(شاي ليفي) يستحضر (القنبلة 20) مهدداً الروس!
نشر موقع MAKO «الإسرائيلي» يوم 30/تموز الماضي مقالاً مطولاً بالعبرية بعنوان: «بالضبط قبل 51 عاماً: الجيش الإسرائيلي نصب فخاً للقوات الروسية التي جرى استقدامها للمنطقة»، وكاتب المقال هو الصحفي الصهيوني المعروف (شاي ليفي- Shay Levi- שי לוי).
يبدأ ليفي مقاله بالإشارة إلى التوتر والتناقض في العلاقات الروسية-«الإسرائيلية»، على خلفية المسألة السورية، وخاصة بعد: «تقارير عن هجمات تم التصدي لها بالمضادات الجوية السورية، [حيث] بدأ الروس كما يبدو بوضع خطوط حمراء في محاولة لإحراج إسرائيل».
بعد ذلك يفرد مساحة كبيرة لاستذكار عملية «Grenade 20» أو «القنبلة 20»، وهي عملية استخبارية أمنية صهيونية جرى تنفيذها ضد القوات الروسية في مصر يوم 30 تموز 1970، أي في نهايات حرب الاستنزاف، وأدت إلى مقتل ثلاثة طيارين روس وتدمير 5 طائرات ميغ فوق سيناء.
ومما يذكره الكاتب في مقاله نقتبس: «في كانون الثاني (يناير) 1970، غادر الرئيس المصري جمال عبد الناصر في زيارة إلى موسكو وعاد راضياً بعد أن وعده الروس بأنهم سيرسلون جماعتهم إلى مصر. بعد ذلك بوقت قصير، ظهر الآلاف من العسكريين الناطقين بالروسية في مصر؛ الطيارون وأفراد المخابرات ومشغلو بطاريات الصواريخ المتطورة المضادة للطائرات».
ويتابع: «لم تكن مصر قادرة على مجاراة القوة العسكرية لإسرائيل، التي عززت في تلك السنوات علاقاتها مع الولايات المتحدة، وأرسلت هذه الأخيرة لها أفضل أنظمة القتال، وأبرزها مقاتلات فانتوم وسكاي هوك».
ويدخل الكاتب بعد ذلك في شرح تفصيلي للعملية ابتداءً من التخطيط الذي أشرفت عليه رئيسة وزراء الكيان في حينه غولدا مائير، ووصولاً إلى التنفيذ يوم 30 تموز من العام 1970.
ينتهي ليفي في مادته إلى قول ما يلي: «يقول البعض إن عملية (القنبلة 20) ساهمت في قرار إنهاء حرب الاستنزاف، بعد ثلاث سنوات من القتال المرير. وتجدر الإشارة إلى أن روسيا في ذلك الوقت كانت أقوى بكثير مما هي عليه اليوم. من ناحية أخرى، من المهم الإشارة والتأكيد على أن هذه الشجاعة الإسرائيلية في حينه، كانت مدعومة أمريكياً». (علامات التأكيد لنا).
سواء عبر مقدمة المادة أو خاتمتها، فإنّ عملية استحضار التاريخ التي يقوم بها ليفي هي عملية واضحة الهدف، وقبل وضع بضع استنتاجات حولها لا بد من الإشارة إلى أنّ هذه المادة ليست الوحيدة في هذا الاتجاه خلال الأشهر الماضية، بل هنالك إلى جانبها مقالات عديدة أخرى وكذلك أبحاث تضع أسئلة استراتيجية تتعلق بسورية نفسها، ولكن أبعد من ذلك، تضع أسئلة تتعلق بمستقبل الكيان نفسه في ظل التغيرات الدولية العاصفة وتحديداً لناحية العلاقة مع كل من روسيا والولايات المتحدة.
مثال ثانٍ
كمثال على ذلك، نذكر هنا تصريحات «يسرائيل زيف» الجنرال السابق في جيش الاحتلال التي أطلقها خلال لقاء على إذاعة 103FM وأعادت نشرها صحيفة معاريف يوم 26 تموز الماضي.
في تصريحاته، وخلال نقاش موضوع «التوتر الروسي الإسرائيلي» المتعلق بسورية، يقول زيف: «أعتقد أنهم [الروس] ينتهجون السياسة نفسها بمرور الوقت، ويشرحونها لنا. علينا أن نفهم، هناك معادلة فيها عدد قليل من المتغيرات نحتاج إلى التعرف عليها. يجب أن نكون متيقظين للتطورات المقارنة في العلاقات الدولية، الأمريكية الروسية، وبعض المعايير الأخرى، وليس مجرد الذهاب إلى نوع من التفكير باستخدام المطرقة والمسامير؛ فذلك لن ينجح، وسيضر بنا في النهاية».
مثال ثالث
في تقرير صحفي منشور يوم 25 تموز الماضي في موقع ماكوريشون «الإسرائيلي»، يقول الصحفي نعوم أمير:
«تمتلك روسيا القدرة على توفير أنظمة دفاع جوي عالية الجودة ضد القوات الجوية الإسرائيلية، وذلك إذا كانت المنشورات صحيحة بالفعل [المقصود هو تصريحات روسية حول إسقاط كامل صواريخ غارة إسرائيلية يوم 24 تموز الماضي]. لكن القصة ليست معركة الصواريخ بل معركة حرية التصرف؛ لن تكون إسرائيل قادرة على تحمل إلغاء حريتها في الحركة... وعلى الرغم من المستوى المشكوك فيه من المصداقية، فإن هذه العناوين الرئيسية التي تشكلها التصريحات الروسية تشير بأن هناك نية لإغلاق المجال الجوي في سورية، يجب أن تهم إسرائيل بالتأكيد».
استنتاجات أولية
فيما يلي بضع استنتاجات أولية من هذه المادة وغيرها من المواد والدراسات التي نتابعها في المواقع العبرية:
أولاً: «التوتر» الروسي- الإسرائيلي الذي جرى نفيه تارة وتأكيده تارة أخرى خلال الشهرين الماضيين، ليس مسألة عابرة، ولا يقف في حدوده عند ما يسمى «قواعد الاشتباك»، ويتجاوز بكل تأكيد مسألة الغارات الصهيونية على سورية.
ثانياً: أحد مصادر هذا «التوتر» التي لا يجري الحديث عنها كثيراً، هي الاتجاه الاستراتيجي الأمريكي للانسحاب من كامل المنطقة في إطار تركيز مواردها للتنافس والصراع الاستراتيجي مع الصين، وهو الأمر الذي سيؤثر بشكل كبير على «الشجاعة الإسرائيلية... [الـ]مدعومة أمريكياً»، التي يتفاخر بها ليفي.
ثالثاً: المصدر الثاني للتوتر نفسه هو المواقف الروسية التي باتت أكثر وضوحاً بالنسبة للكيان الصهيوني وللجميع والتي لا تقف عند حدود التأكيد اللفظي على تطبيق القرار 2254، بل وعلى تطبيقه الفعلي، والذي يحمل معه أخطاراً كبرى على الصهيوني؛ فمجرد استقرار سورية هو خطر بالنسبة للإٍسرائيلي، فكيف يكون الأمر إذا كان شرط هذا الاستقرار هو توحيد البلاد مجدداً في ظل نظام تنطلق فيه أصوات السوريين الحرة والمعادية جذرياً للإسرائيلي معاداةً لا تدانيها أية مواقف سابقة للأنظمة في كل المنطقة؟
رابعاً: معادلة استقرار في المنطقة، وإذ تمر عبر تنفيذ 2254، فإنّ الصهيوني يعلم أكثر من غيره، أنّ أحد أركان معادلة الاستقرار هذه هي عودة الجولان السوري المحتل لأصحابه... وهذه المعادلة مع تراجع «الشجاعة الإسرائيلية» -المزعومة التي تحدث عنها ليفي- بحكم تراجع «الدعم الأمريكي»، ستصبح معادلة أكثر قابلية للتحقق.
خامساً وأخيراً: بعيداً عن التفاصيل الجزئية، فإنّ «إسرائيل»، ومنذ اللحظة الأولى، هي جزء من المشروع الغربي، واستطالة لذلك المشروع في منطقتنا، وانكفاء هذا المشروع وتراجعه يعني بالضرورة انكفاء «المشروع الإسرائيلي» نفسه؛ ولذا فإنّ «التوتر» الذي يجري الحديث عنه، هو أكبر وأبعد بكثير من مجرد «رسم خطوط حمراء» لهامش التحرك الصهيوني، وهو أمر خاضع لـ«التطورات المقارنة» للعلاقات الدولية، كما يقر يسرائيل زيف...