رفع السرية جزئياً عن وثيقة أمريكية معادية للصين ومنطقة الهادي والهندي

رفع السرية جزئياً عن وثيقة أمريكية معادية للصين ومنطقة الهادي والهندي

رفعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السرية عن معظم نصّ وثيقة داخلية عن مجلس الأمن القومي الأمريكي بعنوان «إطار العمل الاستراتيجي للولايات المتحدة لمنطقة الهادي-الهندي»، وتذكر صفحتها الأولى بأنّها «رفعت عنها السرية جزئياً بواسطة مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي، روبرت س. أوبراين بتاريخ 5 كانون الثاني 2021». ويعود تاريخ اعتمادها إلى شباط عام 2018. وبما أنّ الموعد المقرَّر لرفع السرية عنها والمكتوب على الوثيقة نفسها هو في 31 كانون الأول 2042، فهذا يعني أنه تم الكشف عنها أبكر بنحو 22 عاماً من الموعد الأصلي. اطلعت قاسيون على هذه الوثيقة المنشورة على الموقع الرسمي للبيت الأبيض (في عشر صفحات)، وتقدم فيما يلي قراءةً وترجمة موجزة لبعض ما جاء فيها.

عبّرت الوثيقة عن طموحات تبدو مفرطة العلو والمغالاة للولايات المتحدة الأمريكية حتى بالنسبة لزمن كتابتها المذكور عام 2018. لكنها بالوقت نفس تنمّ عن احتمالاتِ إجراءاتٍ عدوانية إضافية عسكرياً واقتصادياً قد تقدم الولايات المتحدة على اقترافها.

في أول بند من فقرة «تحديات الأمن القومي» التي تواجه الولايات المتحدة عبّرت الوثيقة عن الهموم الأمريكية التالية: «كيف تحافظ الولايات المتحدة على التفوق الاستراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادي وتعزز نظاماً اقتصادياً ليبرالياً في حين تمنع بالوقت نفسه الصين من تأسيس مجالات نفوذ جديدة غير ليبرالية...» و«كيف تدفع الولايات المتحدة بقيادتها للاقتصاد العالمي»، وما إلى ذلك...

ومن أبرز ما جاء تحت عنوان «المصالح الأمريكية العليا في الهادي والهندي» كتبت الوثيقة: «الحفاظ على وصول الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري إلى الإقليم الأكثر كثافة بالسكان في العالم وأكثر من ثلث الاقتصاد العالمي».

وفي تناقضٍ مع ما جرى ويجري على أرض الواقع خلال السنتين الأخيرتين واليوم، كانت وثيقة 2018 هذه قد وضعت أيضاً الهدف التالي: «الحفاظ على تفوق الولايات المتحدة في المنطقة مع الحفاظ على القيم والحريات الأمريكية الصميمة في الداخل».

وفي تعبيرات تتوافق مع السمة التقليدية لعدم قدرة القوة الإمبريالية على الحفاظ على استمراريتها وموقعها دون فرض أشكال من استغلال واستعمار العالَم الخارجي، اعترفت الوثيقة بأنّ «أمن الولايات المتحدة وازدهارها يعتمدان على الوصول الحر والمفتوح إلى منطقة الهندي والهادي، والتي سوف تبقى محركاً للنمو الاقتصادي الإقليمي والعالمي»، وبأنّ «فقدان تفوق الولايات المتحدة في الهادي والهندي سوف يضعف قدرتنا على تحقيق مصالحنا عالمياً».

وعن الاعتراف بتعاظم قوة الصين ورعب الولايات المتحدة من فقدان قدرتها على تأبيد غطرستها وعدوانيّتها كتبت الوثيقة: «النفوذ الصيني اقتصادياً ودبلوماسياً وعسكرياً سوف يستمر بالازدياد في المدى القريب ويتحدّى قدرة الولايات المتحدة على تحقيق مصالحها القومية في منطقة الهادي والهندي»، و«الصين تسعى إلى التسيُّد على تكنولوجيات التخوم القصوى، بما فيها الذكاء الاصطناعي وعلم الوراثة الحيوية...». ومما ورد تحت عنوان «أنساق الجهود» التي ترمي إليها أمريكا في هذا الشأن نصحت الوثيقة بـ«تطوير قدرات دبلوماسية عامة قوية، تستطيع أن تنافس الحملات الإعلامية الصينية؛ (ثَقب وتنفيس) puncture السردية القائلة بأنّ الهيمنة الإقليمية الصينية هي أمرٌ محتوم».

كما افتتحت الوثيقة فقرة خاصة بالصين على صفحتها السادسة، بذكر الهدف التالي: «منع السياسات الصناعية الصينية وممارساتها التجارية غير العادلة من تشويه الأسواق وإلحاق الأذى بالتنافسية الأمريكية»، وذلك في إشارة يُفهَمُ أنّ المقصود منها ممارسات الصين الساعية لكسر التبادل اللامتكافئ المميز للاستغلال الإمبريالي، وإحلال سياسة الكسب المتبادل win-win بدلاً عنها، والمميزة لعلاقات الصين التجارية الدولية. وبالطبع لم يفت الوثيقة ذكر مشروع «الحزام والطريق» الصيني في أكثر من موضع، والتي تحيل فيها في أغلب تلك المواضع إلى وثيقة أخرى بعنوان «الإطار الاستراتيجي للولايات المتحدة لمواجهة العدوان الاقتصادي للصين». وفي تعبير عن تعاظم القلق الصناعي للولايات المتحدة وضعت الوثيقة الهدف التالي «الحفاظ على تخوم الابتكار الصناعي الأمريكي مقابل الصين».

ومن تعبيرات القلق الأمريكي من التحدّيات المهددة لهيمنة نموذج القيم الليبرالية الأمريكية وأشكالها الثقافية والسياسية وضعت الوثيقة الهدف التالي: «تعزيز القيم الأمريكية عبر كل المنطقة [الهادي والهندي] من أجل الحافظ على النفوذ ومعاكسة وزن النماذج الصينية في الحكم».

وعن النوايا العسكرية الأمريكية في منطقة الهادي والهندي ذكرت الوثيقة من بين «الأفعال» actions المخطَّط لها أمريكياً: «تجهيز وتنفيذ استراتيجية دفاعية قادرة، ولكن ليس مقتصرة، على: (1) شجب سيطرة الصين المستمرة جوياً وبحرياً داخل (سلسلة الجزر الأولى) في نزاع ما؛ (2) الدفاع عن دول سلسلة الجزر الأولى، بما فيها تايوان؛ و(3) السيطرة على جميع النطاقات الواقعة خارج سلسلة الجزر الأولى». ويجدر بالذكر بأنّ «سلسلة الجزر الأولى» تمتد من الأرخبيل الياباني إلى الفلبين. وبعد ذلك مباشرةً يظهر شريط أسود يطمس تماماً حوالي السطر والنصف الذي يختم هذه الفقرة في الوثيقة، فيما يبدو أن المطموس ربما يكون إجراءً رابعاً لم ترفع عنه السرية بعد. هذا وتحوي الوثيقة كثيراً من مواضع الطمس المماثلة.

يلاحظ من الوثيقة أيضاً وضع الولايات المتحدة هدف استمالة ما تستطيع من الدول الإقليمية في الهادي والهندي، بما في ذلك الهند أيضاً، ضدّ الصين. أما حول روسيا، فأوردت الوثيقة في الصفحة الثانية اعتقادها بأنّ «روسيا سوف تظلّ لاعباً هامشياً في إقليم الهادي-الهندي بالنسبة إلى الولايات المتحدة والصين والهند».

وكان مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين قد ذكر في بيان إنّ هذه الوثيقة «قدمت توجيهات استراتيجية شاملة لتنفيذ استراتيجية الأمن القومي لعام 2017 في المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان والأكثر دينامية اقتصادياً في العالم»، وأضاف بأنّ «الوثيقة تم إصدارها لإبلاغ الشعب الأمريكي وحلفائنا وشركائنا بالتزام الولايات المتحدة الدائم بالحفاظ على منطقة المحيطين الهندي والهادئ حرة ومفتوحة لفترة طويلة في المستقبل» على حدّ تعبيره.