«مخفر الشرطة العالمي»... مركزاً للاحتجاج
في وقتٍ لا تزال تتفاعل فيه تبعات الانقسام الداخلي الأمريكي المرشّح للتصاعد خلال الأيام المقبلة، تبرز إلى واجهة المشهد أسئلة عدّة، منها تلك المتعلقة بالأثر المتوقع الذي يمكن أن تتركه الأحداث في الولايات المتحدة على الوضع الداخلي لدى حلفاء الولايات المتحدة عموماً وأوروبا على وجه الخصوص.
لا شك أن لاقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي أسبابه ودلالاته السياسية المباشرة، لكن ما لا ينبغي إغفاله مطلقاً هو الدلالات الرمزية التي حملها اقتحام الآلاف من مؤيدي الرئيس لمبنى السلطة التشريعية في بلادٍ تصرّ على تصوير نفسها كواحة ونموذج مكتمل للديمقراطية في العالم، وهو اقتحام بدأت بوادره الأولى باستهداف تماثيل مؤسسي ورموز الولايات المتحدة الأمريكية، وصولاً الآن إلى استهداف الرمز الأبرز لنموذج «الديمقراطية» الأمريكية في تعبيرٍ واضح عن أن التوافق الاجتماعي حول بنية وطبيعة النظام الأمريكي بات مفقوداً، وأن قطاعات واسعة من هذا المجتمع على استعداد للذهاب حتى النهاية في طريق تغيير بنية هذا النظام بما يناسب تطلعات كل منها.
الجدير بالاهتمام هو أن هذه العملية حين كانت تجري سابقاً في مناطق النفوذ الأمريكي كانت تقابل بمواجهة حاسمة من جانب الولايات المتحدة بوصفها «مخفر الشرطة» العالمي القادر لفترة طويلة من الزمن (على الأقل منذ تفكك الاتحاد السوفييتي وسيادة الولايات المتحدة عالمياً) على قمع ومنع ورشوة أي حركة في مناطق نفوذه الرئيسية. لكن اندلاعها اليوم داخل هذا المخفر نفسه يؤسس للتنبؤ ليس بانتقالها إلى المناطق التي كان يفرض سلطته المباشرة فيها فحسب، بل وكذلك اندلاعها بشكلٍ أشدّ وبنفسٍ جديد محمول على أزمة المركز.
ولدى الكثير من الدول الأوروبية ما هو مشترك مع عوامل الأزمة لدى الولايات المتحدة، ابتداءً من الجوانب الاقتصادية الاجتماعية، مروراً بالانقسام العميق بين النخب الحاكمة، وليس انتهاء بتراجع نفوذ الأحزاب السياسية التقليدية وتنامي الأسئلة الوجودية حول الهوية والانتماء. وهي عوامل راسخة وجاهزة للانفجار في أية لحظة، لا سيما مع تفاقم أزمة المركز والعوامل المستجدة الأخرى مثل تبعات انتشار فيروس كورونا وقرارات الفتح والإغلاق.
بالتوازي مع ما يجري في الولايات المتحدة، اندلعت اضطرابات عنيفة في العاصمة البلجيكية بروكسل، بسبب مقتل رجل أسود في مركز للشرطة بعد أن تم اعتقاله لخرقه حظر التجول المفروض بسبب فيروس كورونا، حيث أضرمت النيران في مركز الشرطة من جانب المحتجين الذي رفعوا شعار «حياة السود مهمة». وتنتشر المخاوف في الدنمارك من احتجاجات حركة «رجال بالأسود» التي تستوحي تحركاتها ومنطقها من حركة «QAnon» الأمريكية المؤيدة لترامب. واتخذت شرطة ولاية العاصمة الألمانية برلين ترتيبات لتعزيز قواتها حول مبنى البرلمان الألماني في تخوف من تكرار مشهد اقتحام الكابيتول الأمريكي، ذلك بعد أن تلقفت فرنسا الإشارة باكراً وجهّزت «قانون الأمن الشامل» الذي يطلق يد الشرطة في احتجاجات محتملة لاحقة. هل هذه الأحداث مصادفة؟ ربما.