أنياب «المُلكية الفكرية» تقطر دماً، والفقراء يموتون بانتظار اللقاح!
واجَهَ مشروعُ «التنازل عن براءة الاختراع» بشأن لقاحات كوفيد-19، الذي اقترحته الهند وجنوب إفريقيا على منظمة التجارة العالمية، معارضةً شرسة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي (مَواطن شركات صناعة الأدوية العملاقة). وكانت الدولتان (الآسيوية والإفريقية) قد تقدمتا إلى اجتماع المنظمة خلال الأسبوع الثاني من كانون الأول الماضي 2020 باقتراحٍ للتنازل عن أقسامٍ واسعة من قواعد الملكية الفكرية ومحاولة صياغة اتفاق حول كيفية تطوير براءات الاختراع في سياق السباق على لقاحات كوفيد-19.
سوزان ديكر وهوغو ميللر
ترجمة: قاسيون (بتصرّف)
تَمنح براءةُ الاختراع شركةَ الأدوية حقوقاً حصرية لتصنيع لقاح طورته، كما تمنحها القدرة على فرض سعر يغطي تكاليف البحث والتطوير. ومع ذلك، فإن هامش الربح لكل جرعة يعتمد على مدى إلحاح الموقف، وفي خضم الوباء، فإن فرض أي شيء يزيد عن تكاليف التطوير لا بد أن يكون مثيراً للجدل. علماً بأنّ الاقتراح الهندي/الجنوب-إفريقي لم يطلب أكثر من أن يكون هناك تنازلٌ «مؤقَّت» يسري مفعوله إلى حين يتم توفير تطعيم على نطاق واسع ويطور غالبية سكان العالم مناعة!
مع ذلك انتهى اجتماع منظمة التجارة العالمية المشار إليه، والذي ضم جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 164 دولة في جنيف، دون الخروج بإجماع حول الملكية الفكرية واللقاحات، تاركاً البلدان الفقيرة التي رعت هذا الاقتراح محبطةً، بينما انتصرت «الحماية القانونية» للقاحات، فيما يبدو أنّ لقاحات كوفيد-19 مصممةٌ لحماية ملايين المواطنين في أغنى دول العالم في الأشهر المقبلة، أما بقية الدول الفقيرة فمن الواضح أنّ البشر فيها «من رتبة أدنى» لدى الشركات والدول الرأسمالية الكبرى.
وقال طاهر أمين، المدير التنفيذي للمبادرة «من أجل الأدوية والوصول والمعرفة»: «مع أكبر أزمة صحية مررنا بها، ما زلنا غير قادرين على إيجاد طرق بديلة للتعامل مع قضايا الملكية الفكرية عندما تكون حياة الجميع على المحك». وأضاف «لديك المدافعون الذين يقولون: دعونا نهدم الجدار. ثم لديك المستثمرون الذين يقولون: إذا سمحنا بذلك فقد نفتح على أنفسنا أبواباً قد لا تنغلق أبداً».
وجرى ذلك في الوقت الذي يعبّر فيه كثير من الخبراء عن الحقيقة البديهية القائلة بأنّ الجائحة بما أنها عالمية فالمشكلة لن تُحَلّ «إذا لم نقم بتلقيح الجميع في جميع أنحاء العالم»! وحتى برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز علّق على الموضوع كذلك بقوله بأنّ الأمر الآن يتوقف على الاختيار بين أمرين: «إمّا لقاحٌ للشعوب أو لقاحٌ للربح». وقالت ويني بيانيما، المديرة التنفيذية لذلك البرنامج بأنّ الوضع يشبه الأيام الأولى للاستجابة للإيدز، عندما «كان العلاج متاحاً للأغنياء فقط بينما كان على البلدان الفقيرة الانتظار لسنوات».
أما الاتحاد الدولي لمصنعي وجمعيات المستحضرات الصيدلانية فيجادل بأن «تعليق براءات الاختراع محفوف بالمخاطر». قال المدير العام توماس كويني إنه «إذا تنازلتَ عن براءات الاختراع هذه المرة، فإنكَ تخاطر بإلحاق الضرر بالبنية التحتية الطبية بأكملها التي سمحت بتطوير لقاحات كورونا في وقت قياسي»، على حدّ تعبيره. كما يُبدي المدافعون عن حقوق الملكية خشيتهم من أن يفتح تعليق هذه الحقوق المجالَ لتوسيع العملية لتطال مجالات أخرى من الصناعات أبعد من اللقاحات.
ويعتقد جيمس بولي، نائب المدير العام السابق للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، أنه على الرغم من أن اقتراحات من قبيل الذي تقدمت به الهند وجنوب إفريقيا حالياً «من غير المرجح أن تصل إلى أيّ مكان»، لكن قد يكون لها تأثيرٌ في المستقبل: «إنها كالكبش الذي ينطح الباب، فإذا استمر بضربه، فقد تنكسر مُفَصَّلاتُه».
ووفقاً لتقديرات منظمة «أوكسفام» فإن 9 من كل 10 أشخاص في البلدان الفقيرة سوف يظلّون محرومين من أيّ لقاحٍ لكوفيد-19 في عام 2021.
■ المصدر: لايف-منت