شرقاً وغرباً: الظرف مناسب للمبادرة ضد النفوذ الأمريكي
شهد العالم خلال الأيام العشر التي مضت حدثان مهمان قلما شهدنا ما يشبههما منذ النصف الثاني من القرن العشرين. الأول هو تصديق المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني (وهو أعلى سلطة تشريعية في البلاد) في 11/3/2021 على مشروع قرار إصلاح النظام الانتخابي في منطقة هونغ كونغ، والثاني إعلان الحكومة البوليفية في 13/3/2021 اعتقال الرئيسة المؤقتة السابقة، جانين آنييز، ووزيرين سابقين من أعضاء حكومتها.
يوحي الحدثان أنهما منفصلان، لكن نظرة متأنية إلى الأسباب الكامنة وراءهما كفيلة بالكشف عن الخيط المشترك بينهما، حيث يشكل كل منهما ضربة غير مألوفة لنفوذ الولايات المتحدة الأمريكية وتدخلاتها الخارجية، فمن جهة، تشكّل هونغ كونغ واحدة من البؤر الرئيسية التي تستخدمها الولايات المتحدة للتضييق ضد الصين، ومن جهة أخرى، تعتبر بوليفيا واحدة من نقاط الارتكاز في أمريكا اللاتينية التي حاولت واشنطن إثارة البلبلة فيها على أمل أن تنجح محاولات عكس المسار الذي تتجه نحوه القارة.
وبشكلٍ أكثر تفصيلاً، يسمح مشروع القرار الصيني الجديد بتعديل طريقة تشكيل اللجنة الانتخابية في منطقة هونغ كونغ التي تتمتع بوضع إداري خاص، حيث سيتم رفع عدد أعضاء هذه اللجنة إلى 1500 بدلاً عن 1200، وستتوسع صلاحياتها لتشمل اختيار رئيس السلطة التنفيذية والإشراف على عملية تقديم المرشحين إلى اللجنة الانتخابية. والملفت في هذا الإجراء أنه يحدّ إلى درجة كبيرة من قدرة الولايات المتحدة على التدخل والتأثير في شؤون هونغ كونغ، وفوق ذلك، فإن تعزيزه لنفوذ السلطة التشريعية المنتخبة يجعل من ردود الفعل الغربية (الأمريكية والبريطانية خصوصاً) حول أن الخطوة «تشكّل تهديداً للجانب الديمقراطي» مجرد ثرثرة عاجزة حتى عن إقناع الجمهور الغربي.
وعلى هذا النحو، فان الخطوة الجديدة التي اتخذتها الحكومة البوليفية تأتي بعد أن أعاد الناخبون حزب «الحركة نحو الاشتراكية» إلى السلطة عقب الانقلاب الذي دبرّته الولايات المتحدة ونجح في إبعاد الرئيس السابق إيفو موراليس، وتنصيب جانين آنييز رئيسة مؤقتة للبلاد لتشهد فترة حكمها ضرراً واضحاً تكبده الشعب البوليفي وبشكل خاص السكان الأصليين الذين كان لهم الفضل الأكبر بإعادة الاشتراكيين إلى الحكم. ومع الخطوة الجديدة المتمثلة باعتقال قيادات الانقلاب الأمريكي بالتوازي مع الإفراج عن مناصريهم، تعلن الحكومة نيتها ضمنياً المضي قدماً في استكمال تنظيف البلاد من النفوذ الأمريكي.
والأمر الأكثر أهمية هو أن ما جرى في البلدين يحمل رسالة واضحة إلى المترددين في اتخاذ خطوات حاسمة ضد النفوذ الأمريكي، وكذلك الموهومين بإمكانية التوصّل إلى حلولٍ توافقية رابحة مع الولايات المتحدة، رسالة مفادها أن زمن التهاون والتساهل مع الإملاءات والرغبات الأمريكية قد مضى، وأن الأطراف الجديّة الراغبة في التقدم والصعود مضطرة - ويجب عليها- أن تبادر هي نحو الخلاص من بقايا النفوذ الأمريكي المتداعي عبر العالم.