تركيا: أسئلة ما بعد الانتخابات عن فوز أردوغان.. وموقع غولين.. والخيارات الرئاسية
انتهت الانتخابات البلدية في تركيا باستمرار «حزب العدالة والتنمية» الحزب الأقوى ورئيس الحكومة رجب طيب اردوغان الزعيم الأول فيها. ولقد كانت النتائج غنية بأسئلتها وبدلالاتها وباحتمالات المرحلة المقبلة على أكثر من صعيد.
1- لماذا نال اردوغان 45 في المئة، واعتبر فائزا رغم تراجع أصواته عن الانتخابات النيابية؟
الإجابة ليست صعبة بل فائقة السهولة. أولا، إن 40 في المئة من الأتراك يعرّفون أنفسهم بأنهم متدينون، وهم لا يريدون أن يروا العلمانيين يعودون إلى السلطة وينكلون بهم من جديد كما حدث على امتداد العهد الجمهوري. وهم سيصوتون لأردوغان لأنه، أيضا، لا بديل إسلاميا له، إذ ان فتح الله غولين ليس زعيما سياسيا، وليس له حزب ولا مرشحون، وبالتالي فإن الناخب المتدين افتقد البديل عن أردوغان، وكان مضطرا للتصويت له حتى لو كان سارقاً او فاسداً او قاتلاً او دكتاتورياً.
ومن هنا الجواب عن سبب عدم تأثير فضائح الفساد في شعبية اردوغان بالنسبة التي كان خصومه يأملون بها. وبالتالي فإن اردوغان ينطلق مسبقاً من كتلة انتخابية تقارب الأربعين في المئة، وهي كافية ليبقى الحزب الأول في تركيا، وبفارق كبير وفي كل الانتخابات النيابية والبلدية.
لكن هذه القضية تطرح، في المقابل، مشكلة أخلاقية لدى الناخب المتدين، وهي: كيف يمكن للقيم الدينية والأخلاقية أن تحمي الفساد والرشوة ومصادرة الحريات؟
أما السبب الثاني لفوز اردوغان فهو أن بعض الفئات غير المتدينة وغير الحزبية استفادت من الانجازات الاقتصادية، ومن اقتصاد المكرمات والصدقات التي كان يوزعها «العدالة والتنمية» ونجح بها في استمالة بعض الفئات غير الحزبية، وغير المتدينة، ولو كانت بحدود 3-5 في المئة، والمستعدة للتصويت لمن يخدمها بمعزل عن انتمائه السياسي أو الإيديولوجي، وهي فئة تمثل نسبة، مهما كانت قليلة، قادرة على إحداث فارق في النتائج لمصلحة هذا أو ذاك في ظل احتدام الصراع.
والسبب الثالث هو الخطاب التخويفي لأردوغان من انه إذا خسر فسوف تنهار تركيا وتتراجع التنمية. ولم يكن المترددون وغير الحزبيين مستعدين لذلك، فوقعوا في دائرة الخوف على المكاسب.
والسبب الرابع والأهم في فوز اردوغان هو انقسام المعارضة على نفسها، وعدم دخولها في أي تحالفات أو تبادل أصوات، ولا في اي مدينة، ولو فعلت ذلك ولو بين حزبي «الحركة القومية» و«الشعب الجمهوري» لخسر اردوغان معظم المدن الرئيسية، وفي مقدمها اسطنبول وأنقرة وأنطاليا وغيرها، ولكانت وجهت ضربة قاتلة له. وهذا درس يجب أن تتعلمه المعارضة، فتغادر أنانياتها وحساسياتها إذا كانت تريد أن تتحرر من حكم اردوغان.
2- هل نجاح أردوغان هو هزيمة لجماعة فتح الله غولين؟
في المبدأ يمكن الإيجاب بنعم. لكن الأصوات التي خسرها اردوغان عن انتخابات العام 2011 بلغت خمسة في المئة، ويمكن أن تعكس قوة غولين. لكن غولين في النهاية ليس حالة سياسية وليس حزباً، ولا يوجد مرشحون له، وهو يمثل حالة نخبوية مؤثرة معنوياً، وفي الإعلام ليس أكثر. ومع ذلك كان يمكن لتأثير غولين أن يكون أكبر لو كان البديل الإسلامي لأردوغان موجوداً.
والناخب المتدين الذي كان يمكن أن يكون تأثر بغولين ربما لا يصوت لأردوغان، لكن من الصعب عليه أن يصوت لـ«حزب الشعب الجمهوري» العلماني، وبالتالي فإن تأثير غولين كان محدودا، لكن هذا لا يعني انتهاء الحالة التي يمثلها، لأنه يخوض معركة أساسها الأخلاقي متين، وهو محاربة الفساد ولا يمكن أن يوصف بأنه حليف للعلمانيين والعسكر، لأنه هو نفسه خاض أكبر المعارك ضدهم، وكان سابقا من أكبر ضحاياهم، بينما أردوغان نفسه يعيد حبك التحالفات مع العسكر، وأطلق سراح الجنرالات، وهو الذي كان سجنهم، وبالتالي فإن معركة غولين الأخلاقية أقوى بكثير من معركة اردوغان، الذي لم يحقق حتى الآن بقضايا الفساد رغم مرور حوالي أربعة أشهر على انفضاحها ومحاولته طمسها.
3- هل نتائج الانتخابات ستدفع اردوغان للترشح إلى رئاسة الجمهورية، وما هي حظوظ فوزه بها في حال الترشح؟
لقد تراجعت أصوات اردوغان من 50 إلى 45 في المئة في الانتخابات، لكنها كانت كافية ليقول انه مرشح قوي جدا لرئاسة الجمهورية. ولكن في حساب بسيط لأرقام النتائج فإن اردوغان نال في نتائج الانتخابات البلدية 45 في المئة، بينما لم يصوت له 55 في المئة. فإذا اجتمعت المعارضة على مرشح واحد ضد اردوغان فبإمكانها هزيمته.
لكن الشك كبير في توحد المعارضة على مرشح واحد. وهنا يبرز دور الكتلة الكردية المؤيدة لزعيم «حزب العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان في ترجيح هذا المرشح أو ذاك، فمجموع أصوات حزبي المعارضة «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية» هو على التوالي 29 و15 في المئة، أي 44 في المئة، أي ما يعادل النسبة التي نالها اردوغان. وهنا سيكون للحزبين الكرديين، اللذين مثّلا أوجلان في الانتخابات، الدور المرجح لفوز إما اردوغان أو مرشح المعارضة، في حال اتفق «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية» على مرشح واحد. فقد فاز الحزبان الكرديان، «السلام والديموقراطية» و«الشعوب الديموقراطي»، بمجموع يقارب السبعة في المئة قادرة على ترجيح كفة هذا أو ذاك.
لكن السؤال هل يمكن للأكراد أن يصوتوا لمرشح دعمه حزب «الحركة القومية» المتشدد أو حتى «الشعب الجمهوري» الذي لا يحظي بشعبية في الوسط الكردي؟ الجواب بالنفي. وبين اردوغان أو مرشح القوميين والأتاتوركيين فإن الأكراد قد لا يختارون حتى المقاطعة، لأن هدفهم الأساسي منع وصول مرشح معاد للأكراد إلى سدة الرئاسة، لكن ذلك لا يعني أنهم سيصوتون لأردوغان من دون ثمن مهم.
لقد اعتبر الأكراد أنهم صوتوا في الانتخابات البلدية للحكم الذاتي، كما أعلن مرشحوهم. وستدفع هذه النتائج إلى تسريع حسم المشكلة الكردية، إما باتجاه الحل السلمي ولو جزئيا، حيث قد يكون اردوغان مضطرا لإعطاء بعض التنازلات للأكراد، وهي في النهاية ليست عطاء بل حق لهم، أو أن يرفض تقديم تنازلات فيعود الأكراد من جديد الى العمل المسلح، متسلحين هذه المرة بتفويض نتائج الانتخابات البلدية. وهنا سيجد اردوغان نفسه بين خيارات مُرة: إما تقديم تنازلات للأكراد والمخاطرة بخسارة أصوات قومية، أو تغليب نزعته القومية، وربما التحالف الضمني مع «حزب الحركة القومية» فيضمن الرئاسة من دون تقديم أي تنازل للأكراد، مع المغامرة بإدخال البلاد في مرحلة حرب أهلية مسلحة مع الأكراد.
وقد يحاول أردوغان السير على البيض، فيرضي الأكراد ببعض القشور ويرضي القوميين بقشور أخرى. وبالتالي فإن حسابات المعركة الرئاسية معقدة، وإن كان اردوغان يمسك بخيوط اللعبة ومفاتيح الفوز إلى حد كبير.
المصدر: السفير