية من طرف واحد». وشدد على أن مسؤولية تفجير المفاوضات تقع على كاهل الرئيس الفلسطيني محمود عباس لانتهاكه التفاهمات وتوجهه للمحافل الدولية واستدرك «أننا جاهزون لمواصلة المحادثات، ولكن ليس بكل ثمن».

ومعروف أن الطرف الإسرائيلي يشهد نوعا من الخلاف حول المسؤولية عن تفجير الأزمة الأخيرة. إذ أشارت رئيسة الطاقم الإسرائيلي المفاوض، تسيبي ليفني إلى مسؤولية وزير الإسكان أوري أرييل عن تحميل إسرائيل مسؤولية إفشال المفاوضات بإعلانه عن عطاء لبناء مئات الوحدات في مستوطنة جيلو وبغرض تفجير أزمة.

عموما من المؤكد أن المفاوضات دخلت مرحلة الأزمة الشديدة.

عموما كان من المقرر أن يعقد مساء أمس في القدس المحتلة لقاء جديد بين الوفدين الإسرائيلي والفلسطيني بحضور الطاقم الأميركي. وعلى الأغلب فإن أميركا التي حاولت خلال الأيام الماضية ترطيب الأجواء بين الطرفين ستحاول منع تكرار ما حدث في اللقاء السابق حين علا الصراخ وتبودلت الاتهامات. وليس مستبعدا أن تقود الجلسة الأخيرة إلى انفراجة في الأجواء حتى لو لم تصاحبها عودة سريعة إلى مسار «صفقة بولارد».

فالتشاؤم الذي يبديه كثيرون خصوصا في أميركا ليس أكثر من وسيلة ضغط إضافية يمارسونها على الطرفين المضطرين للقبول بمفاوضات لا تقود إلى حلول لكنها تسهل على الجميع إدارة شؤونهم في اللحظة الراهنة. ومعروف أنه من الوجهة الرسمية لا تزال مهلة الشهور التسعة للتفاوض سارية وتنتهي في أواخر الشهر الجاري. وهذا يعني أن هناك ما لا يقل عن ثلاثة أسابيع يمكن خلالها البحث عن سبل لتلافي انهيار المفاوضات.

المصدر: السفير