توترات داخلية عدة تنذر بانفجارات جديدة في العراق
يشهد العراق هذه الأيام توتراً كبيراً على كافة المستويات ينذر بانفجار أزمة سياسية جديدة خلفاً لسابقاتها التي لم تُحل بالنسبة للبلاد والشعب العراقي. حيث تجري في هذه الأثناء ضغوط عدة من جميع الأطراف على بعضها بعضاً، داخلياً وخارجياً، نذكر أهمها...
أزمة دينار وكهرباء
على المستوى الداخلي، وبشكل أساسي، تستمر تداعيات رفع سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي بالتفاعل مع ارتفاع أسعار السلع في الأسواق وتدنّي قيمة الأجور التي لم ترتفع بما يوازي سعر الصرف الجديد، ومن جهة أخرى يجد العراقيون أنفسهم أمام أزمة كهرباء، خاصةً إثر قرارات وسياسات الحكومة العراقية الأخيرة والماضية باتجاه الانفتاح غرباً.
وقد أبدى عدة نواب من قوى سياسية مختلفة يوم السبت الماضي توقعاتهم وتحذيراتهم مِن «تفجُّر موجة احتجاجات جديدة» في البلاد بسبب أزمة الكهرباء الجارية، حيث تشهد أغلب المحافظات العراقية شبه انعدام للطاقة الكهربائية منذ نحو أسبوعين، لتكون في بعضها مدة الوصل ساعة واحدة فقط، ولتتلاقى الأزمة مع ارتفاع سعر صرف الدولار، ليصبح – مثالاً – سعر وحدة الطاقة (الأمبير) 20 ألف دينار عراقي عوضاً عن 10 قبل رفع سعر الدولار لدى أصحاب المولدات الخاصة المستفيدين من هذه الأزمة.
وتقوم وسائل إعلام الحكومة العراقية المختلفة وأتباعها بإلقاء اللوم على إيران بأزمة الكهرباء، سواء بشكل مباشر أو مواربةً، حيث قامت طهران بتخفيض كميات الغاز المصدَّر إلى العراق لتغذية محطات الكهرباء من 50 مليون متر مكعب إلى 5 ملايين بسبب تراكم الديون على العراق وفق ما قالته طهران، قبل أن تعاود الضخ بعد زيارة وفد إيراني لبغداد وتَسلُّم جزءٍ من مستحقاته.
لكن ما لا تقوله وسائل الإعلام تلك هو ما السبب السياسي خلف تخفيض طهران لغازها المصدَّر أبعد من المستحقات المالية؟ ويكمن الجواب تحديداً في سلوك الحكومة العراقية نفسها التي عمدت خلال الفترة الماضية على البحث عن مصادر غاز وكهرباء أخرى من السعودية والأردن ومصر، بأسعار أغلى، والتلويح بعدم تجديد عقود الغاز والكهرباء مع إيران هذا العام، بغاية هدف سياسي كان قد سبق ردّ الفعل الإيراني اتجاهه، سببٍ يعودُ أساسُه إلى عزم الحكومة العراقية الحالية على الانعطاف غرباً لمصالحها الخاصة ولمصالح شركائها وأوَّلُهم واشنطن، وإنْ كان على حساب معيشة الشعب العراقي، سواءً بتزكية الدولار، أو بمصادر طاقة أغلى غير إيرانية لكي «تُقلِّصَ النفوذَ الإيراني» في العراق وفق وجهة النظر الأمريكية للمسألة، فضلاً عن دفع العراق إلى توترات داخلية عبر هذه الخطوات وهو ما نشهده الآن.
بين إيران والولايات المتحدة
توترٌ آخر يشتد الآن في الداخل العراقي إثر الصراع الإيراني-الأمريكي مع حذر وتخوفات من الطرفين مما قد يقدمان على فعله داخل العراق، فمن جهة تستمر الدعاية الأمريكية التي تهوِّل في آخر أيام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنيَّته في «إجراء ضربة عسكرية» على إيران، لا يُعلم أين ولا متى ولا إنْ كان سيقوم بها أساساً، وهو ما تشير إليه كل التحليلات بالنفي خلف كل هذا التهويل الفارغ، والذي غالباً أنّ ما سيجري في نهاية الأمر هو عكسه: انسحاب أمريكي آخر.
ومن جهة أخرى نرى تخوفات مما قد تقدم عليه إيران عسكرياً تجاه الولايات المتحدة الأمريكية في ذكرى اغتيال كل من قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، الأمر الآخر الذي نرى فيه تهويلاً إعلامياً غربياً أيضاً بغاية رفع حدة التصعيد وجرّ العراقيين إلى توترات وخلافات داخلية تقوم على بنية المحاصصة والانقسام في المجتمع لزجِّه في صراعات زائفة بالوقت الراهن خاصة مع التوقعات الجارية بانفجار موجة احتجاجات جديدة، عوضاً عن الانتفاضة العراقية الأخيرة وتحريفاً لها، والتي تمثلت بوحدة الصفّ والهدف.
وتشترك الحكومة العراقية وقواها السياسية المنضوية ضمنها مباشرةً بهذا الهدف والذي يدخل مباشرةً في نطاق مصالحها، فأيُّ حكومة قد ترغب بأن يخرج شعبُها بشعارات ومطالب تُعارضِها؟ لتنشر خلال الأيام العشرة الأخيرة قواها الأمنية بشكل مكثّفٍ في المحافظات العراقية وبشكل أساسي في العاصمة بغداد، لهدفين اثنين: الأول، عنوانه العام والمعلن هو الضبط الأمني، والذي يعني حقيقةً الضبط الأمني من هجمات المقاومة على مواقع القوات العسكرية الأمريكية بقواعدها، وسفارتها في المنطقة الخضراء، وأرتال الإمداد اللوجستي التي تتعرض جميعها بشكل شبه يومي إلى استهدافات ميدانية. والهدف الثاني هو رفع منسوب التوتر لدى العراقيين وتحديداً خلال هذين اليومين الذين شهدا تجمّعات لإِحياء الذكرى الأولى لاغتيال سليماني والمهندس.
لا يمكن التنبؤ بما قد تؤول إليه هذه التوترات الهادئة الآن خلف نار التصعيد، فقد يتخذ انفجارها أشكالاً عدة سلباً أو إيجاباً، إلا أن ما شهدناه في أواخر 2019 وبدايات 2020 في انتفاضة تشرين بالمعطى الداخلي، وما جرى خلال العام الماضي من انسحابات أمريكية عديدة وكبيرة تقلّص قدرة تخريبها في الداخل العراقي، يجعلنا أكثر تفاؤلاً تجاه انتفاضة شعبية أخرى تسرّع من تلك الانسحابات حتى تطبيق قرار البرلمان العراقي القاضي بإخراج جميع القوات الأجنبية وعلى رأسها القوات الأمريكية بالكامل، والمضي باتجاه تغييرات سياسية حقيقية لمصلحة العراق وحده بعيداً عن أية أطراف خارجية.