عن حق العودة والشرعية الدولية ومنظمة التحرير وفك الارتباط والوطن البديل ..عن أشياء أخرى ورائد زعيتر
بعيداً عن (تجنب خدش المشاعر)، بالتحديد أكثر، المشاعر المتعلقة بحق العودة!
ما معنى الحفاظ على الظروف التعيسة للاجئين لتبقى القضية راهنة ومشتعلة؟ وما معنى حتى تجريدهم “الحقوق السياسية” كي يتذكروا دوماً أن ثمة “وطن” بانتظارهم لمنحهم إياها؟
إن كان هناك ثمة أمل في “الشرعية الدولية” فمن الصحيح تماماً تجويعهم. إن كان هناك ثمة أمل أن يسمع “المجتمع الدولي” صوتنا من على منبر تشكل من معاناة هؤلاء اللاجئين، فليذوقوا المرين. إن لم يعد بأيدينا ورقة جوكر سوى التباكي على اللاجئين والتسول على “حسابهم” في المحافل الدولية، فليكن. لو كان وهم الكتلة الديمغرافية في داخل أراضي الكيان الصهيوني يحقق شيئاً، فلا ضير بحلم التحرير بمباركة صهيونية، وبالمناسبة، العرب، بالميل العام والأشمل، في “أراضي 1948م” يتأسرلون أكثر من أن “يتفلسطنوا”.
لا نريدهم أن ينسوا حق العودة، كي لا ينسوا القضية، أليس كذلك؟ وماذا عن “الآخرين” الذين نسوا أو تناسوا؟ ولماذا لا ينسى الفلسطيينيون “كغيرهم”؟ فإن كانت الحياة مع الكيان الصهيوني “أجمل” (وهي ليست كذلك على كل حال) للأردنيين أو المصريين أو غيرهم، فلربما تكون كذلك للفلسطينيين مع منح اللجوء “الإنساني” لأوروبا؟ (وهي ليست كذلك على نفس الحال المذكور أعلاه).
هل هي مسؤوليتهم وحدهم؟ هل هي قضيتهم وحدهم أساساً؟ وماذا عن قضيتنا “نحن” مع الخصم نفسه؟ وما علاقتهم “هم” بها؟
لقد بات الحديث عن حق العودة دفاعاً عن النفس من الخطر “الفلسطيني” والنأي بالذات عن تحمل “أعبائه”، لم يعد حتى بمكان الضغط الواهم على الكيان الصهيوني، لم يعد إلا ورقة مفاوضات خاسرة سلفاً لمن يرغب فيها، أو بالأصح لمن يستفيد منها، عباس في سلطته، والنظام الأردني بالمبالغ المالية التي سال لعابه عليها منذ احتلال ضفته الغربية التي كانت تابعة له رسمياً. لم يخسر من التباكي على حق العودة، سوى من يجب أن “يعودوا”، ومن ينتظرون عودة “الدولة” التي لا معنى لها إلا في الفضاء التحرري.
تعودنا أن ننسخ، وتعودنا على تمجيد “التابوهات”، أشجعهم قال “لا نريد تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن”، وأغباهم طالب بدسترة فك الارتباط كي تتمتع “فئة” دون أخرى “بثروات الاقتصاد الأردني الطائلة”، لربما المساعدات “على حساب الأردن”، من فصل الحسابات أصلاً؟ وهل هي حسابات منفصلة أساساً؟ ومن قال “أننا” طرف محايد و “هم” المعني الأساسي بالمسألة؟ إما أن تكون ضد الكيان الصهيوني (وعندها لن تطالب بطرف يخوض الحرب عنك بالنيابة، الحرب مع خصمك أنت بالمناسبة)، وإما أنك متصالح مع وجوده وتتنصل من مواجهته (عندها سيكون حديثك عن الوطن البديل في مكانه، تماماً في مكانه).
إن فكرة “الدولة” الفلسطينية (أو الكيان الفلسطيني)، تشبه تماماً “الدولة” الأردنية (أو الكيان الأردني). فلا مشكلة لدى الكيانين مع الكيان الصهيوني. عند إسقاط السلطة الفلسطينية، سيكون الحديث عن التحرير الكامل أكثر واقعية. إن إعلان منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني كان مصيبة كبرى، ولحقها مصيبة أكبر وهي فك الارتباط. كل تلك الإجراءات سهلت لقبول خيار الدولة الفلسطينية على حساب محاربة الكيان الصهيوني، فقبول “الدولة الفلسطينية” يعني بالضرورة قبول “الدولة اليهودية”، إن عزل القضية واختصارها بالفلسطينيين بسهل القبول بالصهاينة ويسهل القبول بالآخرين طرفاً محايداً لا شأن لهم بالقضية (ليست الفلسطينية). وبذلك يكفي “الآخرين” أن يرسلوا المستشفيات الميدانية والتبرعات بالمواد الغذائية منتهية الصلاحية والدعوة لاعتصامات على أبواب السفارات، الصهيونية والفلسطينية على حد سواء، (تضامناً) مع (القضية).
لا بد اليوم من نسيان حق العودة، هذا شرط أساسي لإعادة المعنى الصحيح للصراع مع الكيان الصهيوني، قضيتنا ليست عودة اللاجئين ليحملوا جوزات سفر “إسرائيلية”.
“للعودة” طريق واحد هو التحرير، وللتحرير طريق واحد هو المقاومة، وللمقاومة الناجعة شكل واحد يتمثل في مقاومة الكيان الصهيوني، وليس دعم المقاومة الفلسطينية، وليس مقاومة خطرها على الجوار كذلك. وفي وجه المقاومة عوائق كبيرة أهمها النظام الأردني والسلطة الفلسطينية. قبل تحقيق شروط هذه السلسسلة، لا معنى للحديث عن حق العودة، إلا للمؤمنين بالشرعية الدولية، ولا معنى للحديث عن فك الارتباط إلا للهاربين من المواجهة (لا تحاول هنا دمج المتناقضات، أن تكون مع دسترة فك الارتباط ومواجهة الكيان الصهيوني في آن، فهذه ليست إلا محاولة للهروب متخفياً).
إن كان ما طرح أعلاه هو دعوة “للتوطين” و “الوطن البديل”، فأنا بالتأكيد معها جميعاً (لمن لا يتمكن من التمييز).
عن رائد زعيتر
النظام الأردني لا يريد أن يطلق سراح الدقامسة، تماماً كما غصت السلطة الفلسطينية في استقبال الشهيد زعيتر، ولكن أن تكون نابلس وجهة الدفن، فذلك أسهل بكثير، فعباس تمرس جيداً على دفن الشهداء والتغني بهم بعد القيام عن طاولة المفاوضات بإذن صهيوني، هو يجيد تلك اللعبة أكثر من غيره، فالتعرض للأحداث المتشابهة بتكرار عالٍ يبني قدرة أعلى على التكيف عند “الكائنات” التي تمتلك نفس الخصائص!
مناصرو فك الارتباط يريدون أن يحدد الشهيد زعيتر موقفه، عليك أن تختار كفنك (إما علماً فلسطينياً وإما علماً أردنياً)، كلاهما يهدد الهوية “الوطنية” للشعب الأردني أو شقيقتها “الوطنية هي الأخرى”، الفلسطينية.
الفرق بين الدقامسة وزعيتر، أن الأول واجه من ينوب عن الكيان الصهيوني، ولم تتح له الفرصة في المواجهة المباشرة، أما الثاني فاضطر لمواجهة مباشرة، إلى أن افترش الأرض الفاصلة بين نائبين، والتي يديرها العدو المباشر، النصير المشترك للنظامين في الأردن وفلسطين.
ماذا لو شاءت الظروف (لو تجاوزنا تقسيمات الاختصاص) أن يكون زعيتر قاضياً في قضية الدقامسة؟ هل سيوقع به أشد العقوبات لأن أي تدخل شرق أردني في القضية “الفلسطينية” يعني بالضرورة نزع مكتسبات السلطة الفلسطينية؟ أم أن الدقامسة سيصرخ في وسط المحاكمة مندداً بالوطن البديل الذي أوصل رقبته إلى يد زعيتر، الذي بدوره استحوذ على مؤسسات الدولة. أعتقد أن كلاهما تجاوز الإشكاليات التي اتفق على إنتاجها النظام الأردني مع السلطة الفلسطينية، ووقع في فخها “منظرون” سياسويون.
رائد زعيتر والدقامسة مثالان لا أكثر، فلذلك وجب الحديث عن الأشياء الأخرى قبل الحديث عنهما. ليس هناك ما يمنع من زعيتر جديد إن بقينا أسرى المطالبة بحق العودة والشرعية الدولية والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ليس هناك ما يمنع من دقامسة جديد إن بقينا أسرى فك الارتباط وذعر الوطن البديل.
ملاحظة: الحديث أعلاه، موجه للمتمرسين في العمل السياسي، الذين يجيدون قراءة الممكن وتمييزه عن الطوباوي الحالم، وبالمناسبة ما قدم جاء في سياق الممكن السياسي بالتحديد وليس أي شيء آخر… الآخر هو الدوران والدوران ثم السقوط المتكرر، وهذا ما يحدث عادة في الواقع، (واقعي).
المصدر: راديكال