مركز أبحاث «إسرائيلي»: تقييم 5 سيناريوهات لأخطار تهدد وجود «إسرائيل»
نشرت قاسيون في عددها رقم 1007 الصادر بتاريخ الأول من آذار الجاري، مادة بعنوان «الكيان الصهيوني إلى زوال...». ناقشت المادة (مستفيدة من مقالة كتبها رئيس الشاباك الأسبق يوفال ديسكين، وكذلك من دراسة أجراها دان بن دافيد رئيس مركز شورش الصهيوني للأبحاث)، جانباً من موجة الهلع الوجودي التي تعم مراكز الأبحاث الصهيونية منذ ما يقرب من عامين حتى الآن؛ ونقصد بذلك الجانب المتعلق بما يسمى «الحريديم»، وهي فئة من المتشددين المتخلفين الذين تزداد نسبتهم بشكل سريع جداً ضمن التركيبة الديمغرافية الموجودة داخل الكيان.
ترجمة وإعداد: قاسيون
ومتابعةً لجوانب أخرى ضمن موجة الهلع نفسها، تقدم قاسيون فيما يلي ترجمة للقسم الأخير (خلاصات وتوصيات)، من دراسة مطولة أصدرها (معهد دراسات الأمن القومي) وهو من أهم مراكز الأبحاث «الإسرائيلية»، ويعرف اختصاراً بـ INSS.
عنوان الدراسة هو «سيناريوهات التهديد الوجودي لدولة إسرائيل»، وصدرت في الثاني من أيلول الماضي، وتتكون مما يزيد عن 120 صفحة.
محرر الدراسة هو أوفير وينتر المحاضر في جامعة تل أبيب والحائز على شهادة الدكتوراه في موضوع مثير للانتباه حقاً وهو «مساعي مصر والأردن بين 1973 و2001 لإضفاء الشرعية على معاهدتي السلام مع إسرائيل».
اشترك في إجراء الدراسة، إلى جانب وينتر، ثمانية باحثين آخرين هم: (كوبي ميشيل، آساف شيلوا، شلومو بروم، يوئيل غوزانسكي، رون تيرا، أودي ديكيل، أوديد يران، بنينا شارفت). وامتدت الدراسة على مخطط تنفيذي ومقدمة وخمسة فصول، كل فصلٍ منها يقيّم واحداً من خمسة أخطار وجودية تهدد "إسرائيل" من وجهة نظر الباحثين، ومن ثم فصل أخير هو فصل الخلاصات والتوصيات الذي سنقدم فيما يلي ترجمة لأهم ما جاء فيه، لأنّه هو الآخر يمتد على 10 صفحات.
قبل الشروع في تقديم ترجمتنا، لا بد من الإشارة إلى أنّ الدراسة لا تركز كثيراً على الجوانب الداخلية رغم مرورها عليها. يظهر ذلك من الإشارات العابرة للأزمات الأكثر تعقيداً بما يخص الوضع الديمغرافي والوضع الاقتصادي الاجتماعي داخل الكيان، والذي يكاد يكون محور الاهتمام الأساسي في دراسات أخرى.
مع ذلك، فربما تكمن أهمية هذه الدراسة الأساسية في الإشارات المباشرة وبين السطور، المتعلقة بالولايات المتحدة ومستقبل علاقتها بالكيان، وبالوضع الإقليمي...
الترجمة:
خلاصات وتوصيات
حللت هذه الدراسة التهديدات الوجودية المحتملة التي تواجه إسرائيل، وعواقبها المحتملة، والركائز الأمنية التي تمنعها، والعمليات الداخلية والخارجية التي تؤثر على مستوى خطورتها.
في الدراسة، تم فحص خمسة سيناريوهات للتهديد الوجودي، ثلاثة منها ذات طبيعة أمنية/عسكرية: تشكيل تحالف إقليمي ضد إسرائيل. الانتشار النووي في الشرق الأوسط؛ وفشل الرد الإسرائيلي على هجوم صاروخي دقيق مشترك بقيادة إيران ووكلائها. كان للسيناريوهين الإضافيين طبيعة سياسية/اجتماعية: عزلة دولية ومقاطعة لإسرائيل. وتفكك المجتمع الإسرائيلي وفقدان العناصر الداخلية لقوته وهويته اليهودية والديمقراطية.
تم تحليل السيناريوهات من خلال مجموعة متنوعة من العوامل: تقييم الوضع الحالي للتهديد، وشدته المحتملة، والأسباب المحتملة التي يمكن لها أن تسرّع أو تمنع تحقق ذلك التهديد. أتاح الجمع بين جميع السيناريوهات معاً صورة أوسع: الركائز الأمنية المشتركة التي تساعد على إحباط سيناريوهات التهديدات المختلفة؛ الروابط المتبادلة بين أحد التهديدات وظهور التهديدات الأخرى المصاحبة؛ والأسباب المشتركة التي تؤثر على احتمالية ظهور التهديدات.
ويظهر تحليل سيناريوهات التهديد أن إسرائيل لا تواجه تهديدات وجودية فورية في الوقت الحالي. ومع ذلك، هناك مؤشرات مبكرة على اتجاهات داخلية وإقليمية ودولية يمكن أن تتفاقم في المستقبل وتزيد من احتمالية حدوث هذه التهديدات الوجودية. تختلف الأطر الزمنية لتجسيد هذه التهديدات الوجودية، التي تكون مصادرها خارجية: ففي حين إن الهجوم الصاروخي يمكن أن يحدث على المدى القصير، فإن التهديدات الخارجية الأخرى - تشكيل تحالف إقليمي، وتحول الشرق الأوسط إلى ساحة للأسلحة النووية، والتهديدات الدولية. العزلة - يمكن أن تحدث في أطر زمنية متوسطة وطويلة الأجل. في غضون ذلك، يمكن للتهديد الداخلي لهوية إسرائيل اليهودية والديمقراطية، في ظل ظروف معينة، أن يتطور في إطار زمني قصير أو متوسط المدى.
الاستنتاجات هي كما يلي:
أولاً: من غير المرجح وجود تهديد وجودي خارجي فوري
يختلف الإطار الزمني الذي قد يغير هذا التقييم من تهديدٍ إلى آخر. لا يُتوقع أن ينشأ تحالف عسكري إقليمي يشكل تهديداً وجودياً شديداً لإسرائيل في المستقبل المنظور، دون تغييرات واسعة النطاق في الأنظمة في المنطقة، وقدراتها العسكرية والاقتصادية، والدوافع التي توجهها، والدور الإقليمي للولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، من المفترض أن يتم تعليق جهود إيران النووية والإشراف عليها وفقاً للاتفاق النووي مع القوى العالمية (خطة العمل الشاملة المشتركة)، مما يقلل من الدافع وراء التحوّل النووي العسكري الفوري بين دول أخرى في الشرق الأوسط - طالما أن إيران لا تفعل ذلك تماماً. لذلك، فإن سيناريو وجود أسلحة نووية في أيدي دولة معادية وتطوير نظام نووي متعدد الأقطاب في المنطقة لا يزال يمثل تهديداً متوسط وطويل المدى.
أي أنه بقيادة إيران ووكلائها، هنالك تهديد على المدى القصير والمتوسط. ويمكن أن يتسبب هذا التهديد بإلحاق أضرار جسيمة بإسرائيل، ولكن لكي يصبح تهديداً وجودياً، يجب أن تحدث مجموعة غير عادية من الظروف - وهذا غير مرجح ولكنه ممكن - تتضمن نجاحات العدو وإخفاقات إسرائيلية. يمكن أن تحدث العزلة الدولية لإسرائيل نتيجة للعمليات الداخلية في المجتمع والسياسة الأمريكية على المدى المتوسط والطويل، وإذا اتخذت إسرائيل خطوات أحادية الجانب ومتحدية في الصراع مع الفلسطينيين، والتي قد يراها المجتمع الدولي مخالفة للقانون الدولي.
ووجدت الدراسة أن احتمالية أن تصبح التهديدات الخطيرة تهديدات وجودية تتطلب بشكل عام حدوث عدة تهديدات بشكل متزامن، أو أن نتيجة تهديد واحد يتجاوز ضرره حدود ذلك التهديد نفسه؛ حيث إن الروابط بين الركائز الأمنية المتنوعة الموجودة تحت تصرف إسرائيل تخلق حالة يمكن فيها لسيناريو تهديد واحد أن يزيد من احتمالية ظهور سيناريوهات تهديد أخرى. قد ينتج عن هذا تأثير تراكمي تكون خطورته وجودية.
على سبيل المثال، قد تؤدي سيناريوهات التهديد للقوى الناعمة - الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية - إلى تآكل نقاط قوة إسرائيل وصور التضامن والردع التي تنشرها خارجياً، مما قد يزيد من احتمالية تحديد الخصوم لنقاط الضعف واستخدام القوة العسكرية الكبيرة والعقوبات الاقتصادية.
علاوة على ذلك، بسبب الروابط المتبادلة بين الركائز الأمنية لإسرائيل، إذا تعرض أحدها - مثل العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة - لضربة خطيرة، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض الركائز الأمنية الأخرى، بما في ذلك العلاقات الخارجية لإسرائيل ومرونتها الداخلية وتفوقها التكنولوجي والقدرات العسكرية.
وبالمثل، فإن سيناريو التهديد العسكري الذي لا تكون عواقبه المباشرة وجودية قد يخلق موجات صدمة اجتماعية واقتصادية كبيرة تزيد من حدتها. يشير هذا إلى عواقب غير مباشرة، مثل ابتعاد المستثمرين والشركات عن إسرائيل، والهجرة الجماعية من إسرائيل، وهجرة العقول، وفقدان الثقة في الحكومة، وتقويض القاسم المشترك الأساسي الذي يوحد المجتمع الإسرائيلي.
ثانياً: مجموعة عوامل تساعد في إبعاد التهديدات الوجودية
تعمل سلسلة من الاتجاهات الإقليمية على إبعاد التهديدات الوجودية لإسرائيل وتقليل احتمالية حدوثها، على الأقل على المدى القصير والمتوسط. وتشمل هذه الاتجاهات: الاستقطاب الطائفي والأيديولوجي العميق بين المعسكرات الإقليمية المتنافسة (السنة مقابل الشيعة، البراغماتيون مقابل المتطرفون - إيران ووكلاؤها، مقابل الإسلاميين والسلفيين الجهاديين).
تعميق العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل والأنظمة العربية البراغماتية التي تشترك معها في توجه مماثل، بما في ذلك الارتباط الوثيق مع الولايات المتحدة، والمصالح الإقليمية المشتركة المتعلقة بالتهديد الإيراني، والتعاون في مجالات الاقتصاد. والمياه والطاقة؛ تركيز الأجندة العامة في معظم الدول العربية على الشؤون الداخلية المكثفة - الاقتصادية والصحية والأمنية - جنباً إلى جنب مع تراجع أهمية الشؤون الخارجية، بما في ذلك المشكلة الفلسطينية.
طالما استمرت هذه الاتجاهات الإقليمية، فمن غير المرجح أن تعكس أحداث كبيرة الوضع القائم، وتدفع العرب أو المسلمين إلى التجنيد العسكري ضد إسرائيل، بما يشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل. ومع ذلك، على المدى القصير والمتوسط، قد تحدث أحداث متطرفة يمكن أن تصعد الخطر الوجودي. وتشمل هذه: الأضرار التي لحقت بالأماكن المقدسة - وخاصة المسجد الأقصى في القدس - المنسوبة إلى إرهابيين يهود أو لإسرائيل. القتل الجماعي للمدنيين الفلسطينيين/ العرب المنسوب إلى إرهابيين يهود أو إلى إسرائيل؛ الطرد الجماعي للفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن. إجراءات الضم الإسرائيلية الأحادية الجانب؛ هجوم مفاجئ من قبل إيران ووكلائها. وسقوط نظامٍ براغماتي في دولة مجاورة وصعود نظامٍ معاد مكانه.
ثالثاً: عمليات متعددة الأبعاد عاملية-إقليمية محلية، يمكنها أن تشكل خطراً وجودياً
إلى جانب الاتجاهات الموصوفة، تجري عمليات متعددة الأبعاد - إقليمية ودولية وداخلية - يمكن أن تزيد من احتمالية ظهور تهديدات وجودية على المدى المتوسط والطويل.
- لا يزال عدم الاستقرار الذي يعيشه الشرق الأوسط منذ نهاية عام 2010 يهدد الأنظمة العربية البراغماتية، التي قد تجد نفسها تتعامل مع واحد أو أكثر مما يلي: التحديات التي تواجه النظام من قبل قوى معادية لإسرائيل؛ نشوء أزمة اقتصادية خطيرة أو نقص حاد في الموارد من شأنه أن يخل بالنظام السياسي المسؤول في المنطقة؛ تجديد سباق التسلح النووي في المنطقة إذا تم إلغاء الاتفاق النووي مع إيران أو تقويضه - الأمر الذي من شأنه أن يدفع دولاً إضافية في المنطقة إلى متابعة برامج نووية عسكرية، مما يخلق واقعاً متقلباً لشرق أوسط نووي متعدد الأقطاب.
- يشكل التحسين المستمر في القدرات التكنولوجية والعسكرية لإيران ووكلائها، خاصة في مجال الصواريخ الدقيقة، تحدياً متزايداً لإسرائيل عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن الأهداف الاستراتيجية والبنية التحتية الحيوية والمراكز السكانية في حالة هجومات مشتركة دقيقة.
- يتعرض الإجماع بين الحزبين الأمريكيين على دعم إسرائيل إلى تقويض متزايد - وهو اتجاه انعكس في تصريحات السياسيين الأمريكيين، وخاصة أولئك المرتبطين بالحزب الديمقراطي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الخلاف بين إسرائيل وشرائح كبيرة من اليهود الأمريكيين، وخاصة جيل الشباب، آخذ في التعمق.
- أخيراً، فإن عملية تآكل الديمقراطية والمساواة المدنية المستمرة تهدد تماسك المجتمع الإسرائيلي، ويجب اعتبار التحولات السياسية المحتملة على الجبهات الإقليمية والدولية والداخلية علامات تحذير من أن التهديدات الوجودية يمكن أن تتطور وأن الأطر الزمنية لتحقق تلك التهديدات قد تتقلص.
إن الظهور المتزامن لعدد من التحولات على عدة جبهات، والتي، بحد ذاتها لا تعتبر بالضرورة تهديدات وجودية، يمكن أن يشكل تهديداً متعدد الأبعاد لإسرائيل ويمكن أن يصبح تهديداً وجودياً. مثلاً، على الصعيد الدولي، من الضروري توخي الحذر من حدوث تغيير جذري في الموقف الأمريكي اتجاه تزويد إسرائيل بالسلاح، والحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، ودعمها في المحافل الدولية. وأيضاً طرد إسرائيل من المنظمات الدولية الجامعة ومقاطعتها من قبل المنظمات غير الحكومية أو الكتل الدولية أو الدول ذات القوة الاقتصادية الكبيرة.
على الصعيد الداخلي، من الضروري توخي الحذر من العمليات التي تضر بالمؤسسات الديمقراطية والنظام القانوني وحرية التعبير؛ قيام إسرائيل بضم أحادي الجانب للأراضي في يهودا والسامرة وعدم المساواة الرسمية بين مواطني إسرائيل.